كنا صغارا نعشق اللعب في الطرقات والساحات, وفي البساتين النضرة بين الفواكه العطرة, وكان لهذه الألعاب مواسم خاصة تمتاز بها عن سواها, وأوقات تختلف باختلاف الليل والنهار, حيث ألعاب النهار لا تلعب بالليل , وألعاب الليل لا تلعب بالنهار, وللصيف ألعابه في السباحة وتسلق الأشجار, وللربيع ألعابه على بيادر الحنطة والشعير وللشتاء ألعابه على الأرض المطيرة الرخوة كما كان أن للبنين ألعابه تختلف عن ألعاب البنات في بعض الأحيان وتشرك معها في البعض الاخر .
وهناك ألعاب يختص بها الكبار في الأندية وفي مواسم خاصة. وقد يتصل تاريخ بعض هذه الألعاب بتاريخ الأمة العربية في عصورها القديمة قبل الإسلام وللتمثيل على ذلك قول طرفة بن عبد في وصف السفينة:
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما قسما الترب المفايل باليد
وهذه اللعبة معروفة بالبصرة باسم_ طم خريزة_ تلعبها البنات وهي أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء ثم يقسم التراب نصفين ويسأل عن الدفين في أيهما وهي التي عناها طرفه في_ عجز البيت_ وقول امرئ القيس في وصف جواده : ذرير كخدروف الوليد أمره , تتابع كفيه بخيط موصل.
ولعبة الخذروف هذه معروفة البصرة باسم_ الفرارة_ وهي عبارة عن قطعة من الخزف أو ما أشبه تثقب ثقبين ويدخل فيهما خيط يعقد رأساه ثم يدخل اللاعب إبهاميه بين طرفي الخيط ويفتلهما ثم يتابع السحب والإرخاء فيظهر لذلك صوت كصوت النحلة يسر به اللاعب . وقد وقع كثير من شراح هذا البيت في الخطأ لعدم معرفتهم هذه اللعبة حيث يظن بعضهم أنها لعبة المرصعة “الدوامة” أو ما أشبهها. ويؤكد ذلك تتابع الكفين باللعب لا يكف بواحدة وأن الخيط موصل أي قد وصل رأسه بالرأس الأخر كما بينا . وألعاب كثيرة أخرى ربما استطعنا عرضها بعدئذ. ومما يجدر ذكره أن الألعاب الشعبية التي نحن بصدد بحثها والتي أوشكت على الانقراض أ, في الحقيقة قد انقرضت حتى في الأرياف نفسها ألا قليلا من بقاياها ما كانت تكلف شيئا من المال بل هي بنت البيئة والطبيعة حيث تتخذ أدواتها أما من الطين أو من عظام الحيوانات أو من جريد النخيل وأغصان الأشجار أو ما أشبه ذلك واللاعبون يومئذ ما كانوا ليحتاجوا ما يحتاجه لاعبوا اليوم من أحذية وألبسه خاصة وكرات ولعب تستورد من الخارج أو تصنع في المعامل وتستنزف مقدارا لا يستهان به من المال وقد يحرج الوالدان من أجل شراء بعضها بأثمان باهضة .
ونستطيع أن نقسم الألعاب الشعبية هذه إلى ثلاثة أقسام وهي : (1) ألعاب موسمية. (2) ألعاب دائمة. (3) ألعاب ليلية. وهذا التقسيم تقريبي أيضا وسنتناول بالبحث الألعاب الموسمية فقط وما يدخل عرضا من الألعاب الدائمة فيها .
