الدعوة الى النظام الرئاسي

ادهم ابراهيم 

الديموقراطية هي حكم الشعب ، ويعتبر الشعب مصدر السلطات ، وتستند الديموقراطية على مبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وبالرغم من ان الديموقراطيات في العالم قد واجهت بعض الانتقادات والسلبيات، الا انها مازالت تعتبر الوسيلة الوحيدة للحكم الرشيد، بالقياس الى الدكتاتورية التي تعني حكم الفرد الواحد، وتصرفه بمقدرات الشعب 

الديموقراطية العراقية

 لن نستعرض تاريخ العراق الحديث. ولكننا نبدأ من عام 2003 ومارافقه من غزو امريكي للعراق، تحت ذريعة التخلص من الحكم الديكتاتوري وتطبيق الديموقراطية كبديل منطقي عادل. الا ان المفاهيم والاسس التي استندت عليها هذه التجربة ومارافقها  من انحرافات. قد تسببت في كثير من الازمات مما يتطلب تصحيح المسار الديموقراطي في العراق وقد كان تقسيم الشعب ابتداء الى طوائف وقوميات هو اول بوادر فشل المسار الديموقراطي. وتم تعزيز ذلك بالدستور ليصبح لغما دائما يتفجر في وجه الاصلاح الديموقراطي. ومن ذلك جاءت المحاصصة الطائفية وما رافقها من فساد لامثيل له قد افشلت العملية السياسية برمتها. خصوصا وان من تصدى للحكم احزاب وتكتلات تستند على الاسلام السياسي ، وبذلك فان المؤسسات والشخوص السياسية والدينية تتحمل المسؤولية في افشال العملية الديموقراطية، من خلال تبنيها للتقسيم الطائفي والقومي بين ابناء الشعب،  وهكذا تكرست دكتاتورية الاحزاب الدينية فاصبحت سلطة فوق سلطة الدولة خصوصا وان اغلبها تمتلك  مكاتب اقتصادية وميليشيات مسلحة باسلحة ثقيلة توازي اسلحة الدولة بل وتتفوق عليها احيانا. اضافةالى تغول بعض العشائر نتيجة ضعف الدولة ومؤسساتها الامنية. وانتشار مافيات الاحزاب وعصابات الجريمة المنظمة. التي تساندها الدولة العميقة وتقف امام اي محاولة اصلاح او تقويم للتجربة الديموقراطية التي ولدت مشوهة وذات ارتباطات خارجية . وكان الغرض منها التعطيل الممنهج لقدرات الشعب العراقي الذاتية لاحلال مؤسسات ومناهج  دينية متخلفة محلها 

ان الاحزاب الدينية سارت باتجاه خلق الدولة الفاشية، وهي لاتؤمن حقا بالديموقراطية ، وتشرع القوانين التي تتيح لها الاستمرار بالحكم باي وسيلة كانت، والتركيبة البنيوية لنظام الحكم الحالي تعتمد على الاقتصاد الريعي ومارافقه من نهب موارد الدولة بالاضافة الى الفساد السياسي والاداري ، وعملت الاحزاب الحاكمة على حماية نفسها وترسيخ نفوذها بالميليشيات والمافيات المسلحة 

ان العملية السياسية في العراق لايمكن اصلاحها باي شكل من الاشكال لان الخلل كامن في البنية الاساسيةلهذا النظام الطفيلي والوصولي، والذي اصبح معاديا لطموحات الشعب وطليعته الشبيبة، وزادت الهوة بين الحاكم الفاسد والمحكوم المحروم من ابسط اساسيات الحياة 

نظام الحكم

ان فشل النظام الطائفي الكليبتوقراطي، قد تسبب في انتفاضات الشعب العديدة، احتجاجا على السلوك المشين لاحزاب السلطة الحاكمة. ويتم قمعها في كل مرة بوحشية، حتى تفجرت ثورة الشعب المباركة في تشرين/ اكتوبر الحالية.. هذه الثورة التي وحدت العراقيين واعادت الثقة بقدرات الشعب، وجعلت السياسيين يتخبطون في كيفية تعاملهم معها من خلال التصريحات المتضاربة والوعود الكاذبة

