منذ نعومة اظفارنا تعلــّمنا ان نرتاد المجالس الحسينية مع اباءنا ، والتي كانت تقام في شهر محرّم من كل عام في مدينتنا ، مدينة الكاظمية المقدّسة. شيء واحد يكاد يشترك فيه كل قرّاء المنابر الحسينية في كل انحاء العراق ، وهو انهم في كل امسية كانوا يختمون مجلسهم بدعاء ( ياليتـنا كنــّا معكم .. فـنفـوز فوزا ً عظيما ) ..هكذا ربانا اهلنا ان ندعوا ودموعنا تنهمر حزنا ً لمصاب ال بيت النبوّة ، نتمنى بحرقة قلب ان نكون جنودا ً في معسكر الحق ، معسكر الحسين (ع )، فالفوز العظيم في الموت تحت راية الحسين وفي سبيل مبادئه.
علـــّـمنــا اهلنا ، ان الموت في سبيل نصرة المظلوم هو الفوز العظيم الذي وعدنا به الله و رسوله . وتعلــّمنا منذ صغرنا مقولة يتداولها الجميع من حولنا ان (كل يوم عاشوراء.. وكل ارض كربلاء ) وفهمنا حين كبرنا ، ان ابا الاحرار الحسين بن علي كان ثورة على الظلم ، شعلة حملها منذ اربعة عشر قرنا ً لتنير درب الحرية والكرامة للانسانية .. لذلك فان كل من يحارب ويدافع عن المعاني الذي خرج من اجلها سيد شباب اهل الجنة هو مقاتل الى جانبه وفي معسكره .. وكل ظليمة تصيب المدافعين عن الحق .. الرافضين للظلم .. الداعين لله ورسوله ، انما هي نفس ظليمة كربلاء ، كل يوم ينتصر فيه الدم على السيف ويعلو صوت الحق ، هو عاشوراء.. وكل ارض ترتوي بالدماء الطاهرة المدافعة عن الحق والعدل هي .. كربلاء..
ومنذ الف واربعماية سنة والشيعة تتجدد عليهم كل حين كربلاء جديدة .. ويحيون عاشوراء ..ودماء الشيعة لم تجف منذ قتل الحسين حتى اليوم ..حبنا لال البيت حبـّـبنا بالشهادة التي عشقوها من اجل رفع راية الاسلام .. احببنا عاشوراء لاننا عشقنا ايثار الحسين وال بيته واصحابه في سبيل الدين والمذهب.. ورغم كل مالاقيناه من ظلم وجور منذ الازل ظلّت قلوبنا مفعمة بحب ال البيت ، فسكنتها الطيبة والمروءة .. حتى صرنا مثلا ً لطيبة القلب لدرجة السذاجة !!
في معركة خيبر ، وهي المعركة التي خاضها المسلمين بقيادة الرسول الاعظم محمد ( ص) ضد اليهود المتحصنين في خيبر ، اعطى الرسول قيادة الجيش ورايته في اليوم الاول لاحد الصحابة الاجلــّـاء فلم يستطع الجيش تحت قيادته من اختراق الحصن وعاد بالراية للرسول الكريم ، فاعطاها ( ص ) في اليوم الثاني لصحابي جليل اخر و كاليوم الاول لم يتمكن من فتح الحصن فعاد بالراية للرسول الكريم ليلا ً ، فقال الرسول ( مابال اقوام يرجعون منهزمين يجبـّنون اصحابهم ؟ اما لاعطيـّن الراية غدا ً رجلا ً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.. كرارا ً غير فرّار لا يرجع حتى يفتح الله عليه) . بات المسلمين ليلتهم وكل منهم يتمنى ان يولــّيه الرسول الراية ، لا حبــا ً بالامارة ولكن رغبة في ان يكون هو من يحبه الله ورسوله . لما اصبح الناس غدوا على رسول الله ( ص ) وكلهم يرجوا ان يـُعطاها.