الألعاب الموسمية :
وهي التي تلعب في مواسم خاصة ولا تصلح ألا بها من حيث توفر شروط للعبة وأدواتها وطبيعة المناخ والبيئة تساعد على إتيانها , وتشجع على القيام بها , ومن أهم اللعاب الموسمية :
السباحة: وهذه بطبيعتها لا تصلح ألا بالصيف حيث يشتد الحر في البصرة , وتتدفق الترع والجداول بماء المد السريع , وتنداح لتندفع التيارات نحو الشاطئان وهي تحمل في ركبها أسرابا من السمك النهري النشيط اللعوب على اختلاف أنواعه وحجومه فيصطدم بأرجل السباحين ويتفلت من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم وكأنه يلاعبهم ويداعبهم , أو يغريهم ويخيفهم فيضجون ويضحكون وينفرون . وحيث تحدب أغصان التوت وتتدلى أوراق الموز وتتعانق فوارع النخيل على الشاطئين وهي تعكس الظلال الوارفة الراقصة بين اثباج الموج وتلألؤ التيار ونشائد الطيور . في مثل هذه الطبيعة الساحرة , هذا الجو الفاتن الخلاب يقفز الولدان هاتفين صاخبين إلى وسط الترعة من الشاطئ , أو من أعلى نخلة مشرفة عليه متحدين غضب_ الملا_ الذي وسم أفخاذهم بعلامة _ الهلال والنجمة_ بالحبر والقلم القصب لئلا يسبحوا فيصابوا بضربة الشمس أو الرمد أو ما أشبه ذلك فيضج ضجيجهم وهم ينادون سباحة الموت براحة وكأنهم بذلك يستعذبون الموت في سبيل هذه السباحة الجميلة المغرية. وما يكادون ينزلون إلى الماء حتى يصبح أحدهم: «بلت بالميه حكوا راسكم عن العكرب والحية «.. فيحك كل سابح رأسه كي لا تلدغه الحية أو العكرب في الماء , على اننا لا نعلم منشأ هذه العقيدة أو لعلها متأتية من الحذر من البول بالماء حتى أن البائل فيه مهدد بلدغة العقرب والحية ,هذه خرافة محمودة العاقبة مفيدة للصحة كي لا تنتشر كثير من الأمراض في الماء , ألا أن الوقاية منها في حك الرأس خرافة أخرى ما حقة لها ميسرة لأنتشار الأوبئة من التبول في الماء . وبعد ان يندفع السباحون هنا وهناك ويغوصوا ويطبطبوا يقترح أحدهم لعبة من لعبات السباحة وهي : أ- الدحرية – أي الدحرجية _ أو_ الدحرجة تصغير _ دحروجة _ وهي كلمة تسمى بها البيضة لآنها مدحرجة , ولا زال الناس في جنوب البصرة يسمون البيضةدحروجة أو في العامية الموغلة في القدم _ دحروية _ بقلب الجيم ياء . في أحدة لهجات_ تميم _ وسميت اللعبة بذلك لان اللاعبين يتحلقون حول بعضهم ويبدأ كل واحد منهم _ ينقد الماء بأصبعه_ لا على الترتيب فأن ظهر للنقد صوت عميق يشبه صوت الضفدع كانت البيضة صحيحة وكان صاحبها ناجيا , وأن كان صوت الضربة خابيا يتفرق عنه الماء , كانت البيضة فاسدة وصارت اللعبة في رأسه. وسرعان ما يتفرق عن أصحابه ويغوصون تحت الماء ويتشتتون كالسمك عليه أن يلقي القبض عليهم واحدا واحدا , وكلما ظهر احدهم من تحت الماء بعيدا صفق له فيجري نحوه سابحا مسرعا للقبض عليه وما يكاد يدنو حتى يغوص المتبوع ثانية ولا يعلم إلى آية جهة اتجه وهكذا. أما إذا ألقي القبض على أحدهم بمجرد لمسة باليد فيقال عنه _ أنه مات_ وإذ ذاك ينظم أليه ليساعده على ألقاء القبض على الاخرين , وكلما القي القبض على واحد أنظم إلى من وقعت اللعبة برأسه حتى يمسكوهم جميعا .
_ الطب_ يفتح بالطاء : وهم يعنون بذلك القفز أو الإلقاء بالنفس من مكان مرتفع. وتتلخص هذه اللعبة بأن يتسلق كل سابح شجرة على الشاطئ ويقذف بنفسه من الماء أما على رأسه أو على رجليه وفي هذه الأثناء يراقب كل منهم السابح الساقط فأن خرج من تحت الماء حالا وألا بدأوا بالبحث عنه خشية أصابته بأذى. ثم يعاودون الصعود والسقوط وهكذا .
