مخترعى التنظيمات والجماعات والحركات الإسلامية الذين يدعون المسلمين للإصلاح والهداية وترك المفسدات، حتى يرضى الله عنهم ويتقدموا ليعيدوا مجد إسلامهم أو حضارتهم الإسلامية، هذا قول حق يراد به باطل لأننا لم نسمع ولم نقرأ فى كتب التاريخ أن التفوق والتقدم الذى وصلت إليه اليابان الجريحة بعد الحرب العالمية قد نسبته إلى أديانهم أو دين الأغلبية، ليقولوا الحضارة البوذية أو الحضارة الهندوسية ونفس الأمر ينطبق على الصين والإتحاد السوفيتى سابقاً، لم ينسب هؤلاء تقدم شعوبهم إلى حسن أو فساد أخلاقهم ولم يقول اليابانيين أن إلههم إبتلاهم بالقنبلة الذرية التى ألحقت بهم الهزيمة والخراب، وأنهم أحتاجوا إلى جماعات دينية هندوسية ومن مختلف أديانهم لتهديهم إلى الدين الحق ويتركوا فساد أخلاقهم حتى يرضى الله عنهم ليحققوا أكبر معجزة حضارية تقدمية يشهد لها العالم فى سنوات قليلة ولم يجلسوا كالعرب يبكون وينعون الفساد الأخلاقى وتركهم للصلاة وأستمرار التخلف فى مجتمعاتهم الدينية.
هذا يؤكد بطلان إدعاءات الجماعات الإسلامية سواء كات وسطية معتدلة أو جهادية تقاتل المسلمين وغير المسلمين، بأن التقدم فى العلوم والمعرفة وصنع حضارة له علاقة بالأديان أو بالأخلاق الدينية، فالتخلف والحنين الدينى لإستعادة أمجاد سياسية وعسكرية وإحتلال دول الآخرين بحجة الفتوحات الدينية، هذا الفكر قد أنتهى زمانه لأنهم صنعوا ما صنعوا فى غفلة من الزمان مثلهم مثل بقية الحروب والغزوات العسكرية من مغولية وتتارية وصليبية وأوربية، والقضية الخطيرة التى لم ينتبه إليها أحداً من المثقفين والنخبة الإجتماعية أن الشعوب المسلمة تعتقد أنها أرست قواعد وأسس التعايش مع الآخر فى جميع الأحوال والأزمان والأماكن كما قال مفتى مصر شوقى علام فى سنغافورة ولا يخجل من ذلك فى نفس الوقت الذى تنتشر الجماعات والتنظيمات الإسلامية الإرهابية فى بلاد العرب تقتل رجالاً ونساء وأطفالاً وشباباً بأسم هذا الإسلام ويعجزون عن تطبيق الشريعة عليهم أو القانون العام ، فهل يضحك على نفسه أم على القادة وأساتذة الجامعة الذين درسوا ويعرفون فظائع الغزوات والتنظيمات الإرهابية الإسلامية التى لا تتعايش مع نفسها ولا مع بقية المسلمين؟
إن رجال الدين والقيادات السياسية عليهم الوقوف وقفة شجاعة بقوانين صارمة تمنع الحاضنات الثقافية الدينية التى تخلق الإرهابيين، أى تخلف المجرمين الذين لا يستطيع أى دين أو إله إيقافهم عن أعمال القتل وما نراه يومياً فى العراق وسوريا من تنظيم داعش الذى رفض الجميع تكفيره وعمله الوحيد هو القتل على الهوية الدينية والإنسانية، إن تنشئة الأطفال على أفكار ظلامية عدائية متشددة ترفض التعايش مع الآخر وتطالبه بالدعاء يومياً عليه وبالبغض والكراهية والموت، هى أفكار تؤسس لقبول أفكار تلك الجماعات والتنظيمات التى تتسق والفكر العام للمجتمع العربى، إن المجتمعات العربية الإسلامية وأشدد على هوية العربية تحتاج لبناء جسور التفاهم بين أبناء هذه المجتمعات التى لا تعرف الحوار بين بعضها البعض ولا تعترف بحقوق الآخرين من الشعوب ذوى الحضارات المختلفة، لأن حضارة العرب تسمو فوق بقية الحضارات الإنسانية الفاسدة التى أفسدت أخلاق شعوبها.
