ميثاق مناحي العيساوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
لم يكن التدخل الروسي في سوريا مطروحاً قبل فترة وجيزة، إلا أن تدخل الدب الروسي في سوريا أحدث ضجة سياسية على المستوى الإقليمي والعالمي، لاسيما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وقلب حسابات واشنطن واستراتيجيتها السياسية والعسكرية في المنطقة. وقد جاء تدخل روسيا في سوريا بعد ما يقارب الخمس سنوات من الحرب الأهلية، وفشل كل الحلول السياسية والعسكرية بشأن الأزمة السورية من قبل الولايات المتحدة والأنظمة العربية لدول الخليج وتمسكها بالحل العسكري متجاهلة الحل السياسي منذ البداية مما ادى إلى تفاقم الأزمة، وازدياد عدد المتطرفين والحركات الإرهابية بشكل غير مسبوق في المنطقة من قبل، وهذا بالتأكيد يعود إلى ضعف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مما خلق فراغ اغتنمه الدب الروسي لصالحة وقد فتح له الطريق للتدخل بشكل مباشر؛ لحماية مصالحها مع الحفاظ على نظام بشار الأسد.
تدخل روسيا في سوريا لم يرحب به من قبل واشنطن وحلفائها، إلا أنها قبلت بذلك التدخل على مضض من أمرها بسبب القبول بسياسة الأمر الواقع التي تمثلت بدخول روسيا لسوريا، وادراكها بفشل الحل العسكري، وفشل استراتيجيتها في تدريب قوات المعارضة التي انخرطت بعد التدريب مع التنظيمات الإرهابية، والأكثر من ذلك هو اقتناع واشنطن بعدم وجود مخرج للازمة السورية من دون تدخل روسيا وإيران في مفاوضات جنيف “الحل السياسي”. لكن نقطة التعارض ما بعد التدخل الروسي بين واشنطن وموسكو هو الاختلاف حول مستقبل سوريا، فروسيا تريد الاسد في السلطة وواشنطن تتكلم عن مستقبل سوريا بدون الأسد، حتى الاتفاق على المرحلة الانتقالية مختلف عليها، إلا أن الشي المهم الذي يجب على واشنطن ادراكه بأن عملية الانتقال من مرحلة الاسد إلى مرحلة مابعد الأسد هي مرحلة عسيرة بحد ذاتها؛ بسبب دمار الحرب الأهلية وتداعياتها على المجتمع السوري، والمخاوف من عمليات الانتقام ضد الأقلية العلوية والطائفة الشيعية بشكل عام، فضلاً عن الأقليات والطوائف الاخرى، من قبل عناصر المعارضة والحركات المتبقية المنخرطة في الصراع ضد نظام بشار الاسد والحركات الإرهابية الأخرى؛ لكونهم موالين للنظام وفق اعتقادهم.
هذا إذا كانت روسيا وإيران جادة في حل سياسي لسوريا دون الأسد، لا سيما بعد تدخلها بشكل مباشر؛ لأن تنحي الأسد عن السلطة يعني خسارة روسيا وإيران لحليف جيوسياسي واستراتيجي مهم جداً للاقتصاد الروسي والمصالح الروسية. وهذا لايمكن لروسيا وإيران القبول به. ولهذا سيكون لتدخل روسيا في سوريا له كثير من العواقب والتداعيات السلبية على المنطقة برمتها، وأبرز تلك التداعيات هي:
- احتمال ازدياد التوتر بين القطبين “روسيا والولايات المتحدة الأمريكية” في ظل عدم التوصل لاتفاق مشترك، وهذا ربما سينذر بقيام حرب بين القطبين، سواء كانت حرب تدار بالوكالة، أو الصدام المباشر بينهما، مما سيؤدي بدورة إلى ازدياد حالات التوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط غير المستقرة اصلاً، مما يجعلها ساحة حرب مشتعلة بين العملاقين وحلفائهم. وهذا سينذر بكارثة انسانية اخرى في منطقة الشرق الأوسط.
- تزايد الاحتقان الطائفي، دخول روسيا مع إيران إلى سوريا هو بحد ذاته وظفته بعض دول الخليج والدول العربية طائفياً لاسيما من قبل المملكة العربية السعودية، لما أسمته بالاحتلال الصفوي الصليبي لسوريا، ودعت إلى الجهاد ضد هذا التدخل الروسي الإيراني. وقد أصدر 52 داعية ديني سعودي بعد التدخل الروسي في سوريا فتوى جهاد ضد ما اسموه الاحتلال الصليبي الصفوي. هذا بالتأكيد سيكون له تداعيات سلبية خطيرة في ازدياد حالات التطرف وجذب المتطرفين إلى المنطقة.
- الانقسام السياسي بين دول المنطقة بخصوص التدخل الروسي، المنقسم طائفياً قبل ذلك، إيران من جهة وتركيا ودول الخليج من جهة اخرى، الأمر الذي سيتسبب بحالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، مما يلقي بظلاله على مواجهة تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى. هذا الانقسام والصراع الإعلامي والسياسي بين روسيا وامريكا وبين إيران ودول الخليج، سيزيد تنظيم “داعش” والتنظيمات الأخرى قوة وصلابة في فرض سيطرتها على بعض الدول العربية؛ لأن الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة سوف ينزلق إلى صراعات أخرى ويتناسى المواجهة ضد تنظيم “داعش” واخواتها.
- تقسيم سوريا، ربما السيناريو الأكثر ترجيحاً في مستقبل سوريا هو مشهد التقسيم ان لم يكن السيناريو الوحيد لحل الأزمة، وستقسم سوريا إلى ثلاثة مناطق منطقة خاضعة للحكم للعلوين، ومنطقة خاضعة للكرد ومنطقة للسنة، لا سيما في ظل التعارض الغربي الروسي وعدم التوافق على مستقبل سوريا، واصرار واشنطن على تنحي الأسد مقابل اصرار روسي على بقاء الاسد في السلطة، فضلاً عن الموقف الغربي والخليجي والتركي الرافض للأسد، يقابله تمسك روسي إيراني بالأسد. ولهذه الاسباب سيكون خيار التقسيم مطروحاً بقوة. هذا التقسيم الطائفي والديني سيلقي بظلاله على كل المنطقة العربية.
- ازدياد اعداد الإرهابين والمجندين الذين سيجندون من قبل الدول الإقليمية سواء العربية أو من قبل تركيا، وربما تركيا ستفتح لهم الحدود للدخول إلى سوريا والتدخل في الصراع الطائفي المستعر فيها، وسيكون للسعودية بالتأكيد دور في تجنيد الإرهابين والعناصر المتطرفة سواء مع داعش أو تلك التي تحمل نفس الفكر المتطرف.
- التوتر التركي الروسي ومخاطر المواجهة العسكرية، ربما سيكون واحد من التداعيات الخطيرة لهذا التدخل الروسي هو تصاعد وتيرة المواجهة بين انقره وموسكو، والتشنج السياسي والعسكري بينهما؛ بسبب رفض الاتراك هذا التدخل والرافضين مسبقاً لبقاء الاسد في السلطة. هذا التوتر سيزداد بسبب الخروقات الجوية للطيران الروسي لتركيا، سواء بقصد أو بدون قصد.
- واحد من تداعيات تدخل الروس والإيرانيين في سوريا ربما سيزيد من حالة الاستهداف الطائفي ضد الشيعة في بعض الدول العربية ودول شمال افريقيا؛ بسبب الصورة الذي خلقها الإعلام العربي والمتطرفون من خلال هذا التدخل، بأنه احتلال شيعي لسوريا لضرب السنة. وهذا ما حدث بالفعل في المغرب، عندما هاجم المتطرفون بعض افراد الطائفة الشيعية هناك.
وفي ظل استمرار تلك التداعيات السياسية، والتي حتماً ستلقي بظلالها على المنطقة، وسيكون لها تأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على العراق للظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي يعيشها العراق اليوم، مما يجعل منه بيئة خصبة لنمو تلك التداعيات الخطيرة على المستوى الداخلي، وعلى العملية السياسية الهشة، والمواجهة ضد عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، لاسيما بعد دخول العراق التحالف الرباعي الإقليمي المتشكل من “روسيا، إيران، العراق وسوريا”، وبسبب موقف القوى السياسية السنية التي تتحفظ على هذا التحالف، وهو موقف بالتأكيد متوافق مع الموقف العربي والخليجي الرافض للتدخل الروسي، وهو بنفس الوقت موقف يمكن أن نصفه بالطائفي، وليس موقفاً براغماتياً بالنسبة لمصلحة العراق الداخلية؛ لأن من الممكن للعراق الاستفادة من التحالف بشكل كبير من خلال التعاون الاستخباراتي والعسكري والأمني وحتى التعاون السياسي ضد تنظيم داعش، وفي مجالات التسليح ايضاً. لكن بالمحصلة موقف القوى السياسية العراقية بشكل عام منقسم بشأن هذا التحالف، وبالتالي سيزيد من حالة الانقسام السياسي الداخلي وسيهدد العملية السياسية مرة اخرى، وايضا سيلقي بظلاله على المجتمع العراقي ايضاً. وهذا بالتأكيد لا يصب بمصلحة العراق لاسيما في ظل الظروف الحالية المزرية.
وعليه يمكن لصانع القرار العراقي أن يثق في قدرته وأن يتخذ القرار الصحيح الباحث عن مصلحة العراق الداخلية وموائمتها مع المحيط الإقليمي والدولي بعيداً عن التأثيرات الطائفية أو الشخصية. وأن يتخذ الموقف الصحيح بخصوص تدخل روسيا في سوريا وعدم الانجرار وراء المواجهات الإعلامية والسياسية، كذلك الحال بالنسبة لكل القوى السياسية العراقية.
وعلى الحكومة العراقية وصانع القرار العراقي ممارسة الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها السياسية من خلال استخدام موسكو كورقة ضغط عليها، لحسم المواجهة مع تنظيم داعش وتقديم الدعم السياسي والعسكري والأمني للقوات الأمنية العراقية في معاركها ضد تنظيم داعش، وهذه نقطة مهمة في تحويل مسار المواجهة ضد التنظيم المتطرف، لكن يجب أن تستغل بشكل جيد ومهني بعيداً عن ضجيج القوى السياسية؛ لأن الإدارة الأمريكية ستكون تحت تأثيرين تأثير الحكومة العراقية وتأثير الدب الروسي الذي بدأ يمسك زمام الأمور في المنطقة، فضلاً عن الموقف الأمريكية الداخلي الدافع لدعم العراق والموقف الإقليمي ايضاً؛ لكي لا تستغل موسكو الفراغ السياسي والعسكري في العراق ضمن ما يسمى بسياسة” ملئ الفراغ”. وبنفس الوقت يمكن التعاون مع الروس في مجالات اخرى استخباراتية وامنية وعسكرية واقتصادية، دون الاضرار بالعلاقة مع واشنطن.