أشار الدستور العراقي لعام 2005 إلى أن “الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية”، وأشار الدستور إلى أنه “يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور”، كما أشار إلى أن أعضاء مجلس النواب الذين يتم إنتخابهم يمثلون الشعب العراقي بأكمله. وهذا كله يتم عن طريق الإنتخابات ونتائجها.
ومن هنا تأتي الأهمية البالغة للإنتخابات، وضرورة أن تكون تعبيراً صادقاً لإرادة الناخبين، بإعتبار أن الانتخابات هي الأداة الكاشفة عن توجهات الناخبين من جهة تفويضهم لمن يكون محل ثقتهم ويمثلهم في مجلس النواب، والذي بدوره يصوت على منح الثقة للحكومة. فالإنتخابات بما تفرزه من نتائج تحدد بشكل سلمي من له الحق بتولي السلطة، كما أنها توفر السلمية لتداول السلطة.
بهذا المعنى فكل ما يتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية يتأسس على أساس نتائج الإنتخابات، فالسلطة التشريعية بما لها من صلاحيات الرقابة والتشريع، والسلطة التنفيذية بصلاحياتها التنفيذية هما من يسيران شؤون البلاد وكل ما له علاقة بحياة المواطنين. ومن هنا تتضح الأهمية البالغة للإنتخابات وما يترتب عليها.
إن الإنتخابات بما تفرزه من نتائج توفر الحلول السلمية للنظام السياسي وللمجتمع، والإشكاليات التي تتعلق بمن لهم الحق بممارسة السلطة، تضفي عليهم الشرعية وفقاً لما جاء بالدستور.
وطالما إن الإنتخابات توفر الوسيلة السلمية للوصول إلى السلطة وتداولها بشكل سلمي فهي بذلك تكون قد وفرت الفرص المتكافئة والضمانات الكفيلة للجميع بإمكانية وصول أي طرف إلى السلطة. مما يعني عدم شرعية اللجوء إلى القوة العسكرية للوصول إلى السلطة، ومحاولة تغيير الواقع السياسي، وكذلك الواقع الذي تفرزه نتائج الانتخابات وتُحدد به حجم القوى السياسية. فهي تجرد من يفكر باللجوء إلى القوة العسكرية للوصول إلى السلطة من مبررات اللجوء إليها، إذ أنها تفقده الشرعية، سواء على المستوى الداخلي المحلي أم على المستوى الخارجي، اللازمة لممارسة الحكم وإدارة شؤون البلاد. فأية حكومة تحتاج إلى شرعية داخلية بتأييد الشعب لها ولقراراتها ولتوجهاتها، وشرعية دولية بإعتراف الدول بها، وتوفر لها فرص إقامة العلاقات مع تلك الدول.
ولهذا فإن العمل يجب أن ينصب على كيفية الحفاظ على نسب المشاركة التي تحققت في الإنتخابات السابقة وزيادتها ما أمكن ذلك. ويجب العمل على تجنب كل ما من شأنه زعزعة ثقة الناخب العراقي بالإنتخابات وأهميتها. ومن أهم القضايا التي يجب الحرص عليها من قبل القوى السياسية هي:
1- الإعتراف بنتائج الانتخابات، والقبول بها، والعمل بموجبها. فمثل هذا الإعتراف سيجعل المواطن في غاية الرضا لشعوره بأن إرادته قد احترمت.
2- رضا المواطنين عن الإنتخابات ونزاهتها، إذ كلما تحقق الرضا تحققت القناعة بشرعية الحكومة وقراراتها. وهو ما ينعكس إيجاباً لصالح الاستقرار السياسي والمجتمعي في العراق.
طالما أن الإنتخابات تمثل الأداة الكاشفة عن توجهات المجتمع، ومن حاز على ثقتهم وفوضوه إدارة شؤونهم ورعاية مصالحهم وتحقيق أهدافهم، فعلى الآخرين، الذين تباينوا واتفقوا على الالتزام بما حدده الدستور، أن يقروا لمن حاز على ثقة الأغلبية بهذا الحق، بإعتبار أن رأي الأغلبية هو التعبير الحق عن رأي الشعب.
وثمة عدد من العوامل التي تعزز ثقة المواطن بالإنتخابات وتوفر دوافع كافية للاشتراك بها، ومنها:
1- أن تترسخ القناعة بنزاهة الإنتخابات وفي جميع مراحلها.
