إن الظروف التي شهدها العراق ما بعد التاسع من نيسان 2003 وترسبات الاستبداد السياسي للأنظمة السابقة جعلت المجتمع العراقي في مواجهة تحديات وإشكالات عديدة سياسية، اقتصادية، وأمنية، واجتماعية فرضت نفسها على الواقع العراقي وعلى مدى استقرار المجتمع، ومن ثم على إمكانية بناء الدولة العراقية على أسس جديدة، ولعل أهم تلك الإشكالات التي شكلت كابحاً أمام بناء الدولة بمؤسساتها كافة هي الإشكالات الاجتماعية، إنطلاقاً من أن تحقيق البناء الإنساني والاجتماعي للفرد يُعد حجر الزاوية في تأسيس أركان الدولة الحديثة إلى جانب الأبعاد الأخرى.

وإنطلاقاً من أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته ولا يعيد له العافية، كما أن التغلب على العدو يحتاج إلى تشخيص لنقاط ضعفنا والتخلص من بعض النزعات العنصرية إزاء الآخر في داخلنا، وقراءة واقعنا موضوعياً بروح النقد والنقد الذاتي، يمكن تشخيص أهم الإشكالات الاجتماعية التي تشكل عائقاً أمام بناء دولة عصرية في العراق وهي:

1- الإشكالية الطائفية والولاءات الفرعية:

إن النظر إلى المجتمع العراقي يؤشر لنا الطبيعة الفسيفسائية المتضمنة للتعدد العرقي والتنوع المذهبي والاختلاف الديني، هذا التنوع الذي غالباً ما يجعل الدولة أمام فكرة الصراع والانقسامات الدائمة لا سيما إذا ما توفرت بيئة حاضنة أو شرارة للنزاع، مما يجعلنا أمام حالة اللاستقرار في الدولة. ولعل هذا التعدد في بعده الطائفي دفع إلى تحويل الطائفية الموجودة في المجتمع إلى خطر حقيقي يهدد التجانس الاجتماعي وكيان الدولة ككل، والسبب يعود في تعميق تلك الظاهرة إلى التنشئة السياسية الخاطئة التي مارستها السلطة السياسية ما بعد عام 2003، والتي بنيت على أسس طائفية ودينية وعرقية متناسية وحدة العراق الوطنية، إذ وجدت الأطراف المكونة للعملية السياسية في ترسيخ الانقسامات المجتمعية والطائفية مصلحة جوهرية لها وذلك من خلال علاقة الطائفية السياسية بالسلطة والثروة والنفوذ، على حساب مصلحة الوطن والمواطن.

2- غياب الشعور بالمواطنة:

إن تقسيمات البيئة الاجتماعية والتعدد الذي يتسم به المجتمع العراقي نقلت الولاء من الدولة إلى الولاءات الفرعية بحسب الإنتماء العرقي أو الطائفي أو المناطقي، ومن ثم تجاهلت المفهوم الوطني العراقي، الأمر الذي أضعف الشعور بالهوية العراقية وبالمواطنة العراقية، ولعل ما عمق من هذه الحالة هو فشل الخطاب السياسي العراقي بعد عام 2003 في إيجاد روابط مشتركة تعيد اللحمة الوطنية وتدفع بالمواطنة إلى الأمام، بل على العكس نراه عمق من الأزمة لأنه لم يستند إلى خطاب جامع واحد يصهر كل خصوصيات المجتمع العراقي وانتماءاتهم تحت الهوية الوطنية العراقية.

فالواقع يؤشر على أن هناك من روج للهوية الإسلامية كما هو حال الأحزاب الدينية، وهناك من روج لمفهوم الأمة العراقية، وهناك من روج للعلمانية، وهناك من روج للهوية العربية وآخرون يتمسكون بالهوية الكُردية، ومن ثم أسهم هذا الارتباك والتخبط في الخطاب السياسي لمعظم القوى والتيارات السياسية بجعل المواطن العراقي لا يشعر بهويته الوطنية ومواطنته لأنه يراها أما عينيه ضعيفة بفعل سيادة الولاء الحزبي الفئوي على الولاء الوطني.

ولا شك فإن هذا الواقع الاجتماعي العراقي قد سُيس في بعض جوانبه ولم يعد يأخذ بعداً خالصاً متعلقاً بكون الاختلاف مدعاة لقوة الدولة بقدر ما أصبح الاختلاف أحد عوامل عدم الاستقرار المجتمعي، وأن هذه الأسباب تلاقت مع العوامل السياسية والاقتصادية وكونت سلسلة من القهر والحرمان جعلت المواطن العراقي يلتف حول تقسيماته الطائفية والعشائرية والقومية، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار وإضعاف مرتكزات بناء الدولة العراقية.

