إفتخروا بهم ولكن لا تبالغوا فيهم
نموذج جواد علي
علي الكاش

قال تعالى في سورة الذاريات/20ـ 21 ((وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)).‏
عندما اطلعت على ترجمة كتاب جواد علي حول المهدي، توقعت ان أجد فيه ما يشفي الغليل من ‏تحليلات مهمة، لأن المعلومات التأريخية المهمة كما هي لا تغيير فيها اذا إلتزم المؤرخ بالحقيقة وإبتعد ‏عن الأهواء والميول الشخصية كالعقيدة والقومية واللون والجنس، ولأن جواد علي درس في المانيا، ‏توقعت ان سيأتي بما لم تأت به الأوائل، على أقل تقدير برؤية جديدة لهذه المعضلة التي ما تزال مدار ‏نقاش بين أهل السنة والشيعة من جهة، وبين الشيعة أنفسهم فرقا ومراجعا منذ اكثر من (12) قرنا. ‏
توقعت انه سيميط اللثام عن بعض الألغاز في هذه القضية الخلافية الشائكة، وفق اساليب الإستقراء ‏والإستباط التي درسها في المانيا، وفكرت ربما عثر على مخطوطات لم تُحقق بعد، ووجد ما هو جديد ‏في هذا الموضوع، سيما ان هناك الآلاف من المخطوطات العربية في المكتاب الأوربية ولا سيما المانيا ‏لم تحقق بعد، وتنتظر من يرفع عنها غبار النسيان او التجاهل والتغافل. كما ان جواد علي متخصص في ‏تأريخ العرب، صحيح ان تخصصه في تأريخ العرب قبل الإسلام، لكن مع هذا هو باحث في مجال ‏التأريخ، وله باع طويل في هذا الأمر. الحقيقة ان كتابه تأريخ العرب قبل الإسلام والمفصل في تأريخ ‏العرب قبل الإسلام، ما هما إلا إعادة وتكرار لمن سبقه في هذا الموضوع، كل ما فعله هو انه جمع ‏المعلومات وتوسع فيها لا أكثر، وسمعة الكتاب وشهرته كما يبدو أكبر من سمعة كاتبه ومكانته الأدبية، ‏وربما سنتوسع في هذا الأمر.‏

جواد علي والمهدي وقواسم التدليس المشتركة
كتب جواد علي عن ولادة إمامه المهدي ” هذا الأمر الغريب هو نفس ما وقع لمريم ام موسى. فقد كانت ‏حاملا ومع هذا لم يلاحظ احد عليها إنها تحمل طفلا حتى زمن ولادته”. (المهدي المنتظر /70). ويستمر ‏الدكتور في هذيانه العلمي مدعيا بأنه عند الغسق سمعت الجدة صراخ العبدة، فبدأت تقرأ الآيات والطفل ‏يرد على تحياتها من الرحم، ويعيد قراءة نفس الآيات! وعندما ولدت الطفل لم تتمكن الجدة من الرؤية، ‏بسبب قوة النور الذي يشع من الجارية العبدة والطفل. ‏
بربٌكم هل هذا حديث رجل مفكر درس في المانيا وقدم إطروحة عن المهدي؟ لا عتب على الجهال إذن. ‏سنأخذ هذا الجانب فقط لأن الكتاب كرر معلومات سبق ان تحدث بها مراجع الشيعة عن المهدي منذ ‏غيابه المأزوم حتى ظهوره المزعوم، وفي كتابه الكثير من الخزعبلات التي لا تتوافق مع الشرع ولا مع ‏العلم ولا مع المنطق، أساطير ربما تنطلي على الجهلة والسذج والمستحمرين من العوام والمراجع. علما ‏اننا ناقشنا موضوع المهدي وأفردنا له ما يقارب المائة صفحة في كتابنا إغتيال العقل الشيعي بطبعته ‏القادمة.‏

