الحق في التعليم هو في حد ذاته حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو في نفس الوقت وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. والتعليم، بوصفه حقاً أساسياً دستورياً، يُعَدّ الأداة الرئيسة التي يمكن بها للكبار والأطفال المهمَّشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم من الفقر وأن يحصلوا على وسيلة المشاركة الكاملة في مجتمعاتهم.

وللتعليم دور حيوي في تمكين المرأة، وحماية الأطفال من العمل الاستغلالي الذي ينطوي على مجموعة من المخاطر، وفي تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية. ويُعترف بالتعليم بشكل متزايد بوصفه واحداً من أفضل الاستثمارات المالية التي يمكن للدول أن تستثمرها. ولكن أهمية التعليم ليست أهمية عملية وحسب، فالعقل المثقف والمستنير والنشط القادر على أن ينطلق بحرية إلى أبعد الحدود هو عقل ينعم بمسرّات الوجود ونعمه.

النصوص التي تؤكد على هذا الحق

 العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يخصص مادتين للحق في التعليم هما المادتين 13 و14 اللتين تؤكدان على حق كل فرد في التربية والتعليم، وعلى وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتؤكدان على إلزامية وإجبارية التعليم الابتدائي والإعدادي، وعلى تعميم التعليم الثانوي والتقني والمهني وجعله متاحا للجميع، وعلى الأخذ تدريجيا بمجانيته.

 ندرك أن التمتع بالحق في التعليم يظل، بالنسبة للملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، هدفاً بعيد المنال، بالإضافة إلى ذلك، أصبح هذا الهدف، في حالات عديدة، بعيداً بشكل متزايد. وندرك أيضاً إن الحواجز الهيكلية الهائلة وغيرها من الحواجز التي تعرقل التنفيذ الكامل للمادة 13 في العديد من الدول الأطراف في هذا العهد.

 أما بالنسبة للدستور العراقي بدوره وفي المادة (34) ينص على: أولاً: التعليم عاملٌ أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو إلزاميٌ في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية. ثانياً: التعليم المجاني حقٌ لكل العراقيين في مختلف مراحله.

وبذلك يجب أن تتوافر مؤسسات وبرامج تعليمية بأعداد كافية في نطاق اختصاص الدولة، وما تحتاج إليه هذه المؤسسات وهذه البرامج للعمل يتوقف على عوامل عدّة من بينها السياق الإنمائي الذي تعمل فيه؛ ويحتمل على سبيل المثال أن تحتاج جميع المؤسسات والبرامج إلى مبان أو إلى شكل آخر من أشكال الوقاية من العوامل الطبيعية، والمرافق الصحية للجنسين، والمياه الصالحة للشراب، في حين أن البعض منها سيحتاج أيضاً إلى مرافق مثل مرافق المكتبات والحواسيب وتكنولوجيا المعلومات، وكما جاء في المادة 13(2)(أ)، فإن للتعليم الابتدائي خاصيتين مميزتين هما أنه “إلزامي” ومتاح “مجاناً للجميع”، وتعني عبارة “الأخذ تدريجياً بمجانية التعليم” أنه في حين لا بد للدول من إعطاء الأولوية لتوفير تعليم ابتدائي مجاني، يقع على عاتق الدول أيضاً واجب اتخاذ تدابير ملموسة من أجل تحقيق مجانية التعليم الثانوي والعالي.

أخلاقيات المهنة

يٌعدّ الأستاذ (المعلم)، الركيزة الأساسية في مهنة التعليم، وقد اختلفت النظرة عبر العصور من حيث الأدوار التي يؤديها المعلم، فقديماً أي ما قبل عصر التربية الحديثة كان ينظر للمعلم على أنه ملّقن وناقل معرفة فقط وما على الطلاب الذين يعلمهم إلا حفظ المعارف والمعلومات التي يوصلها إليهم. كما أن المعلم يعتبر المسؤول الوحيد عن تأديب الأولاد وتربيتهم دونما أهمية لدور الأسرة والبيت في التنشئة والتربية السليمة.

تطور هذا المفهوم في عصر التربية الحديثة، وأصبح ينظر إلى المعلم على أنه معلم ومربٍ في آن واحد فعلى عاتقه تقع مسؤولية الطلاب في التعلّم والتعليم والمساهمة الموجهة والفاعلية في تنشئتهم التنشئة السليمة من خلال الرعاية الواعية والشاملة للنمو المتكامل للفرد المتعلم “روحياً وعقلياً وجسمياً ومهارياً ووجدانياً” هذا إضافة إلى دور المعلم في مجال التفاعل مع البيئة وخدمة المجتمع والمساهمة في تقدمه ورقيّه.