3- التكوينات القبلية والعشائرية:

إن أحد أهم الإشكالات الاجتماعية المؤثرة في بناء الدولة في العراق هو تنامي دور العشائر، مما يؤثر في عملية التطور السياسي والديمقراطي إذا لم يوظف بشكله الصحيح، فضلاً عن تأثيره في البناء الحقيقي للمجتمع المتحضر إذ أنها تستقطب الولاءات الأعلى لقطاعات من المواطنين مما يؤثر سلباً على الولاء للدولة ذاتها سيما بعد التشويه الذي أصاب مفهوم الدولة من ناحية التفكك البنيوي لأجهزتها ومؤسساتها، كما أن تمدد نفوذها في داخل الأحزاب السياسية نفسها سوف يضعف قدرتها على استقطاب المواطنين استناداً إلى أطر فكرية وبرامج سياسية وطنية عابرة للحدود العرقية والطائفية والدينية، كما أنه يلغي بتأثيراته على العملية الانتخابية فتصبح في جانب منها محكومة بالتوازنات القبلية والعشائرية.

4- غياب الترابط الاجتماعي:

نظراً للشرخ الكبير الذي تعرض له المجتمع العراقي بسبب تغليب العلاقات الطائفية والقومية والقبلية والفئوية في مختلف المجالات، ومن ثم توصل المواطن العراقي إلى قناعة أن الدولة منسلخة تماماً عن المجتمع ولا تعبر إلا عن مصالح فئوية ضيقة، فضلاً عن إضطراب القيم الأسرية في التنشئة من خلال التأثير السلبي للعولمة والفضائيات، مما يؤدي إلى إضعاف البناء الأخلاقي للأسرة العراقية وهو ما يدفع نحو إنتشار ممارسات سلبية وخاطئة كالفساد والسرقة والرشوة وغيرها، لها تداعياتها السلبية على استقرار المجتمع والدولة بمؤسساتها المختلفة.

5- فقدان ثقة الأفراد بالدولة ومؤسساتها الإدارية والوظيفية:

مما يعني أساساً زعزعة ثقة الفرد العراقي بمجتمعه ككل وتغيير نظرته له، ومن ثم التشكيك بمدى قدرة الدولة على تحقيق تطلعاته وأهدافه في الحياة، ولعل ما عمق من أزمة عدم الثقة تلك هو طبيعة الأزمات المجتمعية التي يعيشها المواطن العراقي والتي انعكست بشكل جذري على حياته اليومية وأصبغتها بسماتها السلبية، وقد ساهمت تلك الأزمات في إعاقة تطور الفرد العراقي وحددت الفرص أمامه نحو تقدمه ونموه وحولته في بعض الأحيان إلى شخص غريب في وطنه وفاقداً لأبسط أساسيات العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة والحقوق.

فالسياسات الاقتصادية الفاشلة وعدم القدرة على التوظيف والتشغيل وعدم القابلية على الاستجابة لمطالب المواطنين، بالتأكيد سيدفع نحو المزيد من عدم الثقة والخروج والتظاهر أو اللجوء إلى أعمال العنف أو الشغب ضد النظام السياسي، وقد يصيبه بالإحباط ويؤدي ذلك إلى كراهية المجتمع, ومن ثم الانحراف في سلوكه والانضمام للجماعات الإرهابية، ومن ثم يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي اللذان يدفعان بدورهما إلى عدم الاستقرار الاجتماعي ومن ثم الحيلولة دون بناء أسس ومرتكزات الدولة العراقية وتهديد كيانها ككل.

6- غياب الاستقرار الاجتماعي:

أحد أهم ركائز بناء الدولة، إذ يشير إلى حالة الهدوء والسكينة التي تنتاب المجتمع وتجعله قادراً على تحقيق طموحاته وأهدافه نتيجة للحالة السلمية التي يمر بها بفضل التوازن الاجتماعي بين القوى والأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية والدينية في المجتمع، ولا شك فإن الاستقرار الاجتماعي في المجتمع لا يمكن أن يتحقق بصورته الكاملة من غير سيادة روح التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وعادة ما يعبر عن درجة التماسك الاجتماعي من خلال درجة الترابط بين فئات المجتمع، إذ أن قوة الجذب والترابط تجعل من أعضاء المجتمع في حالة من التفاعل الذي يؤدي إلى سلسلة من العلاقات الاجتماعية التي تدعم المجتمع وتحافظ على تماسكه ومن ثم تساهم في بناء ركن مهم من أركان الدولة وهو التلاحم والاندماج الاجتماعي.

وهناك عدد من الأزمات والمعوقات التي أسهمت في تكريس حالة عدم الاستقرار الاجتماعي في المجتمع العراقي، لعل أهمها:

أ‌- أزمة الهوية:

تعد أزمة الهوية عاملاً حاسماً في عملية بناء الدولة واستقرارها لا سيما في المجتمعات التي تتكون من جماعات عرقية أو دينية أو ثقافية، والعراق كأحد هذه الدول لم يصل إلى مستوى دمج هذه الانتماءات الفرعية من أجل الوصول إلى هوية مشتركة وعامة تأخذ مصالح هذه الجماعات بانتماءاتها الثقافية والعرقية والدينية، علماً أن هذا الدمج لا يعني إزالة أو تهميش الانتماءات الفرعية بقدر ما يعني عدم التعارض بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية الشاملة للجميع.

