نجح الرئيس فلاديمير بوتين بعد أيام قليلة على حملته الجوية العنيفة في سوريا في محاولاته تأهيل نظام الرئيس بشار الأسد وترسيخ أقدامه أكثر في مواقع سيطرته، ثم التقدم بإتجاه المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية كأحرار الشام والجيش الحر، وفي الحقيقة فإن داعش بعيدة عن مناطق التماس فهي مكتفية بماأنشأته مؤقتا في الرقة والموصل، وهذا مايؤجل الى وقت لاحق قرارا روسيا بإستهدافها بشكل مباشر كالذي يحدث اليوم في ريف حلب وحمص وحماة واللاذقية وإدلب وتدمر وضواحي دمشق، وهذه المناطق ليس من نفوذ حقيقي لداعش فيها.
التأمين الكامل لمناطق الأسد وتقوية موقفه في أية مفاوضات مستقبلية هدف لموسكو وهي قد أرغمت الخصوم الدوليين سواء كانوا عربا، أو أوربيين تتزعمهم واشنطن على تغيير مواقفهم، فصاروا يشيرون الى موافقة على مرحلة إنتقالية تضمن بقاء بشار في السلطة، لكن الحقيقة غير ذلك فلو تمكن الأسد بمساعدة روسيا وإيران من تثبيت أقدامه وحماية مواقعه وإعادة هيكلة جيشه فإنه لن يكون مهددا بالرحيل خاصة وإنه صمد لسنوات ناهزت الخمس وهو تحت الضغط والحصار فكيف وقد دخلت روسيا بقوتها الجبارة الى جانبه ؟ وهذا يعني إن ترتيبات للمنطقة تعد منذ الآن مختلفة عن السياق الذي تتحدث فيه واشنطن وحليفاتها لاتكون خاضعة لشروط المرحلة الراهنة، بل بماتفرضه المعطيات على الأرض بعد إستيضاح ماستفعله روسيا في الجو وإنعكاساته على واقع الحرب السورية المستعرة بقسوة، وصارت واشنطن تتعامل مع موسكو بوصفها الحاكم الفعلي لسوريا وليس طرفا في أزمة يراد لها أن تستمر ا وان تحل وفق شروط اللاعبين الكبار.
الإستقبال الحافل للرئيس السوري بشار الأسد في قصر الكرملين في قلب موسكو بحضور قيادات روسية رفيعة الى جانب الرئيس بوتين يشير الى إن سوريا من حصة روسيا، وإنها لن تتنازل عن موقفها الذي يركز على حماية مصالحها الحيوية في المنطقة، وهي تملك أسطولا بحريا يتمتع بحضور قوي شرق المتوسط من خلال الموانئ السورية في طرطوس واللاذقية وهو أمر تدركه واشنطن وحليفاتها، لذلك صار العمل في إطار من التعاون، وليس الصدام، مع الإبقاء على الحرب من خلال الوكلاء المحليين والإقليميين.
بشار الأسد سيضمن دعما كبيرا من موسكو وطهران وسيكون اللعب مكشوفا للغاية، والأيام القادمة ستشهد مفاجآت منها ماهو غير متوقع، لكن لابد من التأمل في طبيعة الصراع وإمتداداته وإنعكاساته التي يمكن أن تتحول الى شرر متطاير يشعل النيران في كل مكان.
الأسد يزأر في الكرملين لكنه يعود الى عرينه في دمشق منتشيا.