فقال ( ص ) : أين علي بن ابي طالب ؟
فقالوا : يارسول الله هو يشتكي عينيه .
قال ( ص ) : فارسلوا اليه ، فاتى ، فبصق في عينيه ودعا له ، فبرأ .ثم اعطاه الراية وقال له : خذها يفتحها الله عليك وعلينا .
فخرج علي ( ع ) بالراية وركزها قرب الحصن ، فاستقبله حماة اليهود ، فدعاهم الى الاسلام فأبوا ، ثم دعاهم الى الذمة فأبوا الا الحرب .ثم خرج له واحدا ً من ابطالهم وكان من اشد الفرسان في تاريخ العرب وكان رجلا ً عملاقا ً ضخم الجثة واسمه / مرحب وخاض مع امير المؤمنين قتالاً ضروسا ً ارتعدت الفرسان من شدته وهول الضربات التي كالها الفارسين لبعضهما حتى باغت الامام علي ( ع ) مرحبا ً بضربة فلقته لشدتها وهولها ، وتعالى تكبير المسلمين بهذا النصر العظيم ، وفـُتحت خيبر ، وز ُفـّـت البشارة
لرسول الله ( ص ) . مــَن لها غير ابي الحسن ، من لها غير فارس الاسلام ومذل ّ اعداءه ، الم يشرّفه الرسول الكريم بقوله ( لافتى الا علي ، ولا سيف الا ذو الفقار ) . علي بن ابي طالب (ع ) ورغم المرض الذي كان يشكوا منه يومها الا انه ابى الا ان يصدق وعده لله ورسوله ، ومن اصدق .. ومن أوفى من ابي الحسن ..هذا ما تعلـّمناه من سيدنا ومولانا علي ( ع ) ، وما تعلــّمناه بعده من ولده وقرة عينه الحسين ( ع ).
شيعة العراق اليوم ورغم مضي اثنتي عشر سنة دفعوا فيها انهارا ً من الدماء الزكية الطاهرة ، حتى بتنا نقول ان كل يوم من ايامنا هومن ايام عاشوراء وكل شبر من ارضنا هو بقعة من كربلاء ، ورغم تقصير قادتنا ، رغم الفساد و المحسوبية التي تنخر جسد دولتنا ، ورغم استحواذ الاحزاب على كل مقدراتنا وخيرات ارضنا.. رغم كل الاحباط الذي نعيشه منذ التغيير… لكن ، لمــّا دعى داعي الله .. حي على الجهاد ..هبــّت ملايين الشيعة العراقيين ملبـّـين نداء المرجعية ، مؤكدين حبهم لال بيت النبوّة وشوقهم للشهادة في سبيل نفس المباديء التي استشهد من اجلها حفيد رسولهم الكريم ( ص ) .
انطلقت الملايين لتزلزل الارض تحت اقدام الامويين الجدد ، انطلقت الملايين لتروي بدماءها نفس الارض التي تخضـّبت بدماء سيد شباب اهل الجنة وال بيته واصحابه .. انطلقت الملايين لتؤكد اننا الشيعة لانجيد اللطم والبكاء فحسب كما قالوا عنـّـا ، بل نحن من يحفظ الارض والعرض ، نحن احفاد حيدر الكرار وشيعته ، نتمنى ان نكون عند حسن ظنه بنا كرارين غير فرارين ، اخذنا من مروؤته ونهلنا من حبه لدينه وغيرته عليه ، رجال الحشد الشعبي .. شيعة العراق .. رجال وعدوا ان يسيروا على درب الحسين ( ع ) . . درب نصرة المظلوم ومقارعة الظالم .. درب الشهادة في سبيل المباديء والقيم العظمى .. ولله در ّ شيعة العراق ، فقد صدقوا ما وعدوا الله عليه .. ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر …. )
صدق الله العلي العظم

بقلم: جمال الطائي