ب‌- أزمة التغلغل:

وتتمثل في ضعف الدولة العراقية في إرساء دور مؤسساتها الإدارية والوظيفية لتقديم خدماتها إلى أفراد المجتمع، وعدم القيام بإصلاحات وإنجازات عبر تلك المؤسسات في سبيل تحقيق واقع اجتماعي أفضل عبر تقديم الخدمات العامة والاهتمام بشؤون المواطن وتأمين الرعاية الكاملة له، وتوفير متطلباته الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع. إذ أن من شأن تحقيق ذلك أن يؤدي إلى إيجاد نوع من التضامن والتماسك بين أفراد المجتمع، ويشعر المواطنين بأن الدولة تعمل لصالحهم وتشعر بحاجاتهم الأساسية مما يولد علاقة إيجابية بين الفرد والدولة، ومن ثم بناء أهم أركان الدولة وهو الإنسان كونه العامل المؤثر في تحديد طبيعة أو مسار الإمكانيات التي يمثلها صانع القرار السياسي، والتي تعطيه مصدر قوة أكبر سواء كان ذلك في تطبيق سياسته الداخلية أو الخارجية.

ولا شك فأن الواقع العراقي يؤشر حالة من التراجع في العلاقة بين الفرد والدولة، ولا يمتلك مؤسسات ذات طبيعة تركيبية ووظيفية مرنة ومنسجمة قادرة على تقديم خدمات تلبي حاجات اجتماعية وإنسانية عامة، بل نجد أغلب المدن تأخذ أبعاد طبقية خصوصية في عملية تأهيلها، إذ تتمتع بعضها بخدمات عالية الجودة من حيث التصميم والإنارة وخدمات الطرق والأسواق، فيما نجد هناك العديد من المناطق تشكو البؤس والإهمال ولا تتوفر فيها أبسط أنواع الخدمات من طرق ومياه الصرف الصحي وغيرها، إلى جانب إنتشار العشوائيات والبيوت القديمة مما ينعكس سلباً على حياة المواطنين الذين يعبرون عن ذلك بتحدي الدولة بالقيام بالتظاهرات والعصيان وتحدي النظام العام، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي وتعريض كيان الدولة إلى الخطر، فضلاً عن أن هذه الهشاشة في الجوانب الاجتماعية ساهمت في ظهور مجتمع مهزوز اجتماعياً غير آمن وغير مستقر نفسياً واجتماعياً، مما يجعله أمام حالة أشبه بالفوضى وتأثر قيمه وبنيته الاجتماعية بمختلف أشكالها إلى الضعف والتفكك.

ج- أزمة التوزيع:

وتتمثل في عدم قدرة السلطة السياسية على خلق قناعة لدى الفرد العراقي بأن الثروات الوطنية بجميع أشكالها لا تعود لفئة أو جزء من المجتمع وإنما تعود لجميع أفراد المجتمع، وهو ما يتجسد في عدم تحقيق الاستقرار بالقدرة التوزيعية أي القدرة على توزيع الموارد (السلع والخدمات والوظائف) على الأفراد والجماعات بشكل يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية بصورة متساوية، وهنا نجد أن علاقة الأزمة التوزيعية بالاستقرار الاجتماعي تأتي من خلال قيام الدولة في القضاء على التفاوت الطبقي وتحقيق العدالة التوزيعية للثروات بين أفراد المجتمع، إذ أن عدم تحقيق ذلك من شأنه أن يترتب عليه آثار نفسية واجتماعية وتبرز من خلالها صراعات طبقية من شأنها أن تهدد عملية الاستقرار في المجتمع، ومن ثم تضعف إمكانات الدولة في بناء ذاتها، وهذا يتجسد من خلال عدد من المظاهر منها:

-ضعف الاندماج ما بين الفئات الاجتماعية التي يضمها المجتمع من خلال هيمنة بعض الفئات التي تستأثر بالقوة الاقتصادية أو النفوذ السياسي مما يؤدي إلى سطوتها على فئات اجتماعية أخرى، مما يؤدي إلى نوع من أنواع الصراع الطبقي الذي ينعكس على استقرار الدولة.

-إنهيار النظم والقيم والقوانين الاجتماعية واضطراب الترتيب الاجتماعي وحدوث التغيير غير المستقر والذي يحدد المكانة الاجتماعية التي يحتلها الفرد على أسس اقتصادية أو قرابية أو طائفية لا علاقة لها بشرط الكفاءة أو الجهد المبذول مما يبرز حالة من التمايز بين أفراد المجتمع تؤدي إلى الصراعات وتهدد عملية التماسك الاجتماعي والولاء الوطني وتعرض الاستقرار بصورة عامة إلى التصدع والتمزق.

-ضعف عملية الإبداع الذاتي والحافز للعمل والمسؤولية بين أفراد المجتمع من خلال مساواة الإنسان المبدع مع غيره الذي لا يمتلك الموهبة والإبداع سواء في المكانة الاجتماعية أو الأجور أو الدخل، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى عدم اندفاع الفرد الذاتي للعمل والتضحية في سبيل وطنه، فضلاً عن هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج الوطن مما يضيع على المجتمع جهود علمية ووطنية.