الغركان ( الغريق ) : وهي ان ينقلب كل سابح على ظهره أو بطنه ويدع يديه سائبتين إلى جنبيه وجسمه يتقلب مع التيار ويقطع تنفسه ليرى من هو صاحب أطول نفس وأطول مسافة فيكون هو الغالب لنه في هذه الحالة لا يستطيع أن يتنفس حيث يكون رأسه غارقا في الماء.
لعبة المجذاف : وهي أن ينقلب السابح على ظهره ويجعل من يديه مجذافين يجذف بهما بأقصى ما يستطيع من قوة وسرعة للوصول إلى مكان معين أما بأتجاه التيار أو ضده .
لعبة_ المركب_ : وهي أن ينقلب السابح على ظهره ويرفع كلتا يديه إلى الأعلى مصفقا بهما سابحا برجليه فقط بأقصى سرعة حيث يندقع الماء إلى الأعلى والجانبين ويظهر لذلك صوت شبيه بصوت محرك المركب البخاري وشبيه بتكور الماء حول رفاسه وتدحرجه عنه , ويوضع لأجل ذلك هدف معين للوصول أليه بالتسابق .
لعبة_ تعبير الهدوم_ (الملابس) : وهي تعبير الملابس من ضفة لأخرى بحيث لا يصيبها بلل ولا رذاذ . وذلك بأن يحمل كل لاعب ثيابه بيده اليمنى ويرفعها إلى الأعلى بحيث لا يمسها الماء ويسبح بيده اليسرى ورجليه فقط مندفعا نحو الجانب الأخر حيث يضعها على الجرف ثم يعود حسب التسابق في السرعة ودرجة جفاف الملابس مراعين مقاربة وزنها وحجمها .
سباحة الكلاب : وهي أن يسير السابح واضعا يديه ورجليه تحت الماء منقلبا على بطنه بحيث لا يظهر لسباحته صوت وذلك كما يسبح الكلب من غير طبطبة ولا زمزمة حتى يصل الهدف المعين بوقت أسرع من الآخرين .
سباحة الحوت : وهي أن يندفع السابح بأقصى سرعة واضعا بطنه على الماء محركا جميع أطرافه ضاربا الماء بقوة وشدة بكفيه وقدميه متمايلا بجسمه ذات اليمين وذات الشمال حتى يظهر له صوت شديد فيندفع نحو الهدف المعين وهو يشق الماء شقا كالحوتة الكبيرة أو الكوسج المذعور. والسابق من يصل الهدف ويعود إلى مكان منطلقه بأسرع وقت .
السباحة على أحد الجنبين فقط : وذلك بأن يستلقي السابح على أحد جنبيه ويندفع نحو الهدف المطلوب سابحا بيديه ورجليه .
التسابق في الغوص وهو على نوعين : النوع الأول أن يقف الحكم فيعطي أشارة البدء ويغوص المتسابقون ثم ينظر أيهم أطول نفسا حيث يكون أخر خارج من تحت الماء هو الفائز. والنوع الثاني : أن يندفع الغائصون تحت الماء مع التيار أو ضده بنفس واحد لينظر أيهم قطع مساحة أكثر.لعبة_ شباب كله(أعمدة الكلة) : وتتلخص هذه اللعبة بأن يغوص السابح واضعا رأسه إلى الأسفل رافعا رجليه خارج الماء بحيث يشاهدهما الحكم ومن بقي مدة أكثر هكذا فاز السابق . لعبة سباحة المعيديات : وذلك بان يقف السابح على رجليه وقوفا في الماء ثم يندفع نحو الأمام بصدره دفعات متتالية وينشد اللاعبون أثناء ذلك : يا معيدية طاب وطاب : أزبيدتج لوليدج والبينج للطلاب , أي زبدك لولدك , ولبنك لمن يطلبه هذه هي أهم أنواع اللعب في السباحة .