نقد رواية جواد علي
أولا. لا يوجد نبي أو رسول أو إمام بما فيهم علي بن أبي طالب قد ولد بهذه الطريقة الغريبة والشاذة، ‏ومن المخجل أن يأخذ رجل علم بهذه الأسطورة ويحاول أن يجعلها واقع، ويفرضه على القاريء.‏
ثانيا. يقيس د. علي حالة ولادة المهدي بولادة مريم العذراء، وهذه الطريقة لا تصح، لأن النبي أقل ‏مرتبة من الإمام حسب الدين الشيعي، وحالة يسوع إلهية لم تتكرر في التأريخ ولا في بقية الأديان، حالة ‏إستثنائية تمت بمشيئة الله تعالى.‏
ثالثا. فات الدكتور بان الشيعة لا تأخذ بطريقة القياس التي يتبعها أئمة السنة بل هم يعيبونها، ويكفرون ‏من يأخذ بها على أساس ان إبليس أول من عمل بها،، ذكر الشيخ المفيد” أخبرني أبو جعفر محمد بن ‏علي بن الحسين قال حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال ‏حدثنا أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع) قال: لعن ‏الله أصحاب القياس فإنهم غيروا كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله واتهموا الصادقين (ع) في ‏دين الله”. (أمالي المفيد). ومنها ” عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، ‏حدثني هارون بن مسلم قال وحدثني مسعدة بن صدقة قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه ان عليا (ع) ‏قال من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ‏ارتماس”.(شرح الكافي للمازندراني). (جامع أحاديث الشيعة للبروجردي). (مرآة العقول للمجلسي).‏
رابعا. أي نور هذا الذي يشع من عبدة جارية، يتحدث عنها الدكتور كإنها سيدة نساء العالمين مريم ‏العذراء؟ وكيف تُقارن جارية تباع وتشترى ويُفحص جسمها من قبل المشترين ويعار فرجها للآخرين ‏بسيدة نساء العالمين مريم العذراء؟ أي حمق وجهل هذا؟
خامسا. تحدث عيسى عليه السلام في المهد وليس جنينا! أي علم هذه الذي تعلمه الدكتور في حديث ‏الأجنة، وهي غير مكتملة الحواس والأطراف؟
سادسا. هل هناك حمل لا يظهر إلا وقت الغسق؟ ولماذا وقت الغسق دون غيره؟ ما الحكمة في ذلك؟ ‏وهل ولادة الأنبياء والرسل مثلا تكون عند الغسق؟ ولأن الدكتور يكتب في التأريخ، لماذا لم يذكر ‏حوادث تأريخية مشابهة من ولادات الغسق أو يفسر مغزاها ولو تأريخيا وليس علميا؟ لأنها لا تتوافق مع ‏العلم أو المنطق السليم.‏
سابعا. بأي منطق علمي تجري محادثة بين الجنين والجدة؟ هل يسمع الجنين أو يُسمع كلامه يا أكاديمي! ‏يا رجل العلم! كيف نثق بما كتبته عن تأريخ العرب قبل الإسلام وأنت بهذه العقيلة المتكلسة؟ وكيف ‏قبلت جامعة المانية (جامعة هامبورغ) برسالة دكتوراة تتضمن ترهات كهذه؟ ‏
ثامنا. ما الغرض من كتمان الولادة التي يفترض بكل أب عاقل وسوي أن يُفرح بها نفسه والآخرين ‏المحبين له، إن كان السبب هو الخوف من القتل فإن سيرة الأب تكذب الحجة، فالأب لم يقتل بل عاش ‏في أمن وبحبوحة وغنى وسلام.‏
تاسعا. تحدث الكاتب عن الجدة والعمة. لكن أين موقف الأم من كل هذه المزاعم؟ لا يوجد أي موقف للأم ‏المزعومة، ولا سيرة لأم واحد من أهم الأئمة عند الشيعة. أمر يثير الغرابة أن لا تجد ردة فعل للأم إتجاه ‏أخبار إبنها المزعوم وإختفائه الغريب.‏
عاشرا. القاسم المشترك لكل الروايات هو حكيمة لا غيرها. ويعول جواد العلي على أهمية حكيمة كشاهد ‏عيان، مع إن حكيمة غير معصومة وأقوالها متناقضة! ومراجع الشيعة يدعوا انهم يأخذوا الأحاديث التي ‏تتوافق مع القرآن، وغيرها يُضرب بها عرض الحائط، فكيف أخذ الدكتور بهذا الحديث الذي لا ذكر ‏للمهدي أصلا في القرآن الكريم؟
أحدعشر. يزعم الشيعة انهم يأخذوا بأحاديث أئمتهم المعصومين، لكن عمة المهدي ليست من الأئمة ‏فكيف أخذ برأيها؟ ولو كانت العمة صادقة في كلامها عن المهدي، فكيف أخذت حصتها من ورث أخيها ‏‏(العسكري) مع أخيها جعفر؟ ‏
اثنى عشر. ان حديث الجنين عبارة حكاية مسروقة ومأولة عن الرسول (ص)، فقد قال الحافظ ابو ‏الفضل بن حجر في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري” إن النبي تكلم اوائل ما ولد” وذكر ابن ‏سبع في الخصائص” ان مهده كان يتحرك بتحريك الملائكة واول كلام له ” الله اكبر والحمد لله كثيرا” . ‏‏( الخصائص الكبرى للسيوطي1/131). وهذه الأحاديث رفضها علماء أهل السنة رفضا باتا، مع إنها ‏تتحدث عن رضيع وليس جنين، وعن نبي وليس إمام.‏
لاحظ إذا كان من يحمل الدكتوراة في التأريخ يفكر بهذه العقلية الضحلة، فهل نعتب على الجهلة من عوام ‏الشيعة؟ ‏
لا نعرف ردة فعل الأساتذة الألمان الذين ناقشوا أطروحة الطالب الذكي!، هل غرقوا في الضحك من ‏سذاجته، أم ناقشوا الموضوع كأسطورة؟ ‏
كنا نحترم هذا الرجل الأكاديمي قبل أن نطلع على إطروحته البائسة، ويا ريت المترجم لم يترجمها ‏للعربية وينشرها بعد موت الدكتور، فقد فتح غطاء البالوعة لتهب الروائح الكريهة منها. لقد جنى ‏المترجم على الكاتب بترجمه كتابه الضحل. ‏
يبدو أن الدكتور نفسه لم يكتبها بالعربية وينشرها في حياته لأنه يعرف بأنه سيكون إضحوكة للعباد، فكتم ‏أمرها، وقد أحن في ذلك، ولكن أبى الله إلا أن يفضحه.‏
قال الشاعر:‏
آن للسرداب أن يلـد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العـنقاء والغيلانا
‏(حياة الإمام المهدي لباقر شريف القرشي). (المنار المنيف).‏
نسأل الله تعالى ان ينور عقول الجهلة والغافلين، انه المستجيب للدعوات.‏
علي الكاش