إن طبيعة الظروف والتحديات التي تواجه الدولة العراقية تتطلب من المؤسسة السياسية ضرورة إجراء دراسة علمية واقعية وموضوعية للظروف والإشكالات الاجتماعية التي ساهمت في تفشي تلك الظواهر السلبية والطارئة على مجتمعنا والتعرف على أسبابها وسبل مواجهتها والآليات الناجعة للقضاء عليها في المجتمع، بهدف إعادة بناء النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية وإشاعة مبدأ التعايش السلمي بين الأفراد، من خلال التأكيد على سيادة قيم الاعتدال والوسطية كونها لغة العصر التي يجب أن تسود، وتغليب مفهوم الحوار والتسامح والتقارب في العلاقات واحترام الرأي والرأي الآخر، والإبتعاد عن الخطابات الطائفية المجزئة للنسيج الاجتماعي، فضلاً عن تشكيل هوية وطنية موحدة تضم كافة أفراد المجتمع العراقي، والعمل على محاربة التشتت في الولاءات أو الولاء للهويات الفرعية تحقيقاً لوحدة المجتمع والعمل على صيانة استقراره، وهو الأساس في بناء الدولة في العراق على أسس حضارية وإنسانية.

ما يعني أن بناء الدولة هو النقيض لتحكيم الدولة وتقليصها، وهذا المعنى يشير إلى عملية بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها على أطر قانونية منبثقة من الواقع، للقيام بالوظائف التطورية للنظام السياسي من تكامل وولاء والتزام ومشاركة وتوديع وتجسير الفجوة بين الحاكم والمحكومين وصولا إلى تحقيق الاستقرار السياسي. في نفس السياق، تعرف مؤسسات التعاون الاقتصادي والتنمية بناء الدولة بأنها عملية ذاتية لتعزيز قدرات ومؤسسات وشرعية الدولة من خلال علاقات الدولة بالمجتمع، وبهذا يخضع موضوع بناء الدولة للاحتياجات الداخلية والضغوطات الخارجية، كذلك فإن مفهوم بناء الدولة الذي شاع استعماله بعد نهاية الحرب الباردة، ركز على إعادة بناء الدولة الفاشلة، التي أخذت تشكل مصدرا لتهديد الأمن والاستقرار في النظام العالمي، وكذلك يركز مفهوم بناء الدولة على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية والإصلاح السياسي والاقتصادي. فلو أردنا تطبيق مفهوم بناء الدولة وآلياتها على الحالة العراقية خصوصا ما بعد (2003)، فيمكن ملاحظة أن الدولة العراقية تمر في ظروف معقدة، نتيجة لتراكم المشكلات الحادة، التي يعود بعضها إلى سياق تشكيل الدولة السابقة في الأصل، والبعض الآخر نتيجة لتداعيات إسقاط النظام السابق والآليات التي استخدمت فيه، وذلك في ظل غياب واضح لأي رؤية ولأي فكر سياسي، مما أدى إلى خلل جوهري في صميم بنية الدولة العراقية وهياكلها والمؤسساتية، نتج عنه عجز بنيوي متأصل، أعاق قيام الدولة بوظائفها في تحقيق الأمن، وإنجاز التنمية الاقتصادية والوصول إلى مرحلة الحداثة السياسية.

أما بالنسبة للتحديات التي تواجه عملية بناء الدولة في العراق فهي كثيرة منها:

أولا: الدولة:

أهم محور على مستوى الدولة، هو دور الدولة في عملية التنمية الشاملة، التي تتداخل من أجل التنسيق ما بين المنظومة الإقليمية والدولية، في هذا الصدد طرحت العديد من الإشكاليات الرئيسية من أبرزها: (كيف ينبغي لنا إعادة تصميم قدرات الدولة ووظائفها، بما تقتضيه عملية بناء دولة مستجيبة لاحتياجات المواطن في سياق تحديات التغير المستمر في النظام المحلي والإقليمي والعالمي). الدولة العراقية ذات تركيبة سكانية غير متجانسة ومكونة من عدة طوائف وقوميات وديانات وقبائل، أغلبها ينتمي إلى ولاءات فرعية تتغلب في طبيعتها على الولاء للوطن والوطنية، ورغم أن هذه التعددية هي لا تمثل مشكلة بحد ذاتها، بل المشكلة الحقيقية في توظيف الأحزاب السياسية الحاكمة لقضية التعددية، لإنتاج نظام حكم محاصصتي زاد من الانقسام المجتمعي، فغائب مفهوم المواطنة وسائد مفهوم الولاء للديانة والمذهب والقومية أو القبيلة، هذا التشتت والانقسام عصف بمؤسسات الدولة وقسمها على مكونات الوطن بشكل عبثي مدمر.

ثانيا: النظام السياسي:

لقد تم التركيز على مرونة النظام أي (قدرته على التكيف مع الاضطرابات والحفاظ على وظائفه الأساسية دون تغيير)، لذلك لابد أن يتم تقييم مرونة أي نظام بناءً على قدراته في أداء وظائفه، رغم تعرضه لمداخلات غير اعتيادية وصدمات استثنائية. ثالثا: الفرد تسعى الدولة المتقدمة إلى رفع مستوى الثقافة السياسية بين أفرادها، وذلك في سياق عملية بناء الفرد، الذي يعتبر محور العملية البنائية للدولة النموذج، ويتم ذلك بواسطة بناء قدرات المواطنين لمواجهة المشكلات الداخلية والخارجية، بشكل علمي وواقعي ويضمن تجاوزها، ولا يتم ذلك الا بالوصول بالفكر العام للفرد إلى درجة القدرة على التمييز بين الواجبات والحقوق أولا، وذلك في سياق جعل الفرد الإنسان محور هندسة الحكم في الدولة، ويبدو واضحا غياب أي نشاط تتبناه الدولة لرفع المستوى الإدراكي والثقافي للفرد العراقي، بما يضمن الوصول إلى مجتمع نوعي فاعل في تعزيز ومساندة عملية بناء الدولة.

