كانت قد انهت حفل توديعها الذي نظمه زملاؤها والمرؤوسين وهنأها المدير العام وهو يقدم لها مكافئة تعبيراً لها عن الخدمات والعمل المنظم والمنضبط الذي ادته طيلة خدمتها التي جاوزت الاربعين عاما ,لملمت اوراقها وكانت تحاول اخفاء مشاعرها لحظة كلمات الوداع التي قيلت فيها ,وهذا ما جعلها تعلن عن رغبتها في المغادرة .تطوع احد الموظفين في تقديم خدمة ايصالها الى اي مكان ترغب .
-هنا رجاءً لا داعي لإكمال الطريق , استطيع الحصول على سيارة اجرة للمكان الذي اقصده.
-انا خرجت خصيصا لأقدم لك خدمة بسيطة فأنا اليوم متفرغ لخدمتك قالها ذلك الشاب وهو يعلن صراحة عما يفكر به.
– ولكني اسمع هاتفك يرن وزوجتك تكرر الاستفسار عن سبب تأخيرك ,وانا سأذهب الى مذخر ادوية لشراء احتياجاتي ,لقد اديت لي الخدمة التي احتاجها وما عليك سوى العودة للمنزل .
-مشواري الخاص استطيع انجازه متى شئت ,دعيني اخدمك خدمة بسيطة ,لقد منحت عمرك وصحتك لعملك الذي نتمتع به الان وما عليك سوى الراحة ,دعيني ارد لك جزء من التعب الذي قدمتيه ,ان لك الاوان ان تستريحي ونحن الشباب مهمتنا خدمتك .
شعرت براحة بال وابتسمت وتمتمت الحمد لله ,اذا الشباب يقدرون مشقتنا وقابليتنا البدنية وما قدمناه لهم من عمرنا .سأبدأ رحلتي مع معاملة التقاعد واضنها سهلة ,فقد ذهبت ذات يوم مع شقيقي السجين السياسي والمحال على التقاعد , حيث رُحب بنا في دائرة التقاعد ووجد المعاملة منجزة وما عليه سوى استنساخ بعض الاوراق والوثائق ,فقد سبق ان كلفت المؤسسة الخاصة بالسجناء السياسيين موظف جمع ارشيف ووثائق السياسيين وصحة صدور هذه الوثائق وكل ما يتعلق بالمعاملة ,وعندما انجزت معاملة التقاعد ,تم دعوتهم للمراجعة لاستلام الراتب وتحديد المصرف القريب والمناسب لهم لتأمين استلام الراتب .,فقد قيم جهدهم وانتدبت مؤسستهم من ينجز معاملاتهم ,وكذا الحال معي فقد تم تشكيل شعبة المتقاعدين لخدمتنا وانجاز معاملاتنا .
عندما قررت مراجعة الادارة لملاحظة ما تم انجازه من المعاملة ,كانت وجهتها الى الشعبة التي اقرت في كل مؤسسة والخاصة بالمتقاعدين بدأت سلسلة المتاعب ,الامر الاداري خطأ ,التقاعد يحتاج الكتاب الفلاني والذي لم يرفق بالمعاملة ,التوقيفات التقاعدية لم ترسل منذ سنوات ,منحة الاجازات المتراكمة, يجب جلب ما يؤيد استلامها قبل المطالبة بمنحة التقاعد ,الاضبارة في التقاعد مفقودة —ال—ال– بدأت انفاسها تتقطع وهي ترتقي السلم وتعود الى الطابق الارضي وتكررت المراجعة يوم ويومين وشهر ووووو دون نتيجة نظرت الى المراجعين قد تكن هي اوفر حظا وصحة منهم ,مقعدون عجزة ارامل ,يا الهي كيف يستطع هؤلاء من متابعة معاملاتهم ؟.ادركت الان سر هذا الحزن والبؤس المرتسم على هؤلاء.
عودي بعد شهرين في يوم كذا ستستلمين المنحة وجاءت في الموعد المحدد دون نتيجة ,ومنحت موعدا اخرا ولا جديد في الامر .اعلن شكواها امام احد النواب ,ارسل مراسله الخاص مع هويته كنوع من الدعم وتطييب الخاطر .محاولة البحث عن الاضبارة باءت بالفشل ,بحثوا عن الاوليات ,قيل لهم الاضبارة سلمت للغرفة رقم () راجعت الموظفة في تلك الغرفة اجابتها بنفور :وما علاقتي بمعاملتك .رددت مع نفسها مستحيل ,اشك في كون هذه الموظفة قد تخرجت من مرحلة الامية او الاساس فهي لا تجيد القراءة ولا التعبير ,وهي من تعبث بمصيري . بالأمس كنت اقلب خلاصة خدمتي وقد شعرت بالرضا من المهام واللجان وكتب الشكر عما قدمته ,وكنت اشعر بالزهو وانتظر من يعترف بمكانتي ودوري عما قدمته ,والنتيجة اُهان من قبل موظفة لا اجد مفردة مناسبة لوصفها .!
غادرت دائرة التقاعد تحاول ان تلتقط انفاسها فقد بانت عليها علامات الاختناق ,صادفها زميل كان قد احيل الى التقاعد بعدها بأربعة اشهر .
– ما الامر ؟بادرها بالسؤال.
-لا شيء احتاج الى بعض الراحة ,وانت هل بدأت بإنجاز معاملتك ؟
– ابتسم واردف لقد استلمت المنحة واستلمت الهوية .لم تستطيع اخفاء غيضها وكيف ذلك ؟
– لقد دفعت سبعة اوراق الى فلان ورتب لي حتى احتساب راتبي التقاعدي .
لم تستطع مجاراته بالحديث فقد تهاوت وسقطت العصا التي تتعكز عليها .
سعدية العبود6-ايار -2015
بقلم: سعدية العبود