على ضوء الهرج والمرج الذي يحصل اليوم في برلمانات ما بعد الدكتاتوريات التي أسقطتها الولايات المتحدة والتحالف الدولي، والتي تحبو باتجاه تأسيس دول للمواطنة تقوم على أعمدة الديمقراطية الغربية، في مجتمعات شرقية تؤمن أساسا في بنيتها التربوية والاجتماعية بحكم الفرد وسلطته، إبتداءا من الأب ومرورا بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد، المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص عنترة بن  الشداد أو أبو زيد الهلالي أو الزعيم الأوحد أو ملك ملوك إفريقيا أو القائد الضرورة أو سلطان زمانه، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابهم التاريخية ( العظيمة ) برلمانات من نمط ( اموافج- موافق ) كناية بالتبعية المطلقة لرأي القائد والملك، كونهما يمتلكان سلطة الدنيا والآخرة، وهما ولا غيرهما في الأرض، ولا في الكون ( يفتهم ) مثلهما، وعليه فأنهما دائما على حق ويمتلكان مفاتيح مستقبلنا وسعادتنا!

 

     وعلى هذه الأسس تم تكوين برلماناتهم والية انتخاب أعضائها، حيث يتذكر العراقيون والسوريون والليبيون واليمنيون والمصريون، وحتى إخواننا في الجيرة أهل إيران وتركيا وبقية الشعوب المبتلاة بثقافة الشرق المريض، كيفية ترشيح ودعم أي عضو لكي يجلس على كرسي ( اموافج ) بالبرلمان، حتى وان كان معارضا، فهو مطبوخ في مطبخ القائد أو الملك أو السلطان، ولكي لا نشتت انتباه القارئ سنتحدث عن النموذج العراقي سابقا ولاحقا، في إيصال هؤلاء الأشخاص، إلى تلك الكراسي في زمن الرئيس المعدوم صدام حسين ومن سبقه من قادة العراق ( العظيم ) المعدومين في الغالب، إلا من سقطت طائرته أو أرسل على عجل إلى عاصمة للسياحة والاصطياف، حيث يتم تبليغ منظمات الحزب والشيوخ وأعمدة القوم لتوجيه قطعانهم لانتخاب فلان بن علان لكونه مرشح الحزب أو القائد، وبهذه الطريقة يصل هؤلاء الأصنام إلى كراسي المغفلين في ما يسمى بالبرلمان.

 

     واليوم بعد أن أزالت الولايات المتحدة وحلفائها هياكل تلك الأنظمة الشمولية، مدعية أنها تعمل من اجل إقامة نظم ديمقراطية على أنقاض تلك الخرائب، دونما إدراك للكم الهائل من الموروثات التربوية والاجتماعية والعقائدية والسياسية، في مجتمعات تعاني أصلا من الأمية بشطريها الأبجدي والحضاري، وما تزال تعتبر القبيلة والعشيرة ورموزها أهم ألف مرة من الشعب والدولة، وكذا الحال بالنسبة للدين والمذهب، اللذان لا ينافسهما أي انتماء، والغريب انها لم تدرك كيف ستكون مؤسساتها الدستورية والديمقراطية والية انتخاب أعضائها؟

 

     ما حصل عندنا في العراق وبالتأكيد هو ذاته في ليبيا أو سوريا لاحقا أو مصر واليمن وبقية دول المختبر الديمقراطي، هو نفسه الذي كان يستخدم من قبل الزعماء وأحزابهم العظيمة، حيث يتم تجييش القبائل والعشائر والرموز الدينية والمذهبية، وبتمويل من الكتل والأحزاب، لإيصال مجموعة من الأصنام إلى قبة البرلمان مقابل امتيازات مالية، وهذا ما حصل فعلا منذ 2005 ولحد آخر انتخابات في العراق بشقيه الاتحادي والإقليمي، حيث يذهب إلى تلك المقاعد مجاميع من الأشخاص الذين يدعمهم الحزب أو الكتلة بإسناد عشائري وديني أو مذهبي يذيب شخصية المرشح، بحيث لو انه تجرأ وترشح بنفسه دونما دعم لتلك المؤسسات، لما حصل إلا على أصوات عائلته وبعض أقربائه!؟

 

     واليوم يجلس على كراسي ( اموافج ) مجاميع تمثل واحدة من افشل دول العالم، وأكثرها بؤسا وتعاسة وفقدانا للأمن والسلم وأي مظاهر للتقدم والازدهار، حيث يستخدمون في آليات الترشيح والانتخاب ذات الآلية التي كان يستخدمها عرابوهم في الأنظمة السابقة، بالاعتماد الكلي على العشيرة والدين والمذهب والحزب أو الكتلة، ويمارسون ثقافة ( اموافج ) وان اختلفت المواقع والعناوين، وبغياب المواطنة والانتماء الوطني وسيادة الانتماء القبلي والديني المذهبي، أصبحت برلماناتنا مسارح لتمثيليات بائسة وسيرك غجري ساذج!