بالتالي يرى البعض أن العراق لا يعيش اليوم مرحلة الدولة منطلقا من مؤشرات عديدة، وضعتها مؤسسات عالمية مهمة تقول: “إن مفهوم الدولة في العراق يعاني من أزمة”، وهذا ممكن أن ينقسم لعدة أسباب:

– فقدان الثقة بين أطراف العملية السياسية فيما بينها من جهة، وما بينها وبين المجتمع من جهة أخرى.

– مشكلة التدخل الخارجي بالشأن العراق.

– عدم الاهتمام بالثقافة السياسية لدى الشعب العراقي.

– إسناد المناصب الحكومية لغير الكفوئين والنفعيين وتسلط الاقتصاديات.

– ترسيخ نظام المحاصصة والتوافقية.

– الافتقار لبرنامج وطني موحد يجمع بين طياته كل العراقيين.

– سيادة المناهج القبلية في إدارة الدولة.

– المأخذ على الدستور العراقي لعام (2005) بشكل واسع جدا ومؤثر.

ولإثراء الموضوع أكثر تم طرح السؤالين التاليين:

السؤال الأول/ ماهي الإشكالات السياسية التي تقف عائقا أمام إستكمال بناء الدولة في العراق؟

الحركة التصحيحية ليست مستحيلة

– إن قضية بناء الدولة هي غير بناء النظام السياسي، بالتالي بمجملها تتضمن الدولة مكونين أساسيين وهما: (النظام السياسي، المجتمع)، بمعنى هي الإطار العام الجامع للفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، لكن الذي يتحكم بصيرورة هذه الفعاليات هو النظام السياسي، لذا نتحدث عن نظام سياسي وإشكالية بناء نظام سياسي. لذا بعد (2003) قضية النظام السياسي عانى من إشكالية بنيوية، لاسيما ونحن نعرف النظام السياسي على أنه مجموعة عناصر وقواعد سلوك تحكم هذه العناصر، وهي عبارة عن مؤسسات ودستور، بالتالي هذه العناصر والقواعد فيها خلل بنيوي، لذلك انعكست بمجملها على النظام السياسي، بمعنى أن المؤسسات لم تعد هي التي يطمح بها الشعب، وأيضا القواعد التي تنظم السلوك بين هذه المؤسسات، تكون هي صالحة، بمعنى الدستور والأطر التشريعية، فعناصر النظام الأساس بها هي الأحزاب، هذه الأحزاب -ان صح التعبير- لا يمكن تسميتها بالأحزاب السياسية، فهذه الأحزاب السياسية أو القوى السياسية الموجودة حاليا هي عبارة عن مجموعات سياسية، وهذا يشكل أول إشكالية بنيوية، خصوصا وأن العناصر المكونة لهذا النظام هي غير جديرة بهذا الموضوع، مما انعكس على المؤسسات وعلى الأطر التشريعية والقانونية الحاكمة لإدارة الدولة والنظام السياسي، وهذا بطبيعة الحال رتب مجموعة أمور منها: عدم وضوح رؤية الدولة، وعدم وضوح فلسفة إدارة الدولة في العراق، بالنتيجة بدأنا نعاني من أزمة شرعية لهذا النظام ككل، بمعنى عناصر وسلوك، بالتالي الحركة التصحيحية صعبة جدا اليوم ولكن ليست مستحيلة، وهي تحتاج لإرادة سياسية فاعلة تبدأ من الدستور.

الافتقار إلى ثقافة سياسية ومثقف سياسي

– حيث إن العراق يعيش أزمة استعارة التجربة الغربية والنظام الغربي وممارستها بشكل قسري، بالإضافة إلى الإشكاليات العظيمة التي تمت الإشارة إليها مسبقا وهي تعيق بناء أي دولة، فهناك المحاصصة والفساد وغياب الرؤية الإستراتيجية لبناء النظام السياسي، الشيء الآخر في العراق لا توجد ثقافة سياسية ولا تثقيف سياسي، كذلك فإن بناء الدولة يحتاج لعناصر ثلاثة وهي (قوة القانون، الحكم الرشيد، المجتمع المدني).

الأحزاب الحاكمة هي أحزاب سلطوية و في العراق لا توجد إرادة لبناء الدولة، والدليل على ذلك مضى (18) عام من الحكم لم نصل لمستوى فهم الدولة، فالدولة اليوم هي عبارة عن سلطة وليست دولة حقيقية، لذلك نجد هذه الدولة هشة وفاشلة، ما نملكه اليوم هو شكل الدولة وليس روح الدولة.

الدولة الحقيقية غايتها هي بناء المواطنة، فعندما تتحقق هذه الغاية عندها نستطيع الحديث عن الدولة، كذلك فإن أهمية العقد الاجتماعي تتقاطع مع العقلية الانشطارية والفئوية التي تحكم العراق الآن، لذلك فإن غياب التوافق الذي يحقق الوحدة الوطنية والعقد الإجتماعي والإتحاد الإجتماعي، من أجل الوصول الى تحقيق المصلحة العامة للجميع، لذا نجد المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي تحدث عن نقطة جوهرية في كتابه الموسوم (فقه السياسة) فيسميها (المؤسسات الدستورية)، وهو لا يعني المؤسسات الدستورية الشكلية بل المؤسسات الدستورية الضامنة لروح الدستور.

فالدستور ليس له قيمة إذا لم يكون موجودا في جوهره من خلال المؤسسات، بالتالي نحن اليوم نفتقد لأحزاب حقيقية بل هي مجرد أحزاب سلطوية لاتؤمن بالدولة بل تسعى لتشكيل دولة داخل الدولة. فمن أسس بناء دولة المواطنة هو قوة المجتمع المدني الذي يكون حرا ومستقلا ومتحركا، وهذه إشكالية بحد ذاتها فنحن إلى الآن لا يوجد لدينا شعب متحرك، بل المجتمع المدني هو عبارة عن مؤسسات خيرية وثقافية، وهذا خلاف حقيقة المجتمع المدني الذي هو عبارة عن نقطة إنطلاق نحو بناء العقد الإجتماعي وبناء المواطنة، لذلك نحن عندما نتكلم عن المؤسسات الدستورية نتكلم عن روح الدولة، فالمؤسسات الدستورية هي المؤسسات التي تضمن روح الدولة وليس مجرد شكل. نحن نتطور عكسيا حيث نسير دائما نحو الدولة الأمنية وعسكرة الدولة، وهذه من الأخطاء الشائعة، فنعود للدولة الأمنية التي أدخلتنا في حروب سابقة، والدولة الأمنية والعسكرية هي نقيض لمفهوم الدولة وروح الدولة.

نعيش في ظل دولة تفتقر إلى المواطنة

– أن مفهوم بناء الدولة هو مفهوم واسع جدا يتسع لمظاهر مختلفة في فهم الدولة، لذلك لابد من التركيز على بناء الدولة الحديثة، التي لها أركان محددة وهي: (الشعب، الإقليم، السلطة السياسية، السيادة)، هذه الدولة من ناحية شكلية هي موجودة عندنا، فهذه الدولة عندما تقوم تكون رابطتها القانونية مع مجتمعها هي المواطنة، وهذه المواطنة تعني أن كل الأفراد من كل الفئات ومن كل الطوائف ومن كل الأثنيات، يكونون فاعلين في بناء دولتهم ويتمتعون بحق المساواة أمام القانون، كذلك فإن رابط المواطنة وعندما تكون دولة حديثة بهذا الشكل لا تكفي الرابطة القانونية فقط، بل تحتاج لمواطنة فاعلة تقوم على أكتاف المواطن الفاعل، وهذا المواطن هو المواطن المبادر والمواطن الشريك في صياغة القوانين وشريك في إدارة المؤسسات، فعندما توجد هكذا دولة سيكون هناك المجتمع المدني الفعال.

ومشكلتنا في العراق ليس لدينا دولة حديثة بل لدينا الدولة السلطانية، وهذه الدولة السلطانية تكون رابطتها الاساسية مع مجتمعها رابطة الغلبة وليس رابطة المواطنة، فهي تستعير مظاهر الدولة الحديثة كي توظف لمصلحة الفئات المتنفذة داخل الدولة، وبهذا الشكل نجد الدولة السلطانية لا توفر الحركة للمجتمع المدني، والسبب لأن أدوات المجتمع المدني تكون معدومة، خصوصا وأن أدوات المجتمع المدني والشعب والمواطن بصفة مواطن هو القانون ومؤسسات الدولة، عنذاك يكون المواطن هو أقوى من المؤسسات وهو أقوى من القانون، وذلك على اعتبار أنه هو من يصوغ القانون وهو من يشكل المؤسسات فتعمل لمصلحته، بالتالي المواطن يجد الحصانة ويجد الحماية المطلوبة للعمل بحرية، ففي الدولة السلطانية لا توجد هذه الحالة فالقوانين والمؤسسات تعمل لصالح السلطة ولأصحاب النفوذ، وهذا مما يجعل المواطن ضعيفا ويقف على الهامش، خصوصا وأن الخاسر الحقيقي في أي صدام مع السلطة سيكون المواطن نفسه. الدولة الحديثة تعمل بطريقة تخدم مواطنيها بشكل عام، وبصرف النظر عن انتمائهم الديني، فنحن اليوم نعاني من مشكلة بنيوية ونعيش في دولة سلطانية، فاذا اردنا أن نكون افضل في العراق وفي غير العراق، علينا أن نذهب لبناء الدولة الحديثة بمفاهيمها.

الدستور صيغ بعقلية المعارضة

– أن الدولة تقوم على ثلاثة عناصر وهي (الإقليم، الشعب، النظام السياسي)، وللأسف الشديد الدولة السابقة كانت تجمع كل تلك العناصر بشكل قسري، الدولة التي جاءت بعد (2003) حاولت تفتيت تلك العناصر، لذلك تحول الإقليم الواحد إلى ثلاثة أقاليم وهي (إقليم كردي، إقليم سني، إقليم شيعي)، وهذه الأقاليم متجمعة بإرادة دولية، كذلك تم تحويل الشعب إلى شعب مكونات عندها كل شعب انتقل لطائفته ولقوميته.

الشيء الآخر، عدم وجود نظام سياسي، والسبب هو عقلية المعارضة التي تحكم الواقع العراقي اليوم، فهي لا تفصل ما بين السلطة والدولة، وكان همهم الأساسي هو الإطاحة بالنظام وليس بناء الدولة، لذلك الخطيئة الأولى التي تم ارتكابها هي كتابة الدستور بعقلية المعارضة وليس بعقلية الدولة، بالتالي ترى الدستور العرق يضم بين طياته مجموعة من الالغام والتعابير المبهمة، عندها حول النظام السياسي إلى نظام غريب وهجين، فنلاحظ تقسيم السلطة في العراق بين إقليم له الصلاحية أن يلغي قرارات المركز وهذه غير موجودة في كل الأنظمة العالمية، وبين مجالس المحافظات التي لا ترتبط بأي وزارة ولا بأي جهة، مما جعل ملامح السلطة المركزية في بغداد غير واضحة المعالم، لذا بقت عقلية المعارضة هي التي تحكم، وهذه العقلية للأسف الشديد لن تبني دولة وليس لهم مشروع لبناء الدولة. الخطيئة الأخرى، تم حصر التوظيف وإدارة الدولة فيما بين الطبقة السياسية حصرا، لذلك أنتجوا مجموعة من الفاشلين، وهذا الفشل انسحب على كل مؤسسات الدولة وأصبحت مؤسسات فاشلة، بالتالي المجاميع التي جاءت بها أمريكا وإيران، هي لن تغادر وتحاول أن تعيد إنتاج نفسها وهي غير قادرة على بناء دولة، ولا تمتلك مفهوم بناء الدولة، لذلك الحل يتمثل بوجود حزب وطني مدني يجمع كل تلك الأفكار، وأن تكون له رؤية جديدة لمفهوم الدولة والدين.

القرار الخارجي متحكم بمفاصل الدولة

– ماهو مصدر القرار في العراق فالكل يناشد ويطالب الجهات المعنية، وهذا دليل واضح وفاضح على أن تلك المجموعة هي لا تعرف معنى الدولة وكيف تسير الدولة، فالقرار الخارجي متحكم بمفاصل الدولة العراقية.

عدم وجود قواعد للبناء التصاعدي

– أن مفهوم البناء ينطلق من الأساس، وهذا الفعل لو تم تطبيقه في العراق لن تجده موجودا على الإطلاق، فلو تابعنا تأسيس الدولة العراقية منذ العام (1921) وإلى الآن لن نجد هناك عملية بناء تراكمي على مدى مئة عام، وهذا هو أساس المشكلة، فليس هناك قواعد سليمة للبناء التصاعدي.

الدستور العراقي عبارة عن حقل الغام

– وأن أهم إشكالية لبناء الدولة هي صياغة الدستور بشكل عاجل، هذا مما جعل الدستور العراقي عبارة عن حقل الغام، والأمر الآخر تدني الثقافة السياسية للمجتمع، وغياب أصحاب الكفاءة لإدارة الدولة بشكل صحيح.

سيادة النمط الخلدوني القائم على الغلبة

– ماسبب غياب الفرد ودوره، وطغيان الهويات الفرعية، والانتماءات الفئوية بدلا من الوطنية، وغياب الحداثة السياسية، إلى جانب ذلك فإن صفات الدولة العربية عموما وليس العراق فقط، فهي تملك القدرة على تشريع القوانين أكثر من القدرة على فرضها، وهي أقدر على إصدار خطط التنمية من تنفيذها، قادرة على الإفراط بالإنفاق العام وزيادة العاملين في القطاع العام، والتوسع في الإنفاق العسكري وتضخيم الجيوش مع ضعف قدرتها على زيادة الانتاج وتحقيق النمو والانتصار في الحروب، وبالتالي عسكرة المجتمع دون تمدينه. فالدولة العربية وحينما نأخذ النموذج الغربي فقد افتقدت للأرضية الصالحة لأنها نموذج مستورد، وهذا النموذج يقوم على الفردية والحرية، وبالتالي لن تقوم دولة بالمواصفات الناجزة في البيئة التي انبثقت منها، كما أن أنماط السلطة في العالم العربي تقوم على النمط الخلدوني القائم على الغلبة، والنمط الأبوي والملكي المحدث، بالتالي السؤال هنا رغم مرور مئة عام على انقضاء الخلافة العثمانية نجد هذا النمط هو السائد تقريبا مع سيادة النمط الخلدوني.

تغيير النظام السياسي الحالي

– من خلال تجربة العراق السياسية ما بعد (2003) وارتباطها بعدة معوقات وإشكاليات على مستويات عدة (أمنية، سياسية، إقتصادية، ثقافية، إجتماعية)، نرى بأن تغيير صيغ النظام السياسي الحالي إلى نظام شبه رئاسي كما هو الحال بالتجربة الفرنسية، التي تتعاضد فيها جهود الرئاسة ورئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية وتتوزع الصلاحيات بشكل متوازن، ويسمح للرئيس بأن يقرر في الحالات الاستثنائية وأن يراقب من الجميع، وأن تكون الحكومة إمتداد له. النظام السياسي يجب أن يعطي مساحة كبيرة للحاكم السياسي ويربطه بالسلطة، من دون الحاجة إلى استعمال تبريرات قانونية، أخيرا يقول ميكيافيلي (هناك أوضاع لا يمكن إصلاحها إلا إذا انشأنا شخص في فترة من الفترات وجعلناه السلطان المطلق الظالم).

السؤال الثاني/ ماهي الأسس السياسية اللازمة لنجاح مشروع بناء الدولة في العراق؟.

– الاقرار والاعتراف بوجود إرادة سياسية تلبي رغبة القوى والأحزاب السياسية، لذا لابد أن ننطلق أولا من الدستور ومن عناصر النظام السياسي وبمقدمتها الأحزاب السياسية، ونريد من الدستور أن يحدد هوية الدولة وفلسفتها.

– وأن توفر إرادة سياسية بصنع نظام سياسي تعددي يتوائم مع المجتمع العراقي وليس نظاما مستوردا، كذلك بناء عقد اجتماعي يضمن حقوق جميع مكونات المجتمع العراقي وبلا تمييز، والعمل على التثقيف السياسي لإستيعاب معنى الدولة، والنقطة الأخيرة الدستور والقوانين هي من أسس النظام السياسي وتطبيقها على المجتمع لبناء دولة ولائها للوطن والمواطن.

– وصف الدولة العراقية بأنها مريضة، فهل هذا المرض مزمن أم قابل للشفاء؟، بالتالي مرض الدولة وضعفها أنتج الفساد، لذا فالشيء المهم هو إرادة بناء الدولة سواء من الطبقة السياسية أو من المجتمع، بمعنى آخر تطبيق مبدأ الحقوق والواجبات على جميع أفراد المجتمع، وهذا غير موجود الآن فالكل يطالب بحقه من دون أن يؤدي واجباته، بالتالي لا يتحقق التكامل المطلوب فيما لو كان الجميع يطالب بحقوقه ويتجاهل الواجبات، فعلى هذا الأساس لابد من الإنتقال للمرحلة الانتقالية كي نبدأ ببناء دولة المواطنة والديمقراطية، كذلك نحن نحتاج للتصحيح الاجتماعي وتغيير منظومة القيم، فالمجتمع العراقي وللأسف الشديدة لديه القابلية للاستعباد وهي قائمة على ثلاثة أشياء (الاستبداد، الخوف، العنف)، هذه الثلاثية لا تساهم في عملية إنجاح بناء الدولة، لذلك فإن التحرر من تلك الأشياء يتم من خلال ثقافة الحوار وتقبل النقد والنقد الآخر، هذا سوف يؤدي إلى التحرر الذاتي والخروج من منظومة الاستبداد التي نعيشها اليوم.

– الواقع العراقي اليوم بأنه يحتاج لحلول جذرية من مثل تحطيم الروابط والعلاقات والعادات والتقاليد الداعمة والمنتجة للدولة الفاشلة، وذلك كي لا يجد المواطن رابطة (العشيرة، القبيلة، الطائفة، الفئة) التي يحتمي بها خارج إطار الدولة، وعندئذ يقف المواطن عاريا أمام الحاجة إلى دولة تحميه، عندها سوف يبحث عن تلك الدولة، بالتالي ما لم تكون الدولة الحديثة بإطارها العام هي مطلب شعبي، لن نستطيع بناء دولة حديثة في العراق، والشيء الآخر الدولة لا تنتج فقط بالأماني، وإنما تحتاج إلى نظرية سياسية للدولة الحديثة، اليوم نحن لم نستوعب الديمقراطية بكافة مفاصلها ولم نتقبل الديمقراطية بشكل كامل، وهنا بطبيعة الحال تتقلص الخيارات أمام تقبل الديمقراطية وتحمل كل شيء فيها، أو نبقى ندور في هذه الحلقة المفرغة.

– ان الطبقة السياسية الحالية هي لا تنتج دولة، لذا علينا إنتاج تيار ثالث بديل لكل التيارات الموجودة، فبدون وجود هذا التيار لن تبنى في العراق دولة.

– المراهنة على مكونات هذه الدولة في تحدد رغبتها في العيش المشترك وتقاسم القوانين وتتحمل نفس المسؤوليات، ففي غير وجود هذه الرغبات تبقى الإشكاليات قائمة، فلابد أن تحدد علاقة الفرد بالدولة هل هو تابع ام شريك في صنع القرار، كذلك لابد أن تحدد الأطر العامة للأحزاب هل هي مطلقة اليد وهل هي تعدل القوانين ام تخرقها، ام لها حدود خاصة تعمل بها وكما هو معمول به في بقية الدول.

– ليس جيدا ان يستبعد فكرة إزاحة الطبقة السياسية إزاحة كاملة، فهذا الأمر صعب جدا ولا يتحقق، ولكن يمكن إعادة هيكله مبدئية وفكرية للطبقة السياسية وللأحزاب، فلابد من تعديل الدستور أو كتابته من جديد بشكل جذري.

– وأن البناء السياسي لا يتكامل إلا من خلال تكاتف الجميع، وأن الفردية والعمل الأحادي سوف يؤدي إلى تقهقر الدولة وانهزامها.