في خطوة تدل على إحترام دولة الكويت للمسرح وروّاده والفن بشكل عام ورعايتها أطلقت الحكومة الكويتية وعن طريق وزير إعلامها ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ “سلمان صباح سالم الحمود الصباح” إسم الفنان المسرحي الكويتي الكبير والقدير “عبد الحسين عبد الرضا” على مسرح السالمية المعروف، إذ قال الوزير إنه يأتي ” تكريما للرموز الفنية الكويتية القديرة التي أثرت الساحة الفنية بأعمالها على الأصعدة كافة محليا وإقليميا وعربيا”. ليضيف وهو رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن “المسيرة الحافلة لتلك الرموز الفنية أصبحت عنوانا للتطور الحضاري والثقافي الكويتي، ولم ولن تدخر الدولة جهدا من أجل تقديرها وتكريمها ورعايتها”. هذه هي الكويت التي لا تريد من خلال هذا التكريم لفنان كبير وهو حيّ يرزق أن تعلن رعايتها للمسرح الكويتي وتشجيعه على العطاء خدمة للمجتمع لما للمسرح الجاد منه تأثير كبير عليه فقط، بل تريد أن تثبت لمجتمعها من أنها لن تنسى مبدعيها أبدا وتحترمهم أحياءا كانوا أم أمواتا. هذا في الكويت الصغيرة بحجمها مقارنة بالعراق والحديثة “مع أعتزازنا بدورها الثقافي” على المشهد الثقافي مقارنة بالعراق الذي بدأت فيه الحركة الثقافية منذ عشرينات القرن الماضي، هذا في الكويت التي دخلها المسرح بعد ما يقارب الأربعة عقود من تاريخ دخوله للعراق، فماذا عن المسرح بالعراق الاسلامي الميليشياوي؟
وأنا أقرأ خبر تسمية مسرح كويتي عريق بأسم المبدع “عبد الحسين عبد الرضا” قرأت خبرا مؤلما كباقي الاخبار التي ترد من الوطن عن حال الحريات وقمعها من قبل جلاوزة الاسلام السياسي الذين قتلوا كل شيء جميل في أرض الرافدين، وهو قيام عصابات القتلة الأسلاميين بتعليق ملصقات إرهابية لقمع النساء وتحريم الغناء قرب سيطرات ونقاط تفتيش الحكومة الطائفية الفاشلة وبالتنسيق معها وفي رئة العوائل البغدادية الوحيدة “متنزه الزوراء”. في الكويت يكرّم المسرح والمسرحي وفي عراقنا تهدّم المسارح وتتحول دور السينما الى محلات لبيع الخردة ويموت الفنان فقيرا مريضا في الغربة أو كمدا وفقرا في الوطن، في الكويت هناك خبز ومسرح لتثقيف الناس وفي العراق لدينا جوع ورصاصة توضع في رأس كل من يريد أن يفكّر خارج دائرة الدين أو خارج دائرة الطائفة بالأحرى بعد أن أصبح الدين بالعراق دينين بشكل رسمي.
لم ينحدر المشهد الثقافي والفنّي يوما في العراق الى الحضيض كما هو عليه اليوم، ولم يهاجم الشقاوات والزعران بيوت الثقافة يوما بالشكل الذي تتعرض له البيوت الثقافية والأندية الأجتماعية كما هو جاري بالعراق اليوم، ولم تهان الثقاقة ويقمع المثّقف كما تهان ويقمع اليوم.
ماذا تريد الأحزاب الطائفية وميليشياتها المجرمة التي تزرع الموت والدمار في شوارع العراق نهارا جهارا وفي رابعة النهار؟ ماذا يريد هؤلاء القادمين محمّلين بالحقد على كل ما هو مشرق وإنساني؟ ماذا يريد رسل الموت والدمار هؤلاء؟ ماذا يريد هؤلاء القتلة المتخلفين واللصوص بعد أن أصبح العراق في عهدهم يتنفس الموت وينحدر الى هاوية سحيقة من الجهل والتخلف. كل شيء في بلدنا بسببهم ميت، الأرض والأنسان والماء والهواء والتأريخ والآثار والحب والجمال والطفولة والحياة والفرح والفن والأدب، كل شيء ميت حتّى النخيل التي منها جاء أسم العراق “أرض السواد” لتنتهي الأرض ويبقى اللون الأسود فقط يرسم ليلا جاثما على صدور الناس ودروب الوطن المتهالكة، حتّى وصل الأمر بالله بأن ينعى بيوته التي تتهدم كل يوم ويقتل من فيها من مؤمنين!!
