الثورة السورية والديموقراطية العراقية
ادهم ابراهيم
كنت من اشد المؤيدين للثورة السورية لكونها ضد الاستبداد والفساد الذي لازم حكم بشار الاسد الذي ورث الحكم عن ابيه . ولم يقم بتنفيذ وعوده في الاصلاح وتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي لبلد عريق مثل سوريا . وبدلا من ذلك استمر في ذات النهج الذي تبناه الحرس القديم الذي رفع شعار الاسد الى الابد . وبقيت مؤمنا بالثورة السورية لمستقبل افضل . . حتى تم اختطافها من قبل الاسلام السياسي الوصولي الذي بقي متحجرا على اقوال فقهاء عفا عنهم الزمن . فتم التدخل بين المتظاهرين اولا ومن ثم المعارضة بلافتات اسلاموية عريضة يقف ورائها المال الخليجي والدعم التركي , حتى وجدت ايران الفرصة سانحة للتمدد الى البحر المتوسط تحت غطاء حماية المقدسات الدينية ايضا . وهكذا ضاعت سوريا او اوشكت . وتم تدمير اغلب مدنها العريقة الزاهرة . وقد كنت ومازلت استغرب من الشعب السوري المسالم كيف اصبح يقتل بعضه بعضا بمثل هذه الشراسة وقد نسي الجميع بما فيهم من رفع شعارات المقاومة ان هناك عدو يتربص بهم واقف غير بعيد على مرتفعات الجولان المحتلة . وهم لايعلمون انهم جميعا ينفذون مخططات معدة سلفا ولكن الى حين , وهاهي ايران المتواجدة في سوريا بقوة يطلب منها مغادرة الاراضي السورية وعلى عجل . بعد ان تم تنفيذ مخطط التدمير واقتتال الاخوة والجيران . . وربما مازال هناك من يعتقد بصواب رأيه ولا يصدق انهم كانوا مخدوعين بلعبة الامم التي وقعت على رأس العرب في استغلالهم للانتفاضات في ماسمي بالربيع العربي . هذا الربيع الذي انقلب وبالا على اهله والذي تخلصت من مأزقه وشروره كل من مصر وتونس باعجوبة , حفظهم الله من كل مكروه

اقول هذا بعد ان هدأت العاصفة السورية التي كانت كالاعصار المدمر , وانسحبت بعض القوى اللاعبة والاخرى في طريقها للانسحاب , وبقي الشعب السوري يعاني من جروح يصعب عليه نسيانها لامد بعيد , ومنهم من هجر داخل الاراضي السورية , واخرين هاجروا مرغمين الى عواصم غربية او اقليمية , والجميع يتطلع الى المستقبل السوري المجهول

اذا كان مستقبل الحكم فيه سيكون على غرار ما هو موجود في العراق او ليبيا , فالافضل للجميع ان يتخلى عنه , حتى لو بقي الاسد في سدة الحكم , حيث اصبح الحل السياسي سيد الموقف بعد كل الاعمال الحربية التي جرت ومازالت ذيولها تنهك الشعب السوري , وستكون هناك فترة انتقالية يتم فيها وضع دستور جديد للبلاد يتوافق عليه كل السوريين , وهذا بالاساس كان مطلب المتظاهرين الاوائل في التغيير وتحسين الوضع السياسي والاقتصادي . وبالامكان في وقت لاحق تطبيق العدالة الانتقالية على كل اولئك الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب سواء كانوا ممن يدعون المعارضة او من النظام الحاكم وغيرهم من الاغراب الذين تسللوا داخل الاراضي السورية من كل حدب وصوب مهما كانت عناوينهم السياسية او العسكرية
ان انتصار النظام فيه طعم الهزيمة بعد ان تم تدمير اغلب المدن السورية وتهجير اهلها وانهاك جيشها , والعبرة في نهاية المشوار . بعد ان تضع الحرب اوزارها نهائيا وتبدأ عمليات اعادة بناء المدن المدمرة بصواريخ الاهل و الجيران و الاغراب

ان الروس والايرانيين والاتراك لابد لهم من الانسحاب من سوريا عاجلا ام آجلا كما تفعل امريكا الان , وستعود سوريا للسوريين وان المنطق والمصلحة الوطنية توجب على الجميع التحلي بالحكمة وتجنب روح الانتقام حتى لايدخلوا في الفوضى

اننا اذ نحذر من تكرار تجربة الحكم في العراق فاننا نعلم جيدا بان نظام الحكم فيه لم يكن من اختيار العراقيين رغم الادعاء بالديموقراطية المزيفة فقدجئ بالاحزاب والكتل السياسية الحاكمة جميعا من قبل الامريكي المحتل , وجرى تدوير الحكم بينهم مرة بعد مرة كالنفايات . وهم لايتخلون عن فسادهم واضرارهم بالشعب العراقي المغلوب على امره
اما في ليبيا فلا توجد فيها اديان او طوائف وانما دخل الشيطان بلباس الدين الحنيف ليشق وحدة الصف والمجتمع ولم يكن ذلك مصادفة وانما بفعل فاعل هدفه السيطرة على هذا البلد والاستيلاء على حقول النفط الغنية فيه

وفي هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الجميع , فان الواجب يتطلب من كل القوى الوطنية السورية على ارض الوطن او خارجه لاخذ الحذر والعمل على حل كل مشاكلهم على طاولة المفاوضات بعد ان عجز الجميع عن حسم المعارك لصالحه . . وتجنب اعادة التجربة العراقية في الحكم , لكون هذه التجربة قد دخلت في منعطف خطير ليس بالامكان تصحيحه بسهوله اللهم الابعملية جراحية معقدة وذلك لكثرة الجرائم والمآسي , حيث تفشى الفساد في كل مفاصل الدولة , وانعدمت الخدمات العامة وتوقف التعليم وعاد الشعب الى خط الامية الاول وزاد الفقر بعد ان شحت الوظائف وتم تدمير القطاع الخاص واغلقت معامل القطاع العام , وفنيت الزراعة . والماء . . حتى الماء شح على الفقير , واصبحت لقمة العيش ممزوجة بالمرارة اوبالمال الحرام . وانتشرت العصابات تحت مسميات حزبية ما انزل الله بها من سلطان . وتعذر على القاضى الفاضل الحكم بما يقتضيه الضمير , وتعذر على المسؤول النزيه الشكوى فلزم الصمت حفاضا على حياته ومستقبل اولاده , فلن ينجو احدا من الدولة العميقة ولا من سلاح الاحزاب اوالميليشيات المنتشرة كالطاعون في كل مكان , وهناك ايضا العشائر والطوائف والقوميات واشياء اخرى يصعب حصرها وتعدادها
وبعد ذلك كله هل هناك من يسأل عن اسباب تحذيري للسوريين باخذ الحذر من حكم شبيه بالحكم العراقي
ان الامر يتطلب من كل قوى الشعب السوري الفاعلة المحافظة على الوحدة الوطنية وعدم جر البلاد الى نزاعات عرقية او طائفية اضافية , وتقديم تنازلات متبادلة لصالح البلد والشعب , فالحكام زائلون وسوريا وحدها هي الباقية الى الابد ولا احد سواها . اما عندنا في العراق فلابد لليل من ان ينجلي ويخرج من هذه الغمامه التي طال امدها
ادهم ابراهيم