ألعاب الزرع
ومن الألعاب الموسمية ألعاب الزرع , ويراد بالزرع : الحنطة والشعير. وكان الناس إذ ذاك يكثرون من زراعة الحنطة حتى لم يكن احدهم يحتاج شراءها , بل يدخر منها حاجته طوال السنة ولم تكن المخابر معروفة إذ ذاك في الأرياف بل كان القمح يطحن بالرحى تطحنه النساء في البيوت , ويخبزنه في التنانير في الصباح والمساء , وكلما أستضافهم أحد أو عنت لهم حاجة فيؤتى بالخبز حارا شهيا من قمح نقي جديد مع اللبن الطازج والزبدة والتسويق.. كما كان يزداد اهتمامهم بزراعة القمح من اجل رمضان حيث يصنعون منه الهريس والبرغل والنشاء وما أشبه ذلك. وعند تذرية القمح وتنقيته تزداد الدعوات بين الناس وتكثر الزيارات لأكل_ السويق_ والذي هو عبارة عن حنطة تحمص على النار في أناء خاص ثم تطحن وتداف بالتمر الجيد وتبس بزبد البقر حتى تصير بثيثا له رائحة تثير الشهية , ويقدم ذلك عادة في الضحى مع الخبز الحار واللبن الخضيض والزبد الطازج كما تقدم وأحيانا يقدم معه المشمش وطباق من الخيار فتجد الناس في حركة وائتلاف. وأما إذا حصد الزرع فأنهم يحزمونه ويبيدرونه في الطرقات مستفيدين من مرور الناس والدواب عليه حيث يدرس ثم يذرى , ولم تكن في القرى إذ ذاك سيارات ولا مركبات , فيجتمع الصبيان يلعبون عليه ويدوسون ويغنون , كما يتخذ الكبار لهم عليه مجالس في الصباح وفي المساء وحتى في الليل متخذين منه فراشا وثيرا ناعما يتمددون عليه ويتندرون ويروون الأخبار والأقاصيص خائضين في مشاكلهم الخاصة والعامة. أما اللعاب على الزرع التي يشجع الكبار عليها الصغار لدرسه وسحقه فهي :
الدوران على الزرع : وذلك بأن يمسك كل واحد منهم بيد الآخر ويديرون ويغنون أغانيهم الموسمية المعتادة كقولهم :- ما ندوس ألا بجليه_ والجلية: هي مقدار من القمح يعطى فيحمصونه كما يحمص حب القهوة ثم يطحنونه أو يدقونه ويأكلونه مع التمر أو يستوفونه خالصا . أو كقولهم_ ماندوس ألا بفندوس _ والفندوس كتة من التمر المكبوس تكون ملء اليد أو أكثر قليلا . وعند الانصراف يرددون بنشاط وحماس_ أنيول يوله وانروح_ أي نجول جولة ونذهب فإذا نال منهم الجهد والعناء أنصرفوا إلى بيوتهم . ومما يتناقله أهل القرى من أقاصيص ممتعة حول ذلك : أن أحد الزهاد مر بأطفال يلعبون على الزرع ويرددون_ انيول يوله وانروح . فتوقف الزاهد قليلا ثم ألقى سجادته من على كتفيه وصار يدور مع الأطفار وينادي مثلهم انيول يوله وانروح _ فتحمس الصبيان حيث رأوا الشيخ يهرول معهم وتحمس معهم حتى صار يبكي وبعد أن تصبب عرقا ودعهم وأنصرف. ثم سأله أحد مريديه عم سر ذلك الأمر العجيب , والعمل الغريب, فأجابه قائلا : أن هؤلاء ليسوا صبيانا بل فلاسفة عقلاء , وزهادا أبرياء , فقد وصفوا حياتنا بهذه الجملة وهي أننا على هذه الأرض نجول جولة ونروح.