إن العرب لا يؤمنون بالتعددية سواء فى الأديان أو الثقافات والحضارات لذلك خرجت التنظيمات فى مجتمعاتها من رحم الدين الواحد، تلك التنظيمات التى لا تؤمن بحق الآخرين فى الإيمان بدين آخر أو ثقافة آخرى بل يعتبرونها أديان وثقافات تآمرية تحض على الفسق والفجور، وذلك لأن التنشئة والتربية والتعليم فى المجتمعات العربية الإسلامية محورها الذى تدور حولها الثقافة الدينية، من هنا ينشأ الجيل الصاعد وهو فاقد للأسس الحضارية للمجتمعات الإنسانية وعدم إعترافه بالتعددية وحرية الآخرين وحقوقهم الإنسانية، لذلك يعيش الجيل العربى الصاعد فى فراغ ثقافى يملئه بالأفكار المتوارثة من أفضلية العرب على بقية شعوب الأرض الكافرة.
هذه الثقافة التى يتم تلقينها فى كل مكان قد أورثته أفكار عدوانية متخلفة تدفع بالشباب إلى محاربة أبناء المجتمع نفسه، لأن الشباب أيقنوا أن سبب فشل مجتمعاتهم وشعوبهم وضعفهم يرجع إلى إهمالهم وصايا دينهم، لكنهم فى الوقت نفسه تجالوا واقع ومنطق أن أسباب تقدم الكفار هو تخليهم عن دينهم وتمسكهم بأخلاقهم الإنسانية وإحسانهم وإنضباطهم فى العلم والعمل، مما أدى إلى نجاحهم فى جميع المجالات وأدرك الجميع أن الدين لا علاقة له بإرتقاء الشعوب والمجتمعات وصنع الحضارة، ولم يفعلوا ولم يفكروا مثلما يفكر العربى أن سبب فشله هو الدين بل أن الأوربى والأمريكى واليابانى والصينى والروسى وكل الملحدين والشيوعيين العكس من العرب قد تمسكوا بالعلم ووصلوا إلى أعماق الفضاء ويومياً يقدمون للإنسانية إكتشافات لا حصر لها يقدمونها على طبق من ذهب لكل عربى متمسك بدينه يأكل ويشرب ويسافر عبر القارات بطائرات أسرع من الصوت، وغيره الكثير يعرفه كل عربى جاهل أو متعلم ومثقف لكن القضية هى قضية العنصرية الدينية التى تميز بين البشر حسب الدين، وهى العنصرية التى توقف الغرب أمامها وأسقط هالة القداسة عن الدين المسيحى بعد ثورتهم الفكرية، وأعطوا الحرية لكل فرد فى أعتناق ما يحلوا له من أديان أو الكفر بها دون الأعتداء على حرية الآخرين، أما القوانين التى تحكم المجتمعات فلا علاقة لها بالدين بل بالإنسان هو الذى يحكم ويشرع قوانيه التى يحتاج إليها ويضع دساتيره التى تؤسس لمجتمع إنسانى له نظامه الديموقراطى أو الشيوعى أو الإلحادى أو العلمانى، والنتيجة نجاح تلك المجتمعات فى صناعة الحضارة العصرية التى يعيشها إنسان اليوم، وتركوا لكل فرد الحرية أن يذهب إلى كنيسته أو معبده البوذى أو السيخى ويعبد ربه أو إلهه فى بيته كيفما شاء.
لذلك الدين هو سبب تخلف وتأخر الأمم والشعوب لو أنها أعتقدت أن تعاليم الدين ستكون سبباً فى تقدمها وإزدهار مجتمعاتها.