سواء كانت على المستوى الدولي أو على المستوى الداخلي، فقد أثبتت الوقائع أن الحروب المعاصرة تستهدف المدنيين بصورة متعمدة، وأصبح الاعتداء عليهم في كثير من الأحيان يشكل عنصراً من عناصر الحرب واستراتيجياتها؛ حيث تؤدي أشكال العنف التي تتخذها النزاعات المسلحة في الوقت الحالي، واستعمال الأسلحة المتطورة في القتال، إلى الزيادة في عدد الضحايا بين السكان المدنيين، وخاصة الأطفال.

 حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة، هناك حوالي 1 مليار طفل يعيشون في مناطق يتواجد فيها صراعات، ومنهم ما يقارب الـ 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر! وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو انه في عام 2013، كان هناك حوالي 28.5 مليون طفل خارج المدارس بسبب الصراعات الموجودة.

 تقرير المنظمة الدولية الصادر بعنوان: (الطفولة تحت النار) استعرض أوضاع الأطفال السوريين الذين يعيشون في ظروف الحرب؛ حيث أكد التقرير أن (3) من كل (4) أطفال سوريين فقدوا أحد ذويهم. وأَّن طفلاً من بين كل (3) أطفال تعرض للأذى الجسدي، مبينًا أنهم يعيشون في ظروف إنسانية قاسية، وحرمان معظمهم من الرعاية الصحية.

 ومع تصاعد حدة النزاع في اليمن، أفادت اليونيسف أن الأطفال لا يزالون يعانون من الموت والإصابات والنزوح وخطر الأمراض جراء قصف الطياران والبارجات السعودية. وتفيد الأنباء بأن 74 طفلاً قتلوا بينما أصيب 44 آخرون بتشوهات حتى الآن، منذ بداية الاقتتال في اليمن في 26 آذار. وقال ممثل اليونيسف في اليمن جوليين هارنيس “يدفع الأطفال ثمناً باهظاً لهذا النزاع. فهم يُقتلون ويُشوهون ويُجبرون على الفرار من منازلهم. كما أصبحت صحتهم مهددة وتعطّلت مسيرتهم التعليمية.

من هنا يجب على جميع أطراف النزاع أن تقوم على الفور باحترام وحماية الأطفال بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي”.

 فمن هو الطفل في المنظور الدولي؟ وما هي الحماية المقررة للأطفال بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي في ظل الاستهداف المتعمد للمدنيين ومنهم الأطفال؟ وما هي الآليات المقترحة لحمايته من ويلات تلك الحروب والنزاعات المدمرة؟

يُعرف الطفل في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، المادة الأولى: كل شخص دون الثامنة عشرة ما لم يكن القانون الوطني يحدد سناً آخر لبلوغ مرحلة الرشد ولكل دولة أن تحدد سن الرشد لديها، ولكن لا يجب أن يحيد كثيراً عن المعايير الدولية.

 ويهدف القانون الدولي الإنساني عموما إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية، وقد أفرد حماية خاصة لفئات تعتبر ألأضعف زمن النزاعات المسلحة كالنساء والأطفال والشيوخ، وتعتبر هذه الفئة أكثر الفئات هشاشة أثناء اشتداد العمليات وأثناء الاحتلال، نظراً لكونها لا تملك القدرة الجسمانية والنفسية الكافية لمواجهة الظروف المصاحبة عادة للحروب، بما فيها المجاعة والأوبئة والاعتقال والرحيل القسري… إلخ.

 والحماية الدولية هي كل التدابير والإجراءات القانونية الدولية التي تهدف إلى التخفيف من المعاناة الناجمة عن الحرب، وتجنيب السكان مختلف الأضرار والخسائر والآلام التي قد تلحق بهم بسبب العمليات العسكرية أو بسبب التصرفات والسلوكيات التي يلجأ إليها المسؤولون المدنيون والعسكريون ضد الأشخاص المدنيين الموجودين تحت سلطتهم بالخصوص الأطفال.

 فقد نصت المادة 88 من البروتوكول الأول في فقرتها الأولى: “يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص وأن تكفل لهم الحماية ضد أي صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيأ أطراف النزاع الحماية والعون للذين يحتاجون إليها، سواء بسبب سنهم أم لأي سبب أخر”. كما نصت المادة الرابعة من الفقرة الثانية من البروتوكول الثاني، أنه يجب أنه: ” يجب توفير المعونة والرعاية لأطفال بالقدر الذي يحتاجون له.” وقد تأكد هذا الأمر مع تبني الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في عام 1989، والتي شكلت منعطفاً حاسماً في تاريخ الطفولة، حيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها.

 إن تأثير الحرب على الأطفال قد يكون مباشراً عند اندلاع القتال، ومن ثم يجب إعمال كافة القواعد التي تحميهم من خطر العمليات الحربية، وقد يكون للحرب آثار محتملة، كما في بقاء أسلحة من مخلفات الحرب كالألغام الأرضية التي تتصيد ضحاياها لسنوات طويلة.

وللحرب تأثير غير مباشر على الأطفال، فالحرب تقلل إلى حد كبير من النمو الطبيعي للأطفال، نتيجةً لإغلاق المدارس والمستشفيات وإتلاف المحاصيل وتدمير الطرق وضياع الموارد وتحطيم القدرات الاقتصادية للأطراف المتحاربة، وفقدان الأمان والاطمئنان والثقة بالنفس، نتيجة للخوف والرعب الذي يتعرضون له في زمن الحرب.