الشطيطو : وتتلخص لعبة الشطيطو : بأن ينقسم اللاعبون إلى فريقين يكون لكل فريق رئيس وأعضاء ثم يخطون دائرة على الزرع من الزرع نفسه , وينزل لاعب من احد الفريقين الى وسط الدائرة بطريقة الأقتراع ويبدأ يدور حول محيطها وهو ينادي بصوت طائر صغير كالبلبل يسمى_ الطلطول_ فيردد : شطي طي طي ططي طي وهكذا. بينما يكون أعضاء الفريق الآخر يدورون حول محيط الدائرة من الخارج ويرددون نفس المقاطع والأصوات بحيث يحاول اللاعب في داخل الدائرة أن يضرب بيده أحد هؤلاء من غير ان يضربوه فإذا ضرب أحدهم ولم يضربه أحد يقال عن المضروب بانه مات فيعتزل اللعب وينقص واحد من عدد الفريق. أما إذا أمسك به ذلك المضروب فأنه أستطاع اللاعب بداخل الدائرة أن يجذب المضروب الذي أمسك به بسرعة إلى داخل الدائرة فقد حوله إلى نصير معه يساعده على ضرب الخصوم أو اجتذابهم للداخل. فأن أعضاء فريقه يتكاثرون ويسحبون زميلهم لتخليصه من الدخول في الدائرة كي لا يتحول خصما لهم, وفي نفس الوقت يحاولون جذب ذلك اللاعب وإخراجه من داخل الدائرة على أن يضعوا قدما في داخلها فأن وضع احدهم قدما واحدة اعتبر ميتا وأن وضع قدميه تحول إلى نصير للخصم أما إذا أخرجوه كله إلى خارج الدائرة فقد مات ولكن أعضاء فريقه في هذه الحالة يهجمون إلى داخل الدائرة ليخلصوا زميلهم من محاولة الإخراج خارج الدائرة وغذ ذاك يحمي وطيس اللعب حيث كل من في الدائرة يحاول أن يضرب من خارجها, أو إدخاله للداخل , كما يحاول كل من في الخارج أن يضرب أحد من داخل الدائرة أو إخراجه منها ويبقى الرئيسان كالحكمين يخرجان الموتى من كل فريق وينحيانه عن ساحة المعركة والجميع في حركة ونشاط ووثب ودوران مرددين نفس المقاطع المارة حتى يموت جميع أعضاء فريقه فإذا مات خسر فريقه اللعبة بكاملها.
الميت. أو_ المدفون_ : وتتلخص هذه اللعبة بأن تشد عينا أحد اللاعبين بحسب القرعة ويدفن اللاعب الآخر تحت الزرع الكثيف ثم يؤتى بذلك المعصوب العينين ويوضع على الزرع ويطلب إليه أن يتحسس بأرجله موضع الدفين , فيبدأ يسير بحذر حتى إذا وطئت قدماه ذلك الدفين نهض من تحته بسرعة وقوة فينقلب الآخر ويعتبر إذ ذاك خاسرا , وأن لم ينقلب أستطاع أن يقفز بخفة ومهارة أعتبر المدفون خاسرا وأستبدل كل منهما دوره بدور صاحبه وهكذا. ومن لطائف ومفارقات هذه اللعبة أن يتفق مرور أحد الفلاحين أو المارة من على ظهر هذا الدفين فيحسب خصمه وينهض عاجلا لإسقاطه فيسقط ذلك المار أو الفلاح الذي يتفق أن يكون محملا بالسعف أو الحشيش أو ما أشبه ذلك وهنا يتفرق الصبيان ويلاحقهم ذلك الرجل بالحجارة والسب والشتم. واتقاء لحصول محاذير خطرة يقف بقية الصبيان بشكل حراس على هذا الدفين خشية أن تمر دابة فتؤذى صاحبهم ولكنهم يذودونها عنه ويتحلقون حوله حتى تمر بسلام . ولكنهم لا يفعلون ذلك عند مرور أحد الناس بل يتغافلون للنكاية والضحك. ولابد ان يلاحظ المتتبع أن الصغار يومئذ ما كانوا لينزعوا نزعة أنسانية صحيحة بسبب الجهل وعدم وجود مدارس تقوم اتجاهاتهم وتوجه سلوكهم نحو الخير, وكثيرا ما كانوا يتسببون في أذى بعض المارة كإثارة كلب نائم عليه, أو اهاضة خلية نحل فيلدغ حراسها ذلك المار أو ما أشبه ذلك من المزعجات للعاجزين والعميان والباعة المتجولين . وإيذاء بعض الحيوانات كالقطط والضفادع وغيرها.
