الحب والتوبة
كثر حديث المحبين عن الحب ولكن حديثي معكم عن الحب والتوبة فالتوبة هي عودة العقل والقلب إراديا من الخطأ إلى الصواب ، من السفه والجهل الى الرشد و الحكمة ، من الكبوة الى النهضة ، من موت المشاعر وتبلدها الى الحياة (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا).

الله تعالى يريد أن يتوب علينا ويحبنا إذا تبنا إليه ، ولو تأملت النفس البشرية محبة الله لها لخجلنا من انفسنا كيف يعاملنا حتى ونحن نعصيه وما زال يعفو عنا ويصفح ويمهل ويستر ويرزق ويجود ويرحم ويسمع ويجيب ويعطي بلا حساب ، أي حب هذا وأية مشاعر تبوح بالأمان والصدق؟
في عرف المحبين بين البشر لا يوجد حبيب قد صبر أو سيصبر على حبيبه كل هذا الوقت ، اذ ان لكل شيء حد مهما بلغت تلك المحبة ومهما وصلت درجة الهيام فهناك حدود لكني تأملت في محبة الله لنا فوجدتها بلا حدود ، أتأملها في قوله للملائكة لو خلقتموهم لرحمتموهم فيعجز لساني وتفيض عيني بالدمع عن وصف مدى محبته وعطفه ورحمته وحنانه ونحن نفخة من روحه ، نحن له وإليه ، أعجب حقا كيف نغفل عنه بعد كل هذا ولا نبادله بمثل محبته تلك بمحبة ، كيف نخطوا بأرواحنا بعيدا عنه فنقطع عنها نبع الحياة الذي نشأت منه لو صنفنا الانسان في علم الحب إلى عالم وجاهل لكنا والله أجهل الخلق لأن كل ذرة خلقها الله في هذا الكون ، في قعر الأرض كانت أو في أعالي السماء تحبه وتسبح بحمده هو عندها الحبيب الأول والاخر لا نقاش ولا جدال في ذلك ولكننا نحن من نناقش ونجادل ونجحد ونعرض ونغفل ونحب غيره أكثر منه رغم أنه فضلنا على كل تلك الكائنات بما لا يحصى من النعم ، عجيب والله نحن البشر أن نحب الكائنات وقد أعطينا الأقل ونعرض نحن وقد أعطانا كل شيء.

نحن فعلا جهلاء بالحب ومعناه الحقيقي وتبعا لفشلنا وجهلنا فشلنا فيما دون سواه من الحب ولا نعرف كيف نحب بعضنا بعضا ، حل البغض بيننا وتنازعنا حتى اصبحنا لا نعرف كيف نحب أنفسنا ولا ما حولنا ، الحب ليس تلك الوردة الحمراء ، ليس السيرتحت ضوء القمر ، الحب ليس بيت قصيد او لقاء مع الحبيب ، الحب أعمق من كل هذا ياسادة ياكرام !

أعلم أن بعضهم قد يعارض كلامي ولكننا لو نظرنا من حولنا لعرفنا أنها الحقيقة انظروا من حولكم قليلا بقلوبكم لا بأعينكم إلى كل خلق الله ، سنجد أن أرضنا تشح من الحب ، فهنا قتل وهناك قصف ، هنا فقر وهناك جوعى ، هنا غدر وهناك عرايا ومظلومين ، ترى أي حب هذا ، أم أن الحب قد تبدلت هيئته في الزمن الذي نعيش فيه لان أن كانت الإجابة بنعم إذن فأنا الجاهلة ، وإن كانت لا فأنت جاهل معي
الحب صفر إذا لم نعد بأرواحنا إلى الذي خلقها وأحبها ، الحب صفر إذا لم نعرفه فإذا عرفناه عرفنا كيف نحب كل شيء وإذا زهدنا عن تلك المعرفة فما نلنا من علم الحب شيئا وإن ظننا أننا على شيء فذلك الشيء في الحقيقة ليس سوى وهم وسرابا عشناه ومازلنا نعيشه ، القضية ليست فقط أن يحبنا الله فهو يحبنا منذ خلقنا ولكن السؤال المهم: هل نحبه نحن؟
اللهم إنا نسألك عودا إليك قبل مماتنا فكلنا بعد الممات إليك عائدون ، اللهم كما خلقتنا وأحببتنا علمنا كيف نحبك ونبسط ذراع الحب في ارضك ، اللهم اضبط موازين الحب في قلوبنا حتى تنضبط حياتنا وسائر الموازين ، اللهم غيثا من عندك تروي به قلوبنا وتصلحها وأراضينا لينبت الحب فيها من جديد …

ذكرى البياتي