الحسين صوت الحق الإلهي/ 6
بقلم عبود مزهر الكرخي

ساقي عطاشى كربلاء
ولو تصفحنا واقعة الطف وما كان فيها من دروس وملاحم خلدها التاريخ لتبقى متألقة وألقها يشع على مر الزمان ومن أهم تلك الدروس والعلامات البارزة هي الوفاء والتي تجسدت في شخصية عظيمة صنعت ملاحم هو بطل مغوار الذي أعتبره ليس له مثيل في التاريخ ألا وهو أمامنا أبا الفضل العباس (ع) الذي سطر ملاحم وأقولها بحق لو وجدت هذه الشخصية في العالم الغربي لكان اسمه مذكور ومحفور في كل كتبهم وشواهدهم ونصبهم، فهذا أمامنا العباس (ع ) حامل لواء الحسين (ع) والذاب عن أخيه في كل محنه وفي هذه الواقعة فهاهم يأتون إليه من معسكر الأعداء بقيادة شمر اللعين ويطالبوه بالتخلي عن الحسين روحي له الفداء بحجة أنهم أخواله ولكن يأبى ذلك الصنديد الفحل أبن الفحول أن ينولهم ما يريدونه وهو الذي اصطفاه أمير المؤمنين (ع) لكي يكون ناصر وحامل لواء أخيه يوم الطف عندما يكون وحيداً روحي له الفداء والتي تمثلت مقابل الشجاعة التي يمتلكها هذا الأمام روحي له الفداء هي الوفاء والتي تمثلت بصورة واضحة ومواقف يوم عاشوراء ولنطالع تلك المواقف الصلدة ومواقف التحدي والصمود في ساحة المعركة لهذا الصنديد، وليس انتهاءً بحكاية الماء الخالدة، وقد كتب عبد الله من ابن زياد أمانا للإمام العباس وعبد الله وجعفر وعثمان بني أم البنين، وعرض غلام عبد الله الكلابي(خالهم وأخو أم البنين)الأمان عليهم، فقالوا: أمان الله خير لنا من أمان ابن مرجانة(1).
وأيضا أقبل شمر بن ذي الجوشن حتى وقف على معسكر الحسين (عليه السلام) فنادى بأعلى صوته: أين بنو أختنا عبد الله وجعفر والعباس وعثمان! بنو علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟
فقال الحسين (عليه السلام) لإخوته: أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه من أخوالكم.
فنادوه فقالوا: ما شأنك وما تريد؟ فقال: يا بني أختي! أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين (عليه السلام)، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية! فقال له العباس بن علي: { تبا لك يا شمر! ولعنك الله ولعن ما جئت به من أمانك هذا، يا عدو الله! أتأمرنا أن ندخل في طاعة العناد ونترك نصرة أخينا الحسين (عليه السلام)!؟ قال: فرجع الشمر إلى معسكره مغتاظا }(2).
فمن أين جاء العباس بهذا الوفاء الخالد؟.
ففي كربلاء كان هناك تلاحم أخوي وإنساني بين الأخوة وأي تربية تربى بها ذلك البطل قمر العشيرة فهي مؤكدة من قبل أبيه وأخيه وأمه أم البنين والتي تربى عليها منذ طفولته والتي كانت أمه أم البين تعلمه بأن يقول الأمام الحسين سيدي والذي كان يناديه سيدي طوال حياتع والذي لم يناديه إلا حين لحظة استشهاده عندما ناداه أدركني أخي.
نــــــفــــــــوذ البصــــــيــــــــــــرة
وهذه الميزة هي التي امتاز بها ابي الفضل العباس حتى قال عنه الإمام جعفر الصادق(ع) : { كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة ، صُلب الاِيمان ، جاهد مع أخيه الحسين ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً }(3).
وقد أثبت له الإمام السجاد عليه السلام منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيار، فقال عليه السلام: { رحم الله عمّي العباس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه، فأبدله الله عز وجل جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة}(4).
ولو تمعنا في ما يقوله الامام المعصوم السجاد والصادق(عليهما االسلام)لتجسد ما قام به الأمام العباس(ع) تجاه اخيه الأمام الحسين ليبدي فيها كل ضروب الإيثار والمواساة والتضحية والتي تعجز هذه الكلمات القليلة عن وصفها والتي أصبحت مضرب للأمثال، فقد قطعت كفيه الشريفتين في يوم الطف في سبيل الدفاع عن أخيه وأمام زمانه وظل يقاوم حتى هوى على الأرض صريعاً. وقد هوى على وجهه الشريف لأنه لا يجد ما يستند عن وقوعه من كبوه جواده لأنه كفيه الشريفتين قد قطعتا، وان لهذه التضحيات الهائلة عند الله منزلة كريمة، فقد منحه من الثواب العظيم، والأجر الجزيل ما يغبطه عليه جميع شهداء الحقّ والفضيلة في دنيا الإسلام وغيره.، ليصف الأمام السجاد والصادق بهذا الوصف العظيم ولو راجعنا أن القائد نابليون بونابرت قد ذكر الأمام العباس وتعرف على سيرة الإمام الخالد حيث قال يوماً ما لأخيه بأنه يفكر في توسيع رقعة احتلاله في الشرق وانه قادر على تحقيق انتصار جديد وهو أمر بات من السهل تنفيذه وفي أي وقت فلما سمع أخيه هذا الكلام قال لنابليون وبلا تردد: اذا كنت عازماً على هذا الأمر فاني راجع الى باريس ، فما كان من نابليون الا ان يرد عليه بالقول: ظننتك كأخ الحسين؟ ويقصد العباس ابن علي عليهم السلام(5).
وان هذه البصيرة النافذة لم تكن وليدة الطف أو في مرحلة معينة من حياة الأمام العباس او عندما كان الخطر محدقاً بأخيه الحسين يوم الطف بل هي تعود إلى أيام الصبا والطفولة حيث
عندما كان في حجر أبيه أمير المؤمنين، عليه السلام، ففي حديث يذكره صاحب كتاب “مستدرك وسائل الشيعة” بأن الامام سأله ذات مرة ملاطفاً: “قل واحد”! فأجاب العباس: “واحد”، ثم قال له الإمام، عليه السلام: “قل اثنين”! فامتنع العباس قائلاً: “استحي أن اقول اثنين بلسان قلت به واحداً”(6).
ومن هذه الراوية نتعرف على عمق الأيمان القوي للأمام ابي الفضل العباس روحي له الفداء والتي كانت تنمو منذ نعومة أظفاره وفي دمه ولحمه ليصبح ذلك الفارس المقدام التي تهابه الجيوش كافة وحتى اسمه فقد سمّاه الإمام علي (عليه السّلام) في اليوم السابع من ولادته بالعباس ؛ لعلمه بشجاعته وسطوته ، وصولته وعبوسه عند قتال الأعداء ، ومنازلة الظالمين في كلّ أدوار حياته؛ حيث جاء في الصحاح أنّ عباس هو كشدّاد ، وهو الأسد الضاري. وليصبح ذلك الفارس المقدام حامل لواء الأمام الحسين يوم الطف والقائد الوفي في معسكر أخيه الحسين والتي جاءت في الزيارة التي خصّها الامام الصادق، عليه السلام، لبطل الطف، وغيرها من الفضائل والمكارم، إنما تقوم على قاعدة ايمانية خالصة ويقين عميق بوعد الله بنصر المؤمنين والحق. ولهذا جاء في زيارته المأثورة { فَنِعْمَ ٱلصَّابِرُ الْمُجَاهِدُ الْمُحَامِي ٱلنَّاصِرُ وَٱلأَخُ ٱلدَّافِعُ عَنْ أَخِيهِ، الْمُجِيبُ إِلَىٰ طَاعَةِ رَبِّهِ، ٱلرَّاغِبُ فِيمَا زَهِدَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ ٱلثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَٱلثَّنَاءِ الْجَمِيلِ }. ليكون في أعلى هذا العبد الصالح المطيع للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنِ والْحُسَيْنِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّم. ليجزي أوفى واكثر وفى ممن وفى أحد بيعته وليكون مكانه في الجنة ومع عمه جعفر الطيار بجناحين يطير بهما في الجنة.
والسلام على سبع الگنطرة وحامي المشرعة سيدي ومولاي أبي الفضل العباس قمر بن هاشم يوم ولد ويوم حمل لواء الإمام الحسين ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) – لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) – الصفحة ٤٧٢. منشورات المكتبة الشيعية.
2 ـ الفتوح ٥: ١٠٤، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي ١: ٢٤٦، اللهوف: ٣٨ وفيه الواقعة الأخيرة فقط، أعيان الشيعة ١: ٦٠٠، وقعة الطف: ١٩٠، تأريخ الطبري ٣: ٣١٤، الإرشاد: ٢٣٠، بحار الأنوار ٤٤: ٣٩١ وفي المصادر الأربعة الأخيرة نقلت الواقعة فقط دون ذكر كلمات الإمام (عليه السلام).
3 ـ مستدركات علم رجال الحديث – الشيخ علي النمازي الشاهرودي – ج ٤ – الصفحة ٣٥٠. منششورات المكتبة الشيعية. عمدة الطالب لابن عنبة: ص 356. مقتل الحسين لأبي مخنف: ص 176. الأنوار العلوية للنقدي: ص 442.
4 ـ الأمالي للشيخ الصدوق: ص 548. الخصال: ص 68.
5 ـ مأخوذة من مقال بعنوان (كيف ألهمت تضحية الإمام الحسين (ع) القائد الفرنسي نابليون؟). مركز كربلاء للدراسات و لبحوث. العنبة الحسينية المقدسة. منشور بتاريخ 2020/08/14 الرابط :
https://c-karbala.com/news/3379
منقول عن صحيفة “بارلو” الإلكترونية الباكستانية في مقال لها، أنه قد يتساءل المرء حول كيفية وقدرة قائد عسكري فرنسي مثل “نابليون بونابرت” أن يتعرف على الإمام الحسين (ع) وتضحياته؟.
6 ـ كتاب العباس عليه السلام رجل العقيدة والجهاد تأليف محمد علي يوسف الاُشيقر. المكتبة الحسينية » المكتبة الإلكترونية . مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في نهضة الحسين.