هاتو : وهذا اللعبة كانت تعرف بالقوى باسم_ هاتو_ أما في مدن الجنوب فكانت تعرف باسم_ سمبيلة السمبيلة_ وذلك بأن ينحني بعض اللاعبينبحسب القرعة أيضا واضعا راحتيه على ركبتيه أثناء القفز فأن أصطدمت برجل أحدهم برأس أو جسم المقفوز عليه كان القافز خاسرا وعليه أن ينحني للقفز عليه كزميله وهكذا.
الشكـــوك : الشكوك جمع شك ( يكسر الشين) وهو عبارة عن قضيب من جريدة النخيل ,أو غصون الأشجار طوله بقدر ذراع اليد أو أكثر منه قليلا , يقط رأسه كما يقط القلم القصب. ولا تلعب هذه اللعبة ألا حين تكون الأرض رخوة بعد المطر , يوم لم تكن الطرق ولا الساحات مبلطة بل كانت الأوحال تستمر طوال فصل الشتاء المطير . فيأتي كل لاعب ومعه عدة شكوك ويأخذ أحدها بيده ويطلقه بشدة نحو الأرض بأتجاه رأسه المدبب فينبت فيها , ثم يلتفت لصاحبه قائلا : توله . أي أرمه ولكن الكلمة من : تال يتول , لا تؤدي معنا شك يشك , أو ما أشبهها بل هي بمعنى : عالج السحر . فيأتي اللاعب الثاني ويضرب شكه على شك اللاعب السابق بحيث يشكل الاثنان ما يشبه المقص أو أشارة الضرب (×) محاولا بذلك اسقاطه , فان سقط كسبه وأخذوه وألا فيقلع الأول شكه ويضرب الثاني كما ضربه وهكذا حتى يغلب أحدهما شكوك الأخر . وقد تتألف أكثر من اثنين فيعاود كل واحد الضرب بالمناوبة .

كسـر عصيـه
ولا تلعب هذه اللعبة أيضا ألا حين تكون الأرض رطبة ورخوة بعد المطر , أي في موسم لعب الشكوك . وهي تشبه لعبة الشكوك السابقة وكيفيتها بأن يركز شك بطريقة الاقتراع ثم يرسم خط على مسافة معينة يتفق عليها ويقف اللاعب قريبا بمحاذاة الخط واضعا أصابع رجليه بتماسه ثم ينحني قليلا ويقذف بشكه بالعرض ذلك الشك المركوز فان أصابه أخذه , وأن اصابه وأسقطه أخذه وأخذ معه شكا أخر , وأن أخطأ خسر شكا من عنده للخصم المقابل صاحب الشك المذكور , وكما تلعب بأثنين تلعب بأكثر من أثنين أيضا. ولعلها تحوير لألعاب القداح قبل الإسلام . قال عنترة : ربذ يداه بالقداح إذا شتا , هتاك غايات التجار ملوم .