وقد برر بعض قادة الاحزاب الميليشياوية فشلهم الفاضح بعيوب النظام البرلماني، بدلا من الاعتراف بفسادهم وعجزهم . وبرزت دعوات للنظام الرئاسي، كبديل عن النظام البرلماني، لتجديد وجودهم في السلطة سنوات اخرى من التخبط والضياع وسرقة اموال الدولة 

نحن نعلم بان الدعوة للنظام الرئاسي قد تؤدي الى  اعادة انتاج الديكتاتورية في العراق تحت لافتات الديموقراطية . وهذا الاتجاه نابع من طبيعة التفكير القبلي المتخلف للاحزاب والكتل الحاكمة، هذا التفكير الذي يركز على ضرورة وجود قائد واحد لادارة الحكم، دون التفكير بمخاطر هذا الاتجاه على مستقبل العراق وجعله دولة متحضرة مستقلة، وخصوصا في ظل تحكم احزاب دينية تحاول البقاء في السلطة، ولاتتورع في تزوير وتشويه ارادة الشعب من اجل هذه الغاية

 ان هناك خللا بنيويا في تركيبة السلطة الحاكمة في العراق، ولايمكن معالجته الا من خلال التغيير الشامل لمجمل العملية السياسية. واذا ماتم ذلك فيمكن اعتماد نظام حكم ديموقراطي تشاركي توزع السلطات والصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء،  مع ضمان استقلال القضاء وحكم المؤسسات. ويتم ذلك بتغيير  نظام الحكم من البرلماني المشوه حاليا الى النظام المختلط.  كما هو متبع في فرنسا. .  حيث يتشارك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في السلطةالتنفيذية،  وينتخب رئيس الجمهورية كل خمس سنوات بالاقتراع العام المباشر، في حين يتم اختيار رئيس الوزراء من قبل البرلمان. ومنصب رئيس الجمهورية يعلو على منصب  رئيس الوزراء، فهو القائد العام للقوات المسلحة، ويتولى السلطة السياسية العليا في البلد. اما رئيس الوزراء فيمارس السلطة الادارية وتقديم الخدمات الى المواطنين من خلال الوزارات المرتبطة به

 ولنجاح مثل هذا النظام يتوجب حضر الاحزاب الدينية والشوفونية، من الترشيح للانتخابات البرلمانية او الرئاسية، ويتم النص على ذلك بالدستور، حتى لاتتكرر التجربة المريرة التي مر بها العراق خلال ستة عشر عاما  

ويمكن الاستعانة بنظام حكم النخبة لتجنب فوز عناصر شبه امية او وصولية كما هو جار الان. ولا نقصد بالنخبة هنا على غرار نظام الحكم الامريكي الذي يركز على النخب الراسمالية  . ولكننا نعتمد على النخب الثقافية والاجتماعية من رجال او نساء متعلمين تعليما عاليا سواء في الاقتصاد الصناعي والزراعي، او القطاع الابداعي والفني وكذلك من الاوساط الاعلامية المتميزة بجماهيرها ونضجها الديموقراطي المدني.  اما البرلمان فيتشكل من ممثلي منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية الطبية والهندسية والتعليمية والاقتصادية واتحادات العمال والجمعيات الفلاحية والمنظمات النسوية الجماهيرية، واتحاد الطلبة والشباب  لضمان تمثيل الشعب تمثيلا صادقا وهذه من اسس وركائز الديموقراطية الحقة

 ونحن هنا اذ نتطلع الى مستقبل زاهر للعراق نوجه تحية اكبار وعرفان لكل الثائرين وهم يسطرون اروع امثلة البطولة والفداء
ادهم ابراهيم