2- أن يكون الاستحقاق الإنتخابي هو المعيار الرئيس في تسمية رئيس الحكومة من الكتلة الأكبر برلمانياً، بإعتبار أن الكتلة الأكبر هي التعبير الصادق لرأي الأغلبية.
3- ضمان عدم حصول أي خروق في عملية فرز الأصوات، كما يجب أن يضمن ذلك في جميع مراحل العملية الإنتخابية.
ومما يجب مراعاته، قضية تشكيل التحالفات التي تعقب إعلان نتائج الإنتخابات، إذ يجب أن لا تخرج عن مضمون المصلحة الوطنية، أي أن هذه التحالفات يجب أن تراعي المصلحة العامة. أما إذا كانت مراعية للمصلحة الشخصية والحزبية الضيقة فإنها مرفوضة من المواطن العراقي قبل أن تكون مرفوضة من القوى السياسية. ومثل هذه التحالفات لها أثار سلبية عدة منها:
1- إن المواطن يرى في مثل هذه التحالفات بأن إرادته قد صودرت من قبل الآخرين الذين منحهم صوته وائتمنهم في إدارة شؤون البلاد والعباد.
2- إن إحدى أهم النتائج المترتبة على مثل هذا المنهج في العمل السياسي هو العزوف عن الإنتخابات، ذلك أن الناخب يرى بأن إرادته قد حرفت باتجاه آخر لا يرتضيه، فيفضل الاحتفاظ بصوته.
وهذا الأمر الأخير في غاية الخطورة، إذ أن الحل ليس بالعزوف عن الإنتخابات فهو يتفاقم من المشكلة، إنما الحل بالذهاب للإنتخابات والمشاركة الفاعلة عن طريق حسن الاختيار، الذي يمكن الوصول إليه بالتدقيق في مرشحي الإنتخابات واختيار الأفضل، وهم كثر. فالأمر يحتاج منا إلى وضع المعايير المناسبة والصفات الجيدة التي نتوخاها فيمن نضع ثقتنا به، ونأتمنه في إدارة الشأن العام.
فالأصل في التحالفات تكون بين أطراف تجمعها أهداف مشتركة ورؤى لكيفية بناء الدولة والحفاظ على سيادتها وأمنها وأمن مواطنيها وتحقيق العيش الكريم لهم. أما أن تكون التحالفات بين أطراف لا يجمعها أي هدف مشترك ولا رؤية، فإنها تحالفات مصلحة حزبية آنية تضر بالعملية الديمقراطية والعملية السياسية وتضر بمصلحة الشعب العراقي. وهو ما يجب أن تبتعد عنه القوى السياسية.
ورغم أهمية النجاحات التي تحققت في الإنتخابات السابقة بعد العام 2003 والى الآن، غير أن ما تم إعتماده من قوانين إنتخابية لم تحقق تمثيلاً كافياً لإرادة الناخب العراقي.
ولغرض تحقيق تمثيلاً أكبر لإرادة الناخب العراقي، نرى العمل على:
1- إعتماد قانون للإنتخابات يتيح للمرشحين التنافس للفوز بعضوية مجلس النواب، ومجالس المحافظات، على أساس ما يحصل عليه من أصوات، لا على أساس ما تحصل عليه القوائم الانتخابية من أصوات.
2- إعتماد قانون للإنتخابات يتيح الترشيح الفردي للمرشحين، وإعتماد الأغلبية البسيطة للفوز ضمن الدائرة الأنتخابية الواحدة.
3- إعتماد الدوائر الانتخابية لكل وحدة إدارية على مستوى الناحية أو القضاء في حال تعذر الأول، أي أن تكون كل وحدة إدارية والممثلة بالناحية دائرة انتخابية، أو مركز القضاء دائرة انتخابية.
4- تشكيل المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات من المستقلين، والذين تثبت كفايتهم ونزاهتهم لهذا العمل من خلال عمل مشترك للجان مجلس النواب والمنظمات غير الحكومية (NGO) ومنظمات دولية.
فاعتماد الترشيح الفردي والوحدة الإدارية كدائرة انتخابية يتطلب أن يرافقه وعياً انتخابياً لجمهور الناخبين، يوفر الإدراك بأهمية اختيار المرشح الأصلح الذي تتوافر فيه الشروط المطلوبة لعضو مجلس النواب، والتي يعد توفرها شرطاً رئيساً لتمكينه من أداء واجباته التشريعية والرقابية بكفاءة عالية وهذا ما يجب العمل عليه بدءا وقبل كل شيء