ألعــاب العــيد وألعــاب رمضــان :
ومن أشهر الألعاب الموسمية ألعاب العيد ألعاب رمضان وقد تلعب بعض الألعاب الفصلية الموسمية في رمضان والعيد أن صادف ذلك وقتها كلعب الكعاب مثلا أو الدوامات أو لعبة غزالة , أو غميضة جيجو, ما أشبهها من ألعاب الليل والنهار . غير أن ثمة ألعابا خص بها رمضان للكبار وللصغار وهذه لا تلعب ألا في الليل ومن قبل طبقة خاصة من الشباب على الأغلب ومن أشهر لعبات رمضان :
الصينية والبعض يسميها “صوينية” : وهذه اللعبة كلعبة المحيبس التي ربما شرحناها في المستقبل . والصينية من ألعاب المدينة في البصرة أكثر من ألعاب الريف حيث هناك مقاه خاصة تلعب بها هذه اللعبة من بعد صلاة العشاء حتى أوان السحور وهي لعبة جماعية تتكون من فريقين ويكون لكل فريق رئيس وأعضاء يتراوح عددهم بين العشرة والخمسة عشر أو أقل من ذلك أو أكثر من ذلك بأن يؤتى بصينية (طبق من الصفيح مدور) صغير الحجم بقدر تلك التي يقدم بها أقداح الشاي أو اكبر منها بقليل ومعها عشرون أو أربعة وعشرون قدحا صغيرا من الصفيح الخفيف أيضا وكل واحد منها بحجم فنجان القهوة أو أقل منه عرضا , ثم يؤتى بقطعة صغيرة معدنية (مثل زار الطاولي) وتوضع هذه القطعة في المساومة فتصل إلى أربعة ليال أو خمسة أو أكثر , فإذا رسا البيع على فريق مثلا بخمس ليال يحسب للفريق الآخر المتنازل عن الأسبقية في اللعب خمس ليال , ويكون الرهان عادة من ثلاثين ليلة (أي شهرا كاملا) ثم يجلس أعضاء الفريق الذي أشترى القطعة بخمس ليال ويؤتى بإزار أو عباءة سميكة تنشر فوقهم بحيث لا يراهم أحد ويبدأ الرئيس ينظمهم , ويدينهم من بعض البعض ثم يضع القطعة المعدنية تحت أحد هذه الفناجين ويقلب جميع الفناجين مثله على أفواهها في الصينية ويصفها صفا دقيقا بحيث لا يختلف الواحد عن الآخر لئلا يعرف الفنجان الذي وضعت القطعة المعدنية تحته ثم يلقى الإزار وينادي الرئيس قائلا بات أي بات المحبس في مكان معلوم وهذه في الأصل تقال في لعبة المحيبس. ثم ينتخب لاعب من الفريق المقابل ينتخبونه هم كما يشاؤون وأحيانا ينزل الرئيس نفسه للميدان ويبدأ يتطلع للصينية المحمولة على يد أحد لاعبي الفريق الأخر الذي يبدأ عادة بدورها على راحة يده أو أصابعه ويأخذ الخصم المقابل اللاعب المنتخب بتقليب الفناجين التي يظن أن لاشيء تحتها فأن قلب فنجانا يظنه فارغا وظهرت القطعة المعدنية تحته خسر فريقه ليلة وذلك باحتساب ليلة للفريق المقابل وألا حصر القطعة تحت فنجان بعينه وقلب الأخريات فأن أصاب احتسبت لفريقه ليلة وتحولت الصينية والإزار له وألا استمر الفريق الأول بتبييت ليلة أخرى وقد كسب ليلة حسابه وهكذا حتى يكمل أحد الفريقين ثلاثين ليلة وإذ ذاك يكون الفريق المقابل مندحرا ويخسر الرهان الذي كون على الأغلب أما مقدارا من الحلوى أو الفاكهة أو ما أشبه ذلك ويأكله جميع الحاضرين .
لعبة الدامة وهذه تشبه لعبة الشطرنج ولا يلعبها ألا الرجال الكبار لقضاء الليل حتى وقت السحور .