 إن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة هي أشد ظواهرها، والتي تثير القلق في الوقت الحالي، فهي تلك الظاهرة التي انتشرت في كثير من النزاعات حول العالم، وذلك في مخالفة واضحة وصريحة لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني.

 ولبيان كيفية حماية الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح وبكل الأوضاع الناجمة عنه، علينا أن نعرف أهم قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، والتي تحمي المدنيين خاصة منهم الأطفال، من عواقب الحرب وأضرارها، أو التي تحمي اشتراكهم في النزاعات المسلحة، أو تلك التي تحميهم وهم تحت الاحتلال الحربي وهي:

1- إغاثة الأطفال: وهي من أهم الواجبات التي تقع على عاتق أطراف النزاع في ظل أوضاع النزاع الصعبة. وتقرر اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة السماح بحرية المرور لجميع إرسالات الإمدادات الطبية ومهمات المستشفيات المرسلة للمدنيين، حتى ولو كانوا من الأعداء، وكذلك حرية مرور جميع الإرسالات الضرورية من المواد الغذائية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة والنساء الحوامل وحالات الولادة.

 وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بدور هام للغاية، في مجال إيصال مواد الإغاثة للأطفال في حالة النزاع المسلح، والتدخل النشط في ميادين الصحة العامة والتغذية والتأهيل، فهي تستجيب لمقتضيات القانون الدولي الإنساني، وخاصة المادة 23 من الإتفاقية الرابعة، ووفقاً لنص المادة 70 من البروتوكول الأول، والمادة 18 من البروتوكول الثاني.

2- جمع شمل الأسر المشتتة: تبدأ أشد أنواع المعاناة التي تخلفها الحروب والتي يعيشها الإنسان في أعماق قلبه، عندما يتعرض أفراد العائلة الواحدة للانفصال، والتي تثير الشكوك حول مصير أفراد العائلة والتي فرقتهم الحرب، وبالأخص الأطفال الذين انفصلوا عن ذويهم. والقانون الدولي الإنساني يعترف بأهمية الأسرة، ويسعى جاهداً لصيانة الوحدة العائلية خلال النزاعات، حيث ينص البروتوكول الأول عام 1977، على أن: “حق كل أسرة في معرفة مصير أفرادها هو الحافز الأساسي لنشاط كل من الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع، والمنظمات الإنسانية الدولية، والوارد ذكرها في الاتفاقيات وفي هذا البروتوكول”.

3- إجلاء الأطفال من المناطق المحاصرة أو المطوقة: تناولت اتفاقية جنيف الرابعة موضوع إجلاء الأطفال أثناء النزاعات المسلحة كضمانة أساسية لحماية الأطفال من أخطار الحرب، فنصت على أن: “يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء النفاس، من المناطق المحاصرة أو المطوقة، ولمرور رجال جميع الأديان، وأفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق”.

4- حماية الأطفال من خطر الألغام الأرضية: تبرز الألغام الأرضية كواحدة من بين الأسلحة التي تلحق الأذى بالسكان المدنيين لسنوات طويلة بعد نهاية النزاع، وكثيراً ما يقع الأطفال ضحايا لتلك الألغام فتتركهم قتلى أو جرحى أو مشوهين. حيث إن استخدام الأطراف المتحاربة لأسلحة تقليدية معينة في الحروب يترتب عليها استمرار القتل والإصابة حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية، ويعدّ أحد عواقب الحرب وأضرارها، والتي تتسبب في مزيد من الضحايا بين الأشخاص المدنيين الأبرياء.

 مع كل ما يقدمه القانون الدولي الإنساني من حماية على المستوى النظري أو العملي من خلال تفعيل بعض الآليات الأممية في مجال الحماية فان على المجتمع الدولي مطالب بالبحث عن آليات أقوى للحماية والرصد والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب، ومنها:

  • ضمان أن الموضوعات المتعلقة بحقوق وحماية الأطفال تنعكس بالكامل في جداول أعمال عمليات السلام في اتفاقيات السلام، وأنها تدخل ضمن العمليات السلمية للأمم المتحدة.
  • تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في مرحلة الصراع ومرحلة ما بعد الصراع من خلال المناهج التدريسية ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني.
  • توعية المجتمعات والأسر التي تمجد العنف والسلاح بالآثار المدمرة لتسليح الأطفال عليهم وعلى الأمة وعلى مستقبل البشرية.
  • تقديم تدريب وتوعية ملائمة عن حقوق الأطفال وحمايتهم لجميع المدنيين، والأفراد العسكريين وأفراد الشرطة المشتركين في عمليات حفظ السلام.
  • نشر المزيد من المراقبين الدوليين لحماية حقوق الأطفال في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.
  • تشكيل فرق عمل مشتركة بين المنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية من اجل تقديم المعلومات إلى مجلس الأمن عند وقوع انتهاكات. جسيمة ضد الأطفال.
  • القضاء على تدفق الأسلحة الصغيرة والقضاء على التهديدات المتمثلة في الألغام الأرضية، والقنابل التي لم تنفجر، وغيرها من المواد الحربية التي يقع الأطفال ضحية لها.
  • إنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة.
  • وضع استراتيجيات لحماية وتغطية الاحتياجات الخاصة للبنات المتضررات من الصراعات.
  • استبعاد جرائم الحرب ضد الأطفال من أحكام وتشريعات الحصانة، والتأكد من التصدي لسوء معاملة الأطفال، ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية..