اجرى الحوار : علي الكناني 
كشف الاستاذ الدكتور حسين امين عن اسرار جديدة تتعلق بثورة 14 تموز1958 تتضمن لقاءه رشيد عالي الكيلاني “من رؤساء الوزارات العراقية السابقة” في مصر صبيحة يوم الثورة، كذلك عن علاقته بالليثي عبد الناصر شقيق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورؤيته

الاولى لعبد الناصر قبل ان يصبح رئيسا وقائدا للثورة المصرية من خلال تكليفه بمهمة سرية وخطيرة من الضباط الاحرار عام 1957 الى القيادة المصرية انذاك في هذا اللقاء نقدم للقارئ وللتاريخ حقائق عن بعض المعلومات التاريخية. 
استاذنا الكبير الدكتور حسين امين ـ رئيس اتحاد المؤرخين السابق وعالم التاريخ المعروف، والذي يتمتع بذاكرة متوقدة متوهجة خصبة يحسد عليها من مجايليه وزملائه ، ويمارس نشاطا ثقافيا متنوعا ومتواصلا تمثل بالقاء المحاضرات وحضور الندوات والمؤتمرات والمناقشات / واغلب الفعاليات الثقافية.. قال لنا في صبيحة ثورة 14 تموز عام 1958 كنت في بيتي في الاسكندرية ،فجاءني صديق عراقي / عبد المناف امين / وابلغني بأن بعض العراقيين مجتمعين في مقهى “اريزونا” في ميدان محطة الرمل ـ الاسكندرية.
ومن بينهم رشيد عالي الكيلاني، ويطلبون مني الحضور الى المقهى المذكور لامر مهم، وعندما ذهبت الى المكان المذكور وجدت السادة المرحوم رشيد عالي الكيلاني ، واللواء علي ابو نوار رئيس الاركان الاسبق للجيش الاردني ، وعددا من العراقيين اذكر من بينهم المرحوم الدكتور كاظم الجنابي الذي كان طالب ماجستير وثابت الراوي كذلك يدرس الماجستير ،وكانت المرة الاولى التي التقي بها المرحوم الكيلاني، وجرى الحديث حول الثورة وعلى ما يبدو ان الجميع فوجئوا بنبأ الثورة الذي افرح الجميع ، وطلب مني الكيلاني ان اساعده باعتباري اقدم عراقي بالاسكندرية وطلب مني ان اساعده على الاتصال بالثوار في بغداد لاستجلاء الوضع والتعرف على ماهية الموقف في بغداد فذهبنا الى مؤسسة الاتصالات في الاسكندرية وكانت تعرف مؤسسة ماركوني للاتصالات” بشارع سعد زغلول فاعتذروا عدم تمكنهم من الاتصال ببغداد في ذلك الوقت فذهبنا الى مؤسسة جريدة الاهرام فرع الاسكندرية فأعتذروا ايضاً واخيراً قلت للمرحوم الكيلاني بالامكان ان نتصل بسفارتنا في القاهرة لعلهم على علم بشيء من احداث الثورة ، وفعلا اتصلنا بالسفارة من دار الاهرام ، وكلم المرحوم الكيلاني المسؤولين بالسفارة فأبلغوه انهم لم يتلقوا أي شيء من بغداد ولا يعرفون عن احداث الثورة الا ما نسمعه عن طريق الاذاعات فخرجنا وعدنا الى نفس المقهى بصحبة أبي نوار.
*مشيا ام في سيارة؟
ـ كان التنقل مشيا بين هذه الدوائر والمقهى.
*ولماذا كان الكيلاني يرغب بالاتصال بقادة الثورة في بغداد برأيك؟
ـ الحقيقة ان الكيلاني رحمه الله لم يخف الرغبة الحقيقية عني ، فعندما قلت له غدا او بعد غد سينجلي الامر ، ولكن الاحظ على سيادتك اهتماما كبيرا بهذا الموضوع ، فقال ما معناه ، انت مثل ولدي ، وانا كنت موعودا بمنصب رئيس الجمهورية عند قيام الثورة بالعراق ، والى هنا جلسنا قليلا ثم استأذنت منه وانصرفت وعاد رشيد عالي الكيلاني بصحبة ابي نوار الى القاهرة ، ولا ادري بعد ذلك هل اتصل من هناك ام لم يتصل ، لكن الشيء الذي اعرفه ومتاكد منه قال انه كان موعودا  بمنصب رئيس لجمهورية عند قيام الثورة، ولا اعرف هل كان هذا صحيحا ام لا ، لا اعلم ، ولكن هذه الحقيقة اثبتها للتاريخ.
*من باعتقادك الجهة التي وعدته ، وهل هم الضباط الاحرار ام غيرهم؟
ـ لم اكن ادري ، حيث كانت الثورة مبهمة بايامها الاولى والاسماء لم نعرفها ، كذلك من الضباط لم نعرفهم .
*ربما كان الكيلاني يعلم عنك اشياء كثيرة بخصوص نشاطك الوطني وعلاقتك بالضباط الاحرار في العراق قبل الثورة ، ولذلك ميزك من بين جميع الطلبة العراقيين في مصر واتصل بك؟
ـ لا ادري ولكن اعتقد انه ربما عرف بالمهمة التي اتيت من اجلها الى مصر عام “1957” لا ستطلاع رأي القيادة المصرية بشأن مساندة الثورة اذا قامت في العراق.
*يسرنا ان نعرف والقراء اسرار وتفاصيل هذه المهمة  ، وربما تكون اضافة لمعلومات تاريخية اخرى؟
ـ ان هذا السؤال عن هذه المهمة وتفاصيلها يتطلب تقديم نبذة عن ظروف ووقائع وفعاليات سابقة ادت الى تكليفي بهذه المهمة والخطيرة،فقد تيسر لمجموعة من الشباب المثقف تكوين جمعية مفتوحة بدون اسس او امور اخرى، فقط نلتقي في الدار التي اسكنها انا والدكتور خزعل البيرماني في العلوية كان يغدو على دارنا مجموعة من الاصدقاء في البدء من بينهم المرحوم الدكتور مهدي المخزومي،والدكتور علي الزبيدي استاذ الادب العربي ” عميد كلية الاداب سابقا” والمرحوم الدكتور فيصل السامر والمرحوم الدكتور فيصل الوائلي والدكتور ابراهيم السامرائي والدكتور علي رضا الجاسم والدكتور علي غالب الياسين ، والدكتور ناصر العاني والمرحوم الدكتور مصطفى كامل ياسين والمرحوم الدكتور صلاح خالص ، هذا ما تسعفني الذاكرة بذكراهم ثم تحولت الزيارات الى مدارسة الاوضاع في العراق وخاصة بعد الثورة المصرية ، ثم تطورت واصبحت اجتماعات منظمة ، وكان من بين الذين يحضرون مجلسنا هذا “الدكتور شابا توما” وهو استاذ في كلية الحقوق ، وعضو في الحزب الوطني الديمقراطي ، وكان ينقل احاديثنا ووجهات نظرنا الى الحزب أي بمثابة “ضابط ارتباط كما يسمى ” وفي احدى الجلسات فوجئنا بشخص غريب يحضر الجلسة ، ولكن المرحوم خزعل البيرماني قدمه لنا بانه من اقربائه واسمه عباس البيرماني وكان على ما اتذكر مقدم في الجيش العراقي، وابلغنا ان هناك مجموعة من الضباط العراقيين الوطنيين يحملون نفس افكارنا بضرورة تغيير الوضع الحالي وانهم كلفوني ان اتصل بكم وانقل افكاركم وآراءكم وما يدور بخواطركم تجاه الوضع القادم.
وبعد حوالي اسبوعين او ثلاثة حضر اللقاء، وكان ذلك في اواخر عام ” 1957″ وقال ان “الضباط الاحرار يطلبون منا ان نجس نبض اخواننا المصريين وهل بامكانهم تقديم العون والمساعدة الىالثوار العراقيين عند قيامهم او تنفيذهم للثورة.
وعند ذاك ارتأى مجلسنا او مجموعتنا ان اقوم انا بالسفر الى مصر بسبب اعتبارات عديدة، لاني على اتصال بمصر لاني خريج جامعة الاسكندرية ، ومسجل للدراسة على الماجستير ، والاهم اني على علاقة وثيقة بالليثي عبد الناصر شقيق الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله .. ولبيت الطلب عام “1957” وسافرت الى الاسكندرية واتصلت بالليثي عبد الناصر الذي كان يشغل منصب امين سر هيئة التحرير في مدينة الاسكندرية واخبرته بتنظيمنا في بغداد وطموحاتنا في التغيير ، وعن علاقتنا بمجموعة الضباط الاحرار ، وعن استفسار ضباط العراق عن مدى الدعم والمساندة من الثورة المصرية لثورة العراق اذا قامت وكتبت له خطيا بذلك فاخذ الرجل رسالتي، وعلى ما يبدو انه اتصل بالقيادة المصرية، وبعد ثلاثة ايام ابلغني الليثي عن طريق الجامعة ان احضر الى هيئة التحرير في الاسكندرية، فحضرت في الموعد المحدد ووجدت في غرفته احد اعضاء مجلس قيادة الثورة المصرية المدعو “حسين ابراهيم” من الضباط الاحرار المصريين ومتخصص بسلاح الطيران “طيار” وهو اسكندراني ، وبعد السلام والترحيب ، قال لي بالحرف الواحد انني انقل اليك قرار الضباط او الثورة المصرية / مجلس قيادة الثورة / ان الحكومة المصرية ستقف الى جانب الضباط الاحرار العراقيين عند قيامهم بالثورة وطلب مني ان انقل هذا الكلام الى ضابط الارتباط بين مجموعتنا والضباط الاحرار.
وعدت الى بغداد ونقلت نص الكلام الى عباس البيرماني الضابط الموفد ، حرفيا ان مصر مستعدة لتقديم العون والمساندة وبكل اشكالها اذا ما حدثت وقامت الثورة وتحقق ذلك فعلا عند قيام الثورة العراقية وكما نعلم من الاحداث ان مصر وقفت الى جانب العراق وان عبد الناصر قطع رحلته التي كان يقوم بها الى يوغسلافيا وعاد الى القاهرة وهدد وانذر أي قوى او دولة او جهة تحاول الاعتداء على العراق وافشال الثورة او أي عمل مضاد ضد الثورة العراقية ، وان مصر ستقف بكل امكانياتها الى جانب الثورة العراقية “حيث سرت معلومات واشاعات حول قيام بريطانيا بانزال جوي لافشال الثورة ،وغيرها من الاجراءات العسكرية”.
وانا احاور استاذنا العزيز الذي اخجلنا نحن الشباب بالشعور بالتعب مبكراً ، حاولت الاعتذار عن ارهاقي من شخصه الكريم بالاسئلة فشجعني امد الله في عمره على ان اطرح كل ما اريد الاستفسار عنه لاغنائه الموضوع، فقلت يا سيدي كيف تكونت علاقتك بالليثي عبد الناصر؟
ـ فقال : تخرجنا في نفس الكلية ، كلية الاداب / جامعة الاسكندرية في منطقة / الشاطبي / عام 1951 ـ 1952 ” وتعود معرفتي وتوثق علاقتي به ، انه تعرض يوما الى حادث اعتداء من مجموعة من الطلبة المحسوبين على حزب / الوفد / المصري العريق قبل الثورة المصرية فأنقذته من بينهم لأنه كان محسوبا على / الاخوان المسلمين / واتيت به الى الكافتيريا في الكلية / ” كان الوفديون يشكلون قوة كبيرة” قوة لا يستهان بها ، ، أي اقوى حزب سياسي انذاك، بل اقوى من السعديين والاحرار “الدستوريين” كان الليثي عبد الناصر وقتها من عائلة فقيرة وليس عنده سكن ، وما يأتيه من اهله لا يكفيه فأخذته معي الى بيتي واسكنته معي لمدة سنة اصرف عليه / وفي احد الايام قرع الجرس فأتت الخادمة وقالت هناك ضابط في الباب يطلب الليثي ” في عام 1951″ فجاءني الليثي واخبرني بأن اخاه الضابط مر لرؤيته والاستفسار عن احواله فاستاذنني بان اسمح له بالدخول، فوافقت فادخله وكان ضابط نحيف البنية اسمر اللون ، وبرتبة مقدم فتبادلنا التحية، وتركتهم وحدهم وانشغلت بتحضير الشاي لهم ، ومكث نصف ساعة ثم ودعنا وانصرف ، ولكن لم اكن اعلم ان هذا الضابط الدمث الخلق المتواضع كان هو القائد العربي جمال عبد الناصر .. الذي اتى لرؤية شقيقه الليثي من وحدته في “منقبات الجنوب ” في بيتي.
* وهل كنت في مصر عند قيام ثورة 23 يوليو 1952.
ـ نعم فقد تخرجت عام “1951 ـ 1952 ” وعدت الى بغداد وقبل الثورة بايام رجعت الى الاسكندرية لاكمال متطلبات الماجستير فقد كنت اسبح في الشواطىء “سبورتنك” وكانت الساعة الحادية عشرة صباحا فجاءت طائرة والقت مناشير بتغيير النظام وتصحيح المسيرة من قبل الضباط الاحرار ، ووقتها لم اكن اعرف بان الضابط الذي ضيفته في بيتي كان من بين مجموعة وقادة الثورة  حتى عام “1953” حينما استلم الرئاسة 
المصرية.