في الوقت الذي تهان فيه الثقافة بمختلف فروعها في دول متخلفة كالعراق والسعودية وإفغانستان والصومال والأراضي المحتلّة من قبل داعش في سوريا واليمن وليبيا، نرى بلدان أخرى تتقدم في حقول العلم والثقافة والفن ومنها بلدان ذات نظام ديني منذ عشرات السنوات كالجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم بعض المضايقات التي يتعرض لها البعض من فنّانيها وشعرائها بين الحين والآخر دون أن يتسبب ذلك بالحد من العطاء الفكري فيها مطلقا. فالزائر الى إيران وهي دولة إسلامية ذات غالبية شيعية يرى فيها وعلى عكس العراق الشيعي صناعة سينما متطورة ومتقدمة تحصد العديد من الجوائز في مهرجانات دولية معروفة كمهرجان (كان) على سبيل المثال، وفي أيران اعداد كبيرة من صالات السينما والمسارح التي تغص بالمشاهدين من الجنسين إضافة الى حركة ثقافية نشطة في مختلف المجالات من شعر ورواية وقصّة وقصّة قصيرة وترجمة، وفيها أيضا فرق موسيقية تعزف الموسيقى التراثية في أشهر مطاعمها ومقاهيها دون أن يتعرض روادها للتهديد بالقتل كما يجري في عراق الميليشيات الطائفية.
هناك في إيران يعتزّون بتراثهم وثقافتهم عكس شيعة العراق الذّين يهينون ثقافة البلد وتراثه لإنه ليس ببلدهم على ما يبدو، فهناك شوارع بأسماء شعراء ومفكري إيران من مختلف العصور إضافة الى نصب وتماثيل لهم. فالفردوسي شاعر الشاهنامة الكبير يتوسط تمثاله بشموخ حديقة وكأنها روضة من الرياض في ساحة بإسمه وسط شارع يحمل أسمه أيضا وهناك شوارع وساحات بأسماء جميع شعراء إيران بلا إستثناء. أمّا في عراق الميليشيات فيهان شعرائنا ورجالات العراق الاخرين فالرصافي وتمثاله حوّله الاسلاميون الى مزبلة ، وشاعر كالجواهري منسّي في بلد كتب فيه أروع قصائده وغيرهما العشرات من الشعراء والأدباء والفنّانين أمّا قبور مفكرينا فتهدم من قبل بعض العمائم الحاقدة على الثقافة والادب . والآن إن كانت التماثيل حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هي ليست كذلك في إيران!؟ وإن كان الرسم حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هو ليس كذلك في إيران!؟ وإن كانت السينما حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هي ليست كذلك في إيران!؟ وإن كان النحت حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هو ليس كذلك في إيرانّ؟ ووووو ، إنني هنا لا أرى المشكلة في المذهب أو الدين بل في طبيعة الشعوب التي تتعامل مع هذا المذهب أو ذلك الدين ، فالشعب الإيراني وحكومته يحترمون تاريخهم وتراثهم وثقافتهم وبلدهم ويعملون على رقّيه وتقدّمه وهكذا هي الشعوب الحيّة، أما شيعة العراق وأحزابهم وحكومتهم فإنهم يحتقرون تاريخنا وتراثنا وثقافتنا وبلدنا ويعملون على هدمه وإزالته من الوجود أن أمكنهم ذلك ليس لشيء الا كونهم ورثة البداوة وفكرها المتصحر العشائري والتي تزاوجت مع فكرهم الطائفي وهكذا هي الشعوب التي تصارع الحياة كي تموت.
إعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا …. “برتولت بريخت”
أعطني صوتك الإنتخابي أعطيك شعبا جاهلا مستسلما …. “الإسلام السياسي”