اسرار محلات بغداد القديمة
كيفية المخبلة 1
امتازت بغداد القديمة بمحلاتها وازقتها ودرابينها (طرقاتها) سحر ورونق خاص في قلوب ساكنيها, ولكن هذا السحر والرونق اختفيا بتتالي الانظمة القمعية على العراق, وتمزق ابناء هذه المحلات لأنتمائات بين مختلف الاحزاب السياسية, وحتى صارت كثير من المناطق تعود للحزب الفلاني والاخر للحزب المناويء, وقلما يرى الناس محلة جامعة او حتى خالية من الانتمائات.
بهذه الرواية سأقص بعض ما سمعته عن احداث غريبة عجيبة عن كيفية التي نعتها الناس بكيفية المخبلة وتعني “كيفية المجنونة”.
في محلة تدعى القشل كانت تعيش عائلة كيفية, وصف الناس كيفية بفتاة طائشة كثيرة الكلام ولا تفهم جل ما تتوفه به وكان كلامها في اكثر الاحيان دون معنى ولذلك نعتوها بالمخبلة, وعندما كبرت قليلاً خاف عليها اهلها ان تجلب العار لهم فزوجوها من رجل بينها وبينه بون من السنين اسمه غزال, فكان قدر هذه المسكينة في احضان رجل بعمر والدها. كيفية المسكينة كانت لا تستوعب الامر حتى انجبت أبنها البكر, فسموا المولود “سلام” ربما تيمنناً بسلام عادل السياسي العراقي المشهور الذي قتل بتعذيب وحشي من قبل البعثيين في عام 63, او ربما اسموه سلاماً للسلام الذي طرء على علاقة كيفية المخبلة وزوجها من سلام.
كان زوجها غزال ضعيف البنية كالكالة (مداس يحاك باليد واغلب الاحيان يكون لونه ابيض) فكان الناس في اغلب الاحيان يدعوه بكاله او كالي, ولان لقبه قيطان فسموه كالي قيطان وبعض الناس كانوا يتلفظون كنيته بقيجان وربما ذلك مرده لسوء سمعهم. وفي المحلات القديمة كان العوائل تعيش مع بعضها في بيوت كبيرة فأما كلهم اقرباء او اغراب ولكن على كل حال كانت العوائل التي تسكن هذه البيوتات يعتبرون انفسهم عائلة واحدة حتى وان لم يرتبطوا بقرابة.
ومع مرور الايام والسنين ترى كيفية نفسها مع ثلاثة اطفال فقد انجبت غلامين اخرين اسموهم منذر ورافد على التوالي. غزال ظهر عليه علامات الكبر حيث كان يخرج من الصباح ويعود وقت الغروب خائر القوى, وكيفية المخبلة تزداد نشاطاً وحيوية وجنوناً, فظهر على كيفية المخبلة هواية ركوب حافلات نقل الركاب! فكانت في كثير من الاحيان تركب الحافلات لمجرد الترفيه عن نفسها واشباع رغبتها من الكبت الذي كانت تعيشه, واحيانناً تزور بعض من اقاربها ومعارفها في المناطق البعيدة عن بغداد القديمة, وبدأ سواق الحافلات يلاحظون في كثير من الاحيان ان امرأة تركب من موقف السيارات في ساحة النهضة وتنزل من المكان الذي ركبت منه وبعد السؤال عن هذه المرأة الشابة من قبل الفضوليين, توصلوا الى معرفتها ومعرفة جنونها, فشاعت الاخبار بين السواق عن هذه المرأة الشابة, وهنا سمع احد السواق وكان معروف عنه بالسمعة الرديئة وكما يقال باللهجة العراقية سرسري واسمه ابراهيم! ومرت الايام والاسابيع واذا بكيفية المخبلة تركب مع هذا السائق, ولان اغلب الركاب ينزلون قبل بلوغ منتصف طريق مسير الحافلات ففرغت الحافلة الا من كيفية المخبلة التي كانت تهيم في عالم اخر ولا تعلم ما يجري حولها وفجأة توقفت الحافلة في طريق مقفر ولم تعود الى رشدها الا بتوقف محرك الحافلة واقتراب سائق الحافلة منها, صرخت.. بكت… توسلت.. دافعت عن نفسها بكل ما تملك من قوة ولكن كل ذلك لم يمنع ولم يردع برهوم النذل كما كان السواق ينعتوه ان يرتكب جريمته.
التزمت كيفية المخبلة البيت ولم تعد تخرج من البيت الا بمعية امها وظن الناس ان كيفية ربما عاد لها عقلها. انجبت كيفية المخبلة غلاماً اخراً وبعد اشهر قليلة شوهدت كيفية مرة اخرى في محطة الحافلات…..
عصام خودايار