د. ماجد الفتلاوي/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
الإصلاح شأن ضروري في مسار أي عمل سياسي مادام يتعلق بواقع الدول والمجتمعات ومستقبلها، والإصلاح يأخذ أشكال متعددة من بينها التغيير والتجديد والتحديث والتطوير وربما التصحيح.
الواقع السياسي في العراق عندما نتأمل فيه نجد أن المغلقات بدأت تحكم كل المسارات، وبعد مراجعة شاملة لمسيرة ما يزيد على عقد من الزمن يصبح الإصلاح ضرورة لازمة لأننا قد نكون أمام مستوى أعلى من الإصلاح يصل إلى التصحيح، بالمحصلة النهائية لا يمكن تصور مستقبل العراق السياسي دون الولوج إلى أي شكل من أشكال الإصلاح لاسيما وأننا لم نلمس إلى الآن أي جديد أو رغبة في الدخول إلى أي ميدان من ميادين الإصلاح.
ماهي طبيعة الإصلاح؟
علينا أن نميز هنا بين أشكال عديدة مفترضة للإصلاح:
– إصلاح سياسي يتعلق ببنية النظام السياسي ومشكلته وأداءه ومقوماته.
– إصلاح البنى والمرتكزات الاقتصادية ومشكلة النظام الاقتصادي وإعادة النظر في توزيع الثورة ومعالجة كل الاختلالات الحاصلة والتشوهات القائمة.
– إصلاح اجتماعي من خلال إعادة النظر بالمنظومة القيمية والتربوية التي تشكل البنى التحتية في الميدان الاجتماعي ومحاولة تأهيل المؤسسات الاجتماعية للقياد بدور أفضل.
ولكن كل هذه العملية مرهونة بإصلاح المؤسسات التي تأخذ على عاتقها مهمة أداء الدور الواضح أي إننا سنكون أمام نمط من الإصلاح ألا وهو الإصلاح المؤسسي ليكون بوابة الدخول إلى الإصلاح السياسي.
وبهذا سنكون أمام جدلية العلاقة بين الإصلاح السياسي والإصلاح المؤسسي وأيهما يسبق من، في ظل الواقع العراقي يصبح من الضروري التفكير بأولوية الإصلاح المؤسسي.
أي أن الإصلاح هنا سيبدأ من الأعلى إلى المواقع التحتية لأنه سيكون انجح ويأتي بنتائج أوضح وأسرع، ولكن هل الإصلاح هو لمؤسسة دون أخرى كما يتصور البعض، وهنا يصبح من الضروري التفكير الجدي أن الإصلاح المؤسسي هو عملية متكاملة تشمل جميع المؤسسات السياسية وبنسق واحد وهي الحكومة والبرلمان والقضاء ثم تتبعها المؤسسات الأخرى.
ويرافق هذا إعادة النظر بالقانون الانتخابي لأنه من أبرز مفاتيح التغيير والتحديث.
وكذلك يجب أن يكون برؤية إستراتيجية واضحة وبعيدة عن الطروحات المرحلية او المراوغات أو التكتيكات ذات الصبغة الاحتوائية أو البراغماتية أي أن الإصلاح يجب أن يكون شاملا لا جزئيا.
الإصلاح يجب أن يكون قائما على الاستقطاب لا الاستقطاع وعلى التموطن لا التمحور وعلى المكاشفة لا المناكفة.
وهنا يبقى التساؤل كيف السبيل إلى الإصلاح؟
تتحدد أمامنا خيارات متعددة من بينها: الثورة الشعبية، الانقلاب العسكري، أو انقلاب عسكري بمباركة شعبية، تدخل خارجي، إصلاح من داخل المؤسسة قد يكون جذريا أو هادفا من خلال التأمل لطبيعة ومجريات الأحداث في العراق، حيث يصبح الحديث عن الوسائل السابقة باستثناء الإصلاح من داخل المؤسسة حديث لا يحمل السرور ولا يبعث على الاطمئنان.
لكن بالإمكان أن تتحرك كل الوسائل باتجاه الضغط والتحفيز والتقويم والتهديد لدفع المؤسسات لإصلاح ذاتها وتنشيط أدائها وتصحيح مساراتها وأخطائها وتقويم عملها.
وهنا برزت محاولات عديدة لكنها لا زالت تتعرض للإجهاض والتشويه أو الضغط والمناورة.
المشكلة الأزلية هنا هو الاختلاف على طبيعة ومشكلة الإصلاح أي الاختلاف لازال على المبدأ ذاته في بلد أصبح الاختلاف والخلاف عنوان لكل قضية وهذا شيء طبيعي في ظل الاختلاف على أصل العملية السياسية التي ولدت في رحم خارجي على طريقة (الرحم المستعار).
محددات الإصلاح:
– عدم وجود بيئة متصالحة لكي تكون قاعدة ومنطلق للإصلاح وغياب ثقافة الاعتراف بالخطأ والصفح والاعتذار والتسامح.
– الضغط الخارجي ومدخلاته على أروقة العمل السياسي يزيد الأمور تعقيدا.
– الاختلاف على أصل عملية الإصلاح وعدم امتلاك برامج ناجحة.
