الحفاظ على حياة المواطنين هو الشغل الشاغل لاي نظام سياسي بغض النظر عن طبيعة النظام ان كان دكتاتوريا شموليا او ديموقراطيا، ففي الانطمة الدكتاتورية الشمولية يكون الامن مستتبا لبطش السلطة وقسوة اجهزتها الامنية والتي بها تؤمن السلطة نفسها من الاحزاب المعارضة لها وعملها على الاطاحة بنظامها، وفي الانظمة الديموقراطية يكون الامن مستتبا لقوة الاجهزة الامنية من جهة وتعاون المواطن معها من جهة اخرى لان المواطن نفسه هو من ذهب الى صناديق الاقتراع لانتخابها وهو نفسه من يزيحها عن السلطة اذا لم تنفذ السلطة برامجها التي وعدت بها اثناء الانتخابات. وهذا يعني بمعنى وبآخر ان الوطن في ظل سلطة دكتاتورية شمولية عبارة عن سجن كبير كما معظم الانظمة الشمولية العربية، ونفس الوطن عبارة عن واحة للطمأنينة الى حد بعيد في ظل الانظمة الديموقراطية، مع بعض الاستثناءات في طبيعة بعض الانظمة السياسية ذات الحزب الواحد والتي تعطي هامشا من الحرية ولكن دون المساس بمركزية الدولة كمصر اثناء عهد مبارك.
الشيء الغريب في العراق ان البلد كان عبارة عن سجن كبير أبّان الحكم البعثي الساقط وكان سجّانوه اي اقطاب النظام وازلامه يصولون ويجولون في ارجاء البلد بحرية كاملة لان الاجهزة الامنية كانت اضافة الى قسوتها ووحشيتها، مهنية (لم تكن طائفية) وتعتمد على مصادر معلومات عديدة ومتنوعة اضافة الى استخدامها اساليب علمية تعلمتها من خيرة المدارس المخابراتية في العديد من دول العالم والتي ترجمتها السلطة الدكتاتورية حينها بشكل مثالي للحفاظ على نفسها وهيبتها امام شعبنا المغلوب على امره. ولو تحدثنا بلغة الحقائق فان المعارضة العراقية حينها ومن ضمنها احزاب السلطة اليوم والمدعومة باكثر من قوة اقليمية لم تستطع ان تنال من النظام البعثي المنهار رغم الحصار الاقتصادي والسياسي حتى جاء الامريكيون بجيوشهم ليزيحوا عن كاهل شعبنا حكما تفنن في اذلاله لما يقارب من الاربعة عقود.
والشيء الغريب ايضا اليوم ان النظام السياسي الطائفي لم يستطع منذ الاحتلال لليوم من بناء اجهزة امنية مهنية تعتمد على المعلومة الاستخبارية لتحللها كي تتخذ الاجراءات الكفيلة التي تحول دون ان يضرب الارهاب ضربته الاستباقية، فالاجهزة الامنية طائفية القوام وحزبية يديرها افراد لا صلة لهم اساسا بالجانب الامني والاستخباري الذي هو بحاجة الى رجال مهنيين ومدربين تدريبا علميا جيدا وقادرين على التعامل مع اي معلومة استخبارية للاستفادة منها بالسرعة القصوى.
أن ضعف الاجهزة الامنية وعدم تعاون المواطن معها لخوفه من الارهابيين نتيجة اختراقهم للاجهزة الامنية من جهة، وزيادة فاعلية قوى الارهاب كنتيجة طبيعية لحالة عدم الاستقرار السياسي من جهة اخرى والتي وفّرت العديد من الحواضن لها، ونتيجة لعدم توفير ادنى مستلزمات الحياة الكريمة للمواطنين ما ادى الى شعورهم بعدم تمثيل الحكومة لهم، اضافة الى الجهد الاستخباري لقوى اقليمية تريد تدمير العملية السياسية برمتها، جعلت العراق ساحة مكشوفة امام الارهاب الداخلي والخارجي الذي اصبح اليوم قادرا على ضرب اهداف منتخبة في المكان والزمان الذي يريدهما، وعادة ما تكون هذه الاماكن الاسواق ودور العبادة والمقاهي وساحات كرة القدم اخيرا وغيرها من الاماكن المزدحمة بالسكان.
ولكن المفارقة الكبيرة والتي لم تحدث في اي بلد بالعالم على حد علمي لليوم، هو ان تترك السلطة شعبها عرضة للموت اليومي وحماية نفسها فقط وبطريقة تنم عن ضعف كبير وذل ما بعده ذل امام قوى الارهاب. ان الحكومة العاجزة في عراق الطوائف لم تجد طريقة لحماية نفسها الا بسجن نفسها في سجن في المنطقة الخضراء بعد ان احاطت المنطقة بالحواجز والاسلاك الشائكة، اضافة الى حواجز وسيطرات المسافة بينها 100 م داخل السجن نفسه أي داخل المنطقة الخضراء.
ان الحكومة التي تحمي نفسها تاركة شعبها بين براثن الارهاب لا يحق لها ان تدّعي تمثيل “شعبها” ولا حتى جزء منه، ان هذه الحكومة التي يريد البعض ان تستمر لاربع سنوات قادمة بشخص رئيسها فاشلة وعلينا تطليقها بالثلاث الا اذا اردنا ان يحكمنا سجناء يهابون الخروج من سجنهم دون جيش من الحمايات.
الطاغية صدام حسين كان سجينا بين خطي العرض 32و 36، اما نوري المالكي فهو سجين بين بوابات المنطقة الخضراء، يا لفرحة شعبنا بحكامه السجناء!!