الكركيعان (القرقيعان ) : وهذه اللعبة أو في الحقيقة العادة معروفة في جميع العراق ولكنها تتخذ شكلا أنتشاريا في البصرة أوسع وذلك بأن يشتري أصحاب البيوت قبل حلول ليلة النصف من رمضان خليطا من الحب والحمص والزبيب وغيره ويدخرونه في البيوت وما أن ينتهي الناس من صلاة المغرب وتناول الفطور حتى يبدأ الصغار يطوفون على الأبواب وقد تدلت على أعناقهم أكياس من الخام الأسمر وهم يصفقون وينادون بمقاطع ذات معنى أو لا معنى لها حيث يرددون كركيعان وكركيعان وكل سنة والليعان , الله ينطيكم اوليد يشد الكارة ابفرد ابنيد .. ومعنى قولهم : كركيعان وكركيعان . من القرقعة والطقطقة كأصوات التصفيق أو قرع الطبول وأما قولهم والليعان فالمعتقد وأن أصلها كل عام ثم حرفها الأطفال وقولهم ينطيكم . اي يعطيكم ولدا ويقصدون به الذكر . متمنين أن يذهب إلى البستان ويجلب لأهله الحطب ويحزمه ببند واحد ( أي بقيد واحد ) والبند الذي صغروه بقولهم بنيد هو اصطلاح لنصف سعفة فسيل النخل الصغير تشرى بذلك بأن تسحب بشدة على يد المنجل أو على غصن شجرة صلب فتتحول إلى ما يشبه الخيط المرن يشد ب الفلاح ما يشاء من حطب أو حشيش بدل الحبال وهذه صورة كانت الناس في القرية يتمنون الناس تحقيقها وهو أن يكون لهم صبي يجمع حزمة الحطب ويشدها كارة ببند واحد فقط لا باثنين وهذا دليل مهارته . ثم يحمل هذه أو يضيف هؤلاء قولهم : انطونا الله ينطيكم بيت مكة يوديكم , يامكة يالمعمورة وأم السناسل والذهب يانوره . يانورة … كركيشون كركيشون الله يخلي الزغيرون وانطونا : بمعنى أعطونا . وينطيكم بمعنى : يعطيكم . والسناسل : السلاسل . يانورة : أي ياذات النور والضياء . وأما قولهم كركيشون : أي قرقيشون : فهي من قرش الطعام : أصاب منه قليلا . وهو كناية عما يعطونه من هذا الخليط . وهم يقصدون بقولهم : يكرش : يقرش . يقصدون بها يقضم بحيث يسمع له صوت . كقظم الأشياء الصلبة … والزغيرون . الصغيرون : أي الصغير : الصغير . وكما يطوف في هذه الليلة الصبيان كذلك الصبايا ولكنهن لا يختلطن بالصبيان .ألا أن هؤلاء بعد أن تمتلئ أكيا البنات بهذا الخليط يترصد قسم من الفتيان للفتيات ويمثلون معهن دور قطاع الطرق فيهجمون عليهن بكل وقاحة وينشلون أكياسهن من رقابهن أو يقطعون خيوطها بعنف وأكراه فيضج ضجيجهن ويلذن بالفرار ومعضمهن قد سلبن أكياسهن وهن دامعات الأعين لاعنات هؤلاء الصبية الحمقى الشرسين . وهذه لا شك كانت من العادات المستهجنة التي كانت تعكس حينذاك ظلم الرجل للمرأة وغمطه لحقوقها .
ثم تبدا مواكب النساء بالزيارات في تلك الليلة يحملن الفوانيس وقد اعتدن أن يخفينها تحت عباآتهن أن أبصرن رجلا أو رجالا قادمين لكي لا يعرفوهن على أن نوعية( الكركيعان الذي يقسم على الأطفال الجوالة يختلف عما يقدم للنساء من فستق وفندق وجوز وما أشبه . هذا بالإضافة إلى الطعام والشراب . وفي أواخر رمضان تنشط الأراجيح وتسمع أصداء أغانيها المفرحة تتردد عبر مروج النخيل وانسياب الجداول وترقرق السواقي . حيث اسراب البنات يزغدرن حول الأراجيح ويغنين لا يخشين رقيبا ولا يتحرجن في مثل هذه الأيام حتى عن أغاني الحب والهوى .
من كتاب البصرة في التاريخ
اصدار جامعة البصرة 1982