عدنان حسين

بالتأكيد نحن في حاجة، بل في أمس الحاجة، الى برنامج وطني شامل وسريع لإقامة البنى التحتية، فدكتاتورية صدام حسين بحروبها العبثية المدمرة، ثم دكتاتورية أمراء الطوائف الحالية بنزاعات أقطابها الصبيانية وصراعاتهم المهلكة على السلطة والنفوذ والمال، الى جانب حرب الإرهاب الشعواء المتواصلة ضد الشعب العراقي، لم تترك لنا الا الموت اليومي والظلام والأزبال والغبار والفساد والفقر والبطالة والتخلف المريع.
نحتاج الى مشاريع كبرى للكهرباء ومياه الشرب والري والصناعة والزراعة والنفط والمعادن والنقل والبيئة والاتصالات والنقل والصحة والثقافة والتعليم ومحو الأمية والسكن والصرف الصحي والتدريب والتأهيل … نحتاج اليها اليوم قبل الغد وهذه السنة قبل السنة المقبلة، وقد يكون قانون البنى التحتية الذي تسعى الحكومة لإقراره في مجلس النواب هو ما يمكن أن يلبي هذه الحاجات كلها بعد تضبيطه في البرلمان ووضعه موضع التنفيذ لاحقاً.
لكن على مجلس النواب، وكذلك الحكومة المتحمسة للقانون، أن يتعاملا بايجابية مع الملاحظات والتحفظات والاعتراضات المثارة على مشروع القانون. لا بد من التحرر من عقلية المؤامرة، من دون أن يعني هذا نفي امكانية المؤامرة بين الكتل السياسية المتنفذة في الحكومة والبرلمان، فمؤامراتها الكبيرة والصغيرة ضد بعضها البعض مما يُرى بالعين المجردة.
من أكثر ما يعترض عليه المعترضون ان القانون سيراكم علينا ديوناً وفوائد قد تُرهق الأجيال المقبلة وتكبّل ارادة الدولة والبلاد. ومما يجري الإعتراض عليه ان القانون يمكن أن يفتح أبواباً للفساد المالي والإداري أرحب من الأبواب الحالية المفتوحة على مصاريعها بعلم ودراية اساطين الدولة وبانخراط تام من بعضهم.
السنوات العشر الماضية شبه ضائعة، فما من شئ ذي قيمة فعلته الحكومات المتعاقبة، وهذا من جنايات جيش الفاسدين والمفسدين الجرار، وبأم العين نرى الآن ان المشاريع الصغيرة التي أنجزت ( شوارع وجسورومستوصفات ومدارس….) تتآكل وتتهاوى وقد أعيد ترقيع البعض منها مرة ومرتين.
لدينا خشية حقيقية من ان مشاريع البنى التحتية التي سيشملها القانون المقترح المثير للجدل والخلاف ستأتي في صورة مشاريع السنوات العشر الماضية. من يضمن الا تكون كذلك؟ وكيف نضمن الا تكون كذلك؟ لا بد من جواب واضح ومحدد لهذا، فالمشاريع المستهدفة بالقانون ستكلف ترليونات الدولارات.
في تصريح صحفي له قبل ثلاثة أيام أفاد رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان النائب يونادم كنا بان الاستثمار بموجب القانون المقترح “سيتم بالتعاقد مع شركات عالمية رصينة ومضمونة ضمانات سيادية وليس وسطاء كما يحصل حالياً”.
ربما كانت نوايا النائب المحترم طيبة وتطلعاته حقيقية، لكن السؤال يبقى قائماً: من يضمن ذلك من طرفنا نحن؟. وثمة سؤال منطقي يثيره كلام النائب: لماذا لم نذهب طيلة السنوات العشر الماضية الى الشركات العالمية الرصينة والمضمونة ضمانات سيادية؟ هل ما قدمناه الى الشركات الأجنبية والمقاولين المحليين كان تبناً ونشارة خشب فلم يستحق الضمانات؟
لضمان أن تذهب مشاريع البنى التحتية الى شركات رصينة ومضمونة ومأمونة ومعول عليها يقتضي الأمر أن تحقق الدولة في كل قضايا الفساد المالي والاداري التي أهدرت مئات مليارات الدولارات في أقل من عشر سنوات فقط، فجرذان الفساد الطلقاء سيظلون بالمرصاد لمشاريع البنى التحتية.