ويطلب من المعلم تجاه هذه الأدوار والمهام التي يؤديها ويمثلها أن يكون بمثابة محور للعمل في المدرسة وعمودها الفقري وترتكز قيمته على وعيه وإلمامه بمسؤولياته الجسام والجديدة والمتطورة والشاملة والمتناسبة مع روح العصر في تحقيق الأهداف التربوية بجوانبها المختلفة، والمشاركة الفعّالة والإيجابية من خلال عمله كعضو في المؤسسة التعليمية، في إعداد المواطن الصالح الذي يعرف ما له وما عليه، ويكون ذلك برعاية النمو الشامل للتلاميذ المتعلمين جسمياً وعقلياً وانفعالياً.

ألا أننا نلاحظ إن تلك المهنة فقدت أخلاقياتها في السنوات الماضية إلى حد كبير، الأمر الذي أدى إلى تدني المستوى العلمي في العراق بشكل غير مسبوق، كما أدى ذلك إلى تسرب أعداد كبيرة من التلاميذ من المدارس وبالتالي زيادة معدلات الأمية في بلد يعدّ أول بلدان العالم في تعليم البشرية الكتابة والقراءة، ففي العراق يعني التسرب “ترك التلميذ للمدرسة قبل إنهاء الصف السادس الابتدائي” وفقا لقانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1976 الذي شمل الفئة العمرية (6-11) سنة، فقد وصلت نسبة التسرب إلى ما يقارب 10% في آخر الإحصائيات التي قامت بها اليونيسيف في النسبة للعراق.

وبما إن مهنة التعليم هي من أسمى المهن على الإطلاق فلابد لها من أخلاقيات تحكمها، منها:

1- غرس قيم المجتمع الفاضلة لدى التلاميذ الذين يعيشون في المجتمع ويعملون في مواقعه المختلفة، فبغض النظر عما يفعله المعلم داخل أو خارج الصف فإنه يعتبر نموذجاً للطلاب. ويستخدم المعلمون النمذجة بشكل مقصود، فمثلاً العروض التي يقدمها المعلم في مادة التربية البدنية أو الكيمياء أو الفن تعتبر أمثلة مباشرة للنمذجة. وفي مرات عديدة يكون المعلم غير مدرك لدوره كنموذج سلوكي يُحتذى به من قبل طلبته، فعندما يدخن المعلم أمام طلبته أو يستخدم ألفاظاً نابية، فإنه لا يدرك تأثير ذلك على سلوكهم المستقبلي.

 2- الوعي بقيم المجتمع ورعايته لها: يطالب المعلم في هذا الدور أن يكون عضواً فعالاً في المجتمع المحلي، بحيث يتفاعل مع قيم المجتمع فيأخذ منه ويعطيه، فالمعلم في المفهوم التربوي الحديث ناقل لثقافة وقيم المجتمع، فكيف يكون ذلك إذا لم يساهم المعلم في خدمة هذا المجتمع في مناسباته الدينية والوطنية والقومية هذا إضافة إلى فعالياته الاجتماعية الأخرى عن طريق مجالس الآباء والمدرسين والانضمام إلى الجمعيات الخيرية الموجهة لخدمة المجتمع والتعاون مع المؤسسات التربوية والمتخصصين الآخرين في المجتمع.

3- دور المعلم كمرشد نفسي: فعلى الرغم من صعوبة قيام المعلم بدور إرشادي وتوجيهي للطلبة إلا أنه يجب عليه أن يكون ملاحظاً دقيقاً للسلوك الإنساني، كما يجب عليه أن يستجيب بشكل إيجابي عندما تعيق انفعالات الطالب أو (التلميذ) تعلمه، ويجب عليه أيضاً معرفة الوقت المناسب لتحويل الطالب للأخصائي النفسي طالباً المساعدة.

4- دور المعلم كخبير وماهر في مهنة التدريس والتعليم: إذ يجب أن يسعى المعلم دائماً للنمو المهني والتطور والتجديد في مجال الاطلاع على خبرات المهنة الحديثة والمتجددة كما ويجدر به ويتطلب منه أن يعي الأساليب والتقنيات الحديثة ليقوم بنقل الخبرات المتطورة إلى طلابه بشكل فعال وإيجابي، كما ويطلب منه أن يكون عصرياً في توظيف تكنولوجيا التعلم والتعليم المبرمج والأجهزة الإلكترونية الأخرى، ومتجدداً ومسايراً لروح العصر في أساليبه ومهاراته التعليمية ليستطيع بالتالي من المساهمة الفعالة في تحقيق الأهداف السلوكية التربوية المرجوة.

5- النظر للمهنة كرسالة يرتكز نجاحها على التضحية والتجرد: وذلك بالابتعاد عن الأساليب التجارية التي أصبحت أن تسود أغلب المهن الإنسانية كمهنة الطب على سبيل المثال، بحيث يبتعد المعلم عن تحويل هذه المهنة المقدسة والرسالة السامية إلى مهنة تجارية يحاول من خلالها جني الأرباح عن طريق الدروس الخصوصية والتقصير في واجباته الوظيفية أو المهنية.