نشرت صحيفة المدى العراقية ، وكذلك نقلت الخبر بعض المصادر، أنّ اتحاد القوى قال : (( إلغاء آلية الأغلبية في تمرير القوانين شرط عودتنا للبرلمان .. لأن العراق يحكم بالتوافق )) .
وهذا يعني إلغاء للبرلمان ولدوره الرقابي والتشريعي ، كذلك تعطيل لبنود الدستور، نتساءل لماذا إذن تجري الانتخابات ؟ هل هي ضحك على الذقون في عرف من لا يؤمن بالعملية السياسية ، أو لا يؤمن بالآليات الديمقراطية !
مطالب وشروط اتحاد القوى والوطنية دلال ما بعده دلال ! وشروطهم تلقى التأييد والتصفيق من خارج الحدود ! رغم أنها شروط غيرمشروعة ومتقاطعة مع الدستور ومصلحة الشعب العراقي ، كذلك نتحسس فيها الدعوة لنسف العملية السياسية والديمقراطية، لأن الجميع يعرف أن ألف باء الديمقراطية هو التصويت داخل البرلمان، وفق آليات التصويت التي يحددها الدستور بالأغلبية البسيطة أوالمطلقة أو الثلثين حسب مبادئ الدستور وطبيعة الموضوع المطروح في البرلمان لغرض التصويت عليه، دعوة اتحاد القوى والوطنية لإلغاء التصويت بالأغلبية ، واللجوء إلى التوافق بدلا من التصويت ، من الغرائب التي لم نسمع بها من قبل . نعم، سمعنا في الدورات السابقة عن انسحابات في البرلمان من قبل بعض الأعضاء السنة أوالكرد، لكن لم نسمع بدعوة إلغاء التصويت في البرلمان والتعويض عنه بالتوافق المزعوم .
إن من شروط اتحاد القوى والوطنية كي يعودوا الى البرلمان ، التوافق على إلغاء قانون المساءلة والعدالة ، وإصدار قانون العفو العام ، من غير المرور بآلية التصويت ، واتحاد القوى والوطنية يعرفون جيدا أن بعض الأشخاص المحسوبين على السنة من المشمولين بالقانونين ، أدخلوا أو سهّلوا دخول داعش إلى المحافظات السنية ، لتعيث في الإرض فسادا، وأكثر هؤلاء المتواطئين هم من البعثيين، فهل يريد اتحاد القوى والوطنية عودة البعثيين شركاء داعش في الجرائم من جديد ؟
إلغاء قانون المساءلة والعدالة، وإصدار قانون العفو العام، وشروط أخرى طالب بها اتحاد القوى والوطنية ، كلها تؤشر على عدم السلامة في النوايا ، إننا نعيش في مسرحية سياسية أبطالها سياسيون مشاركون في السلطة ، يعاونهم من خارج الحدود ممثلون كثيرون ، إنها لمهزلة ما بعدها مهزلة، إنْ كانت هذه النوايا .
من المسلمات الأولية لعمل أي برلمان في العالم في جميع الدول البرلمانية ، آلية التصويت داخل البرلمان لتمرير القوانين والقرارات ، وهذا هو المعمول به في جميع الدول الديمقراطية ، ولا يوجد برلمان في العالم لا يعمل بآلية التصويت ، الظاهر إن ممثلي اتحاد القوى والوطنية شعروا أن مطلبهم لإلغاء قانون المساءلة والعدالة ، وإصدار قانون العفو العام لن يوافق على تمريرهما البرلمان العراقي ، فلجأوا إلى دعوة التوافق من غير تصويت، وهذا مخالف للدستور وللعمل البرلماني ، ولعبة التوافق لعبة زرعتها أمريكا في الساحة السياسية العراقية ، وهي منافية للقيم والمبادئ الديمقراطية .
إنّ دعوة إلغاء التصويت واللجوء إلى مايسمى التوافق ، يراد منها نسف العملية الديمقراطية والسياسية، وهي دعوة لا تخدم إلا البعثيين الذين يتآمرون مع أعداء العراق لإسقاط العملية السياسية ، أو تقسيم العراق حسب الرغبة الأمريكية الصهيونية ، أدخلت أمريكا أنواع اللعب لتستخدمها هي أو أعوانها في الساحة السياسية العراقية، وأحيانا يركب موجة هذه اللعب سياسيون بدوافع شخصية ومصلحية ، وكلنا نتذكر لعبة المقبولية التي أثيرت بعد الإنتخابات في ( 2014 م ) واستغلت كورقة لحجب المالكي عن استحقاقه الإنتخابي ونجحوا في ذلك ، لأن جبهة المقبولية انضم اليها عدة أطراف، البعثيون والدواعش والطائفيون من أصدقاء الإقليم الوهابي، إضافة إلى السياسيين المنافسين الذين يريدون أن يحققوا مكاسب خارج الاستحقاق الإنتخابي .
ذكرت بعض الأخبار أن من شروط القائمة السنية للرجوع إلى البرلمان إضافة إلى إلغاء المساءلة والعدالة ، وإصدار قانون العفو العام ، سحب السلاح من فصائل الحشد الشعبي الذين انتفضوا للدفاع عن العراق من داعش وأعوانها استجابة لفتوى المرجعية في الجهاد الكفائي ، وأجزم لولا فصائل الحشد الشعبي لحصل في العراق ما لا يحمد عقباه، وبعض السياسيين السنة يرفضون الحشد الشعبي الذي يدافع عن المدن السنية، ويضحي من أجل تحريرها من داعش ولا يرفضون داعش ، والنوايا من رفض الحشد الشعبي مكشوفة للعيان ، إنها نفس النوايا التي تريد قلب المعادلة السياسية لصالح البعثيين والطائفيين .
ذكرت بعض المصادر شروطا أخرى للقائمة السنية ، منها أن يحصل اتحاد القوى والوطنية على منصب مدير المخابرات ، ووكيل الأمن الوطني ، وقالوا بالنص ((الحكومة حكومة مشاركة وليست شراكة))، وهم يقصدون أنها حكومة محاصصة، والكل يعرف أن لعبة المحاصصة المقيتة هي إحدى اللعب التي زرعتها امريكا في العراق لغرض خلق الفتنة ، لأجل السماح للشخصيات غير الكفوءة في تولي المناصب المهمة بهدف التخريب أو الفساد وعرقلة العمل الجاد، علما إن الآليات الديمقراطية تفرض عل كل مكون أن لا يأخذ أكثر من استحقاقه الانتخابي ، ونتمنى أن يأتي اليوم الذي يتولى المسؤولية الكفوء والمختص ونتخلص من المحاصصة التي أضرت كثيرا بالعراق ، ننتظر أن تسير المعادلة السياسية خارج لعبة المحاصصة ، ويتولى المسؤولية من هو الأكفأ والأصلح بغض النظرعن الإنتماء الديني أو المذهبي أو القومي، وهذه أمنية الشعب العراقي .
أرى من الواجب على جميع السياسيين المتواجدين في الساحة العراقية، من الذين يمتلكون الحس الوطني والغيرة على العراق وشعبه من السنