الاسباب الحقيقية لتعطيل الطاقة الكهربائية في العراق

ادهم ابراهيم

لايمكن ان ننسى تهديد جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية في عام 1991 قبل شن الحرب على العراق عندما قال كلاما ‏يعبر عن المشروع الامريكي الجديد في العراق (سنعيدكم الى عصر ما قبل الصناعة)  وبيكر كان يعي جيدا المخطط الامريكي في تدمير البنية التحتية للعراق .
ان ماجرى ويجري الى يومنا الحاضر من تخريب الصناعة والزراعة والخدمات العامة ، لم يكن عن جهل او سوء ادارة فقط . ولا كان احتلال العراق خطأ استراتيجيا كما كان يدعي توني بلير وغيره . انما كان ذلك على وفق مخطط قد اعد سلفا لاعادة العراق الى عصر ماقبل الصناعة . وبدأ ذلك فعلا منذ فرض الحصار على البلاد عام 1991 . ثم استكملوه بعد الاحتلال العسكري عام 2003 ، وجلب احزاب وكتل طائفية متخلفة لادارة الحكم . ليعيثوا فسادا وتخريبا في هذا البلد العريق .
ولعل اهم عمل تخريبي قاموا به هو ايقاف كل تطور صناعي او حضاري ، عن طريق تعطيل قطاع الكهرباء ، وبذلوا جهودا كبيرة في عرقلة اعادة هذا القطاع الى الوضع الطبيعي ، بعد ان تم تدميره نهائيا من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ، كل ذلك بهدف القضاء على البنية التحتية للعراق التي تعتمد اساسا على الطاقة الكهربائية ، التي تمثل عصب الحياة . وهو تدمير متعمد وغير مبرر .
ان الانقطاع الدائم للطاقة الكهربائية يصيب الشلل في كل مرافق الحياة . فهو اساس الصناعة والزراعة ، والخدمات العامة والاتصالات والكومبيوتر وغيرها من القطاعات . وبالتالي كان سببا مباشرا لبطالة ملايين الشباب ،
وتشير الإحصاءات، إلى أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 41.2%  في المناطق المحررة ، و30% في المناطق الجنوبية (1) . . كما انه يعطل الطاقات البشرية في موسم الصيف حيث لايمكن استمرار حياة الناس الطبيعية تحت اجواء حرارة تصل الى مافوق الخمسين في مناطق عديدة من العراق .
وقد تزامن ذلك مع فتح الحدود للاستيراد من دول الجوار وخصوصا ايران مما ادى الى توقف ماتبقى من مصانع القطاع العام ومشاريع القطاع الخاص .

ونتيجة لعطل منظومة الطاقة الكهربائية المتكرر ، اعتمد المواطن العراقي على مشغلي المولدات المحلية لتجهيزهم بالكهرباء ، رغم التأثير البيئي الضار لهذه المولدات التي تعمل بالديزل ، اضافة الى مشاكل القطع المستمر لهذه الطاقة البديلة والرديئة .
ذكر تقرير لوكالة الطاقة الدولية أن العراقيين دفعوا 4 مليارات دولار في عام 2018 لهؤلاء المشغلين الصغار ، وهذا المبلغ يعادل ميزانية كاملة لوزارة الكهرباء .

ان تعطيل جهود اعادة الكهرباء جاء بوسائل وطرق خبيثة عديدة منها الفساد المستشري في هذا القطاع   ، والتغاضي عن السرقة والتخريب، والعقود المشبوهة . والتعاقد مع شركات وهمية . ناهيك عن سوء الإدارة الذي تركته في حالة فوضى عارمة . 

ومن جانب اخر فان ايران عملت بعد الحرب الامريكية على العراق الى الانتقام منه أرضا وشعبا .
فهي احدى الدول التي ساعدت أمريكا في حربها على العراق . ومازالت ايران تمارس شتى عمليات الانتقام من هذا البلد العريق وشعبه . وهي بذلك تسعى للثأر من الحرب العراقية الايرانية . وهي مستمرة الى يومنا الحاضر في تعطيل كل تقدم او تطور في العراق وعلى مدى سبعة عشر عاما .
لقد ساهمت ايران وعملائها في تعطيل الصناعة والزراعة ليصبح العراق حديقة خلفية لها . ومستورد لكل الحاجات البشرية على اختلاف انواعها . وبجودة اقل كثيرا من الحدود المتعارف عليها . كما شاركت في تعطيل الجهود لتحسين الطاقة الكهرباء خشية اكتفاء العراق من بعض المنتجات المحلية الصناعية والزراعية ، ليبقى العراق تحت مظلة ايران في المجالات كافة .
وفي مجال الطاقة يستورد العراق من ايران 31٪ من الغاز المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية .
وتمسكت طهران باستمرار عقود الغاز ، اضافة الى تصدير الطاقة الكهربائية الى العراق .

كما تعمل ايران باستمرار على تعطيل مشاريع امدادات الطاقة من المملكة العربية السعودية والكويت والأردن .
وتوفر الكهرباء الخليجية مبالغ تقل ب 15٪ عن اسعار إيران .
ومازالت طهران تصر على استمرار عقود الغاز والكهرباء مع العراق كشريان حياة اقتصادي ، بعد تقلص صادراتها النفطية إلى حد كبير بسبب العقوبات الأمريكية .
واضافة لذلك فان هناك مساعي عديدة لتعطيل استخدام الطاقة المتجددة وخصوصا الشمس كبديل سليم للطاقة الاحفورية .

ان العراق يواجه خطة للتخريب بكل معنى الكلمة فقد تكالب الاعداء عليه ، بهدف تدمير وسائل الحياة الانسانية للعراقيين . وعلى الاخص الكهرباء الذي يمثل عصب الحياة واساس تقدم المجتمع .

وفي وسط أزمة صحية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث ، نجد دول كبرى واقليمية وبعض العملاء في الداخل ، يدركون جيدا اهمية الكهرباء للشعب العراقي وللاقتصاد الوطني ، لكونها المفتاح الرئيس للتطور والتقدم من خلال النهوض بالقطاع الصناعي والزراعي والقضاء على البطالة ، وتقليص الاستيراد مما يوفر العملة الصعبة ويقلل الاعتماد على النفط وتحرير الاقتصاد العراقي من الاقتصاد الريعي النفطي .

ان ذلك يوجب على كل المثقفين والقوى الخيرة والنخب العراقية المخلصة تعرية وكشف مخططات الاحزاب الفاسدة ، ومساهمتها في تخريب الدولة والمجتمع . وان جهودا يجب ان تبذل من اجل اعادة اللحمة الوطنية للمجتمع العراقي . حيث ان وحدة العراقيين هي الضمانة الاكيدة لعملية البناء واستقرار العراق ، واعادته الى وضعه الطبيعي كدولة فاعلة في المجتمع الدولي بعيدا عن المخططات الخبيثة للنيل من هذا الشعب الابي .
ادهم ابراهيم
___________________________
(1)المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة محمد الهنداوي .