التداعيات السلبية للأقتصاد العراقي؟!
الجزأ الثاني والأخير
عبدالجبارنوري

أن الفساد المالي والأداري داء ينهش النسيج الأجتماعي من جوانبهِ السياسية ولأقتصادية والثقافية ، وهو من أكبر التحديات التي تواجه عالمنا الحديث فهو يقوّض الحكم الصالح ويشوّه السياسة العامة ويهدم مرتكزات القطاع العام ويقوّض القطاع الخاص ، ويلحق الضرر بالطبقات الفقيرة ، وهو سلوك فردي طاريء يشذُ عن القواعد السلوكية السوية للنظام العام ، وللفساد أثر بليغ في تزايد العنف ، والعراق يتصدر لائحة الفساد العالمية ، وحسب المؤشر الدولي للدول الأكثر فساداً هي : العراق وفنزويلا وكوريا الشمالية وليبيا والسودان واليمن وأفغانستان وسوريا ، وأن هذه المعطيات نُشرتْ من قبل المنظمة الدولية Tronsparency International
ماهو مزاد العملة ؟
تتركز اللبنة الأولى الأساسية في التعاملات التجارية في نظام السوق في العراق على مدى بيعه للدولار الأمريكي للمصارف والمراكز الماليىة والظاهرة المرعبة هنا أن في العراق أكثر من 72 مصرفا أهليا وحكومياً والرقم كبير غير مسبوق في دول الجوار على الأقل أذ في كل من تركيا وأيران 32 مصرف ، يتم تحويل الأموال لأستيراد البضائع بمبالغ تصل إلى أكثر من 200 مليون دولار يوميا ً ، والفضيحة المالية هنا هي بروز الفوارق المالية بين حجم ونوعية البضائع وبين قيمة تلك البضائع .
ويعتبر ” مزاد العملة الأجنبية ” تلك الفرية الأمريكية البريمرية للمحتلين طُبقتْ بالتحديد عام 2004 من قبل البنك المركزي العراقي ، والذي يعتبر شكلاً جديداً من أشكال الفساد الأقتصادي المرتبط بحبلهِ السري مع عملية غسيل الأموال في العراق ، فمزاد العملة في العراق أصبح وسيلة لتهريب الأموال من العراق فقد تمّ هدر 312 مليار دولار من 2004 لحد 2014 وهي من عائدات النفط العراقي الآيل للنفاذ في 2040 والذي ضخهُ البنك المركزي العراقي إلى الأسواق وتمّ تحويلهُ ألى الخارج وهو رقم لا يستهان به حين يعاني الأقتصاد العراقي شللا بسبب أستنزاف الحرب الداعشي وأنخفاض سعرالبرميل من النفط الخام والألتجاء إلى الأستدانة من البنوك الدولية ورهن مستقبل الأجيال القادمة بالضمانات السيادية والرضوخ للشروط التعسفية للصندوق النقد الدولي .
ما هو مزاد العملة ؟ يمكن توضيح الأصطلاح كما يلي كمثال أفتراضي عابر ومغث وقاهر:
أذا أشترى أحد المصارف ( 10 ) مليون دولار بسعر صرف الدولار 4-118 دينار عراقي للمصارف وتقوم تلك المصارف ببيعه بسعر 5-125 دينار عراقي ، كان ربحهُ 71 دينار لكل دولار فيصبح 710 مليون دينار عراقي أي ما يعادل 600 ألف دولار لذلك اليوم وخلال سنة واحدة يربح المصرف ( 200 ) مليون دولار علماً أن أكثر من 65% من الوصولات والكوبونات ( مزورة ) أو تسجل بأسماء أشخاص عاديين يحملون جوازات سفر عراقية حتى وأن لم يشتروا أي دولار ، ويخسر الأقتصاد العراقي 3 مليار دولار سنوياً لصالح جهات مافيات تهريب المال العام الغير مبرر والغير مسؤول ، فكان الأجدر بناء مدارسنا الطينية وتشغيل جيوش العاطلين وأعادة الحياة لشركاتنا المعطلة ، وللعلم أن عملية مزاد العملة الأجنبية في البنك المركزي العراقي مرتبطة بمصارف تعود لجهات سياسية تموّل من قبل أحزابها وميليشياتها في بيع العملة الأجنبية وسبائك الذهب حيث يبيع البنك المركزي يومياً 180 مليون دولار ، وفشلتْ محاولات العديد من السياسيين المخلصين – وهم قلّة – في ألغاء مزاد العملة الذي يطبقهُ البنك المركزي العراقي بعد ما بلغت 180 مليون دولار في اليوم ولكن محاولاتهم باءت بالفشل لتقاطعهم بمافيات الفساد المنظمة المدعومة بالميليشيات والأحزاب المسلحة والمرتبطة بشبكات التهريب في الداخل والخارج ، وأن البنك المركزي يعلن أن التدقيق في الفواتير ليس من أختصاص البنك وأنما من أختصاص دائرة الجريمة الأقتصادية التابعة لوزارة الداخلية ، وأن هذه الطفيليات المالية ما كانت ترقى إلى أمبراطوريات مالية لولا للمناخ الفاسد العراقي للفترة ما بعد 2003 ، ولم يكن لهُ وجود منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921 حتى 9 نيسان 2003 الذي شهدهُ العراق بعد الأحتلال الأمريكي لهُ ، وعلى ضوء هذا الفساد ونهب المال العام لم يكن مستغربا أن يصنف العراق لعامين متتاليين في صدارة الدول الأكثر فساداً وظهرت تداعياتها المرضية على الكيان العراقي الهزيل أصلا :
وهذه بعض التداعيات السلبية التي ظهرت على الحياة الساسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية :
-خلخلة الوضع الأقتصادي الذي يؤثر مباشرة بالوضع السياسي .
– التذبذب في سعر الصرف .
– خضوع الأقتصاد العراقي الأحادي لتقلبات ومضاربات السوق المحلي .
– أستنزاف أحتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة وسبائك الذهب الذي يؤثر بدوره في صرف العملة المحلية .
– تراجع أحتياطي البنك المركزي في سنة 2009 ألى 35% .
– فقدان أستقلالية البنك المركزي العراقي .
– نوسع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق .
– البطالة بنسبة 39 % والفقر بنسبة 40% .
– العجز بميزان المدفوعات وثم ألى أنخفاض القدرة الأنتاجية .
– تنامي وأنتشار الفساد والسرقة للمال العام وضعف الروابط الأجتماعية .
– تنامي ظاهرة غسيل الأموال .
-ظاهرة الفقر: أنها آفة ذات مخرجات متعددة الأبعاد ، وإن هذه الظاهرة خرجت من قوقعتها لتفقس فايروسات تنخر النسيج الأجتماعي والسياسي والثقافي.
– العقوبات الأقتصادية الدولية أثر أحتلال العراق للكويت عام 1990.
– تداعيات الأحتلال الأمريكي للعراق بعد 2003 حيث تفكك الدولة المؤسساتية والسير نحو اللادولة وتردي النظام الأقتصادي والأبعد سقوط المنظومة الأخلاقية في أنتشار الرذيلة والمخدرات والتي شاركتها الجارة أيران في تجارة هذا الوباء .
– أنتشار وباء كورونا منذ شباط 2020 وحتى اليوم الذي أدى تعطيل الحياة الأقتصادية والأجتماعيى والثقافية وتلكؤ مشاريع الأستثمار العام والخاص ومن مخرجاتها السيئة تذبذب أسعار بيع النفط .
كلمة أخيرة / لقد تدهورت (أستدامة ) المصادر المالية في العراق منذ سنة 2014 وهي مستمرة حاليا التي تلت الأزمة المالية العالمية وتأثر بها العراق في 2008 ، وأستمر ظهور العجز في الميزانية العراقية حتى وصل ألى رقم كارثي يتجاوز 111 مليار دولار وخفف الرقم ألى 37 مليار دولار بعد شطب المانحين في نادي باريس لتلك الديون بنسبة 80% .
من المستحيل أن الجهات الرقابية والتي هي ( هبئة النزاهة ووديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ) من أن تقف بوجه الفساد لأن هذه الجهات الرقابية بحاجة ماسّة لتوفير الأمن والدعم السياسي لهم ولأنّ (بعض ) هذه القيادات السياسية تقع تحت نأثير ضغوطات داخلية وخارجية أقليمية ودولية .
الهوامش ومصادر البحث
———————————————
/ د-علي مرزا – أستخدام الأحتياطي في غير وظيفته /
سمير شعبان –جريمة تبييض الأموال 2016 /
أيمان محمود –الأزمات المالية العالمية .
عبدالرزاق الفارس / توزيع الدخل في الوطن العربي -2001 ص19
-أيريك جنسن –الفقر والتعليم – ترجمة صفاء الأعسر القاهرة 2015 ص16

كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
في مارت آذار/2022