– فقدان الجدية وانعدامها عند الكتل السياسية وعدم امتلاكها الرغبة الحقيقية للإصلاح.
– عدم الاستفادة من التجارب الدولية المماثلة في مجال الإصلاح.
– الكوابح الامنية وانعكاسات الأزمة الاقتصادية.
– العسكرة وانتشار السلاح المفرط على حساب القانون.
– غياب الجهة القانونية الضامنة والساندة للإصلاح والضعف الواضح في أداء المؤسسات المتمثل بالسلطة القضائية.
– عدم قيام المؤسسة الدينية بدور متقدم واكتفائها بالتوجيه أو الابتعاد عن أداء الدور المطلوب.
– التطبيق المشوه للصيغة التوافقية في الحكم.
أين سيكون الإصلاح؟
من المفروض أن يكون الإصلاح شاملا لكل مفاصل الدولة وقطاعاتها ومكوناتها، لكن عملية الإحاطة والإلمام بذلك ليس من اليسر للمحددات السابقة.
لذا يجب أن ينطلق الإصلاح من الكتل ذاتها أولا أي إعادة النظر في هيكلياتها وبرامجها وسلوكها وسياساتها.
الكتلة الأبرز التي يجب أن ينالها الإصلاح أولا هي الكتل الشيعية بكل مفاصلها وتفرعاتها لأنها تمثل الرأس فإذا صلحت صلح العراق.
ثم يتم التوجه إلى إصلاح المؤسسات وإعادة النظر في كل ما يتعلق بها، ويستتبع ذلك التوجه إلى عملية الإصلاح السياسي الشامل والجاد.
إلى متى سيكون الإصلاح؟
هنا محل اختلاف هل سيكون الإصلاح من اللحظة أم العودة إلى مرحلة التغيير بعد عام 2003 أم الانطلاق إلى ما هو ابعد من ذلك، وهنا يجب تحديد المديات الزمانية للإصلاح مع التحفظ على عدم نبش الماضي واجتراره وبنفس الوقت عدم ضياع الثروة وتبرير إهدارها. لذا يجب أن يكون الفيصل الحاسم هو ضمان الثروة والنفس البشرية.
مقترحات في الإصلاح
– التفكير الجدي بالإصلاح المؤسسي القائم على الرغبة الجدية من قبل الكتل ولو على أساس المصلحة الحزبية القائمة على منطق الربح والخسارة إن لم يكن بالإمكان الانطلاق من الوازع الوطني، أي ان تدرك الكتل السياسية أن خسارة 50% من مغانمها في المرحلة الحالية أفضل من خسارة كل شيء.
– الركون إلى اتفاقات سياسية ساندة تأخذ صيغة دستورية كأن تكون ملحقا دستوريا يعضد عملية الإصلاح يكون بمثابة أرضية صالحة للتعديلات الدستورية المستقبلية.
– الاهتمام بعملية المصالحة والمصارحة والتقييم الجدي ويكون قوامها الأساس احترام القانون أي من يقف مع القانون في معسكر قبالة من لا يحترم القانون في المعسكر الآخر.
– الركون إلى نظام انتخابي منتج ومجدي ويؤدي إلى مخرجات حميدة كونه أس العملية السياسية وتطوير موضوع الكوتا الذي يكون على أساس الكفاءة، بما فيها كوتا النساء، وفق الشروط التالية:
أ- أستاذ جامعي حاصل على لقب الأستاذية
ب- طبيب بلقب استشاري
ج- مهندس بدرجة متقدمة
د- رجل دين بدرجة علمية معينة يحددها المختصون
هـ- فنان أو رياضي مصنف في درجة متقدمة
و- كاتب أو أديب بتصنيف متقدم
ز- قضاة من الصنف الأول
– تنشيط دور القيادات السياسية في المرحلة الحالية عبر تشكيل مجلس يضم هؤلاء وفق أسس اللقاء والتشاور المستمر.
– البحث عن شخصيات وسطية ومعتدلة في الفترة الحالية للتصدي إلى المسؤولية وهناك من النماذج الكثير ممن يدفع بالاتجاه الصحيح.
– إتباع سياسة خارجية متوازنة أساسها الانفتاح على جميع الأطراف دون قيود من اجل اجتذاب الآخر وعدم التخندق لصالح أي طرف في الصرع الإقليمي.
– التعامل مع الإصلاح ليس بحالة ترضي وإنما مطلب استراتيجي تفرضه كل المعطيات والاعتقاد بأنه طوق النجاة الوحيد.
– عزل الجانب الأمني وجعله بمنأى عن كل التسميات والاختلافات والتصورات المتقاطعة حول عملية الإصلاح
– المحاولة الجدية هذه المرة لتشكيل كتلة عابرة للنمط الطائفي في الحكم بالاستناد الى خطاب سياسي ناضج يرتقي إلى الواقع ولا يجتر الماضي ولا يتلاعب بالجراحات والمآسي ويعزف على أنغام الآلام والطائفية.
– تنشط القوى الداعمة للإصلاح وتنسق مواقفها باتجاه الانسجام وظهورها بمظهر الطرف الموحد وفق رؤية أو برنامج إصلاحي والابتعاد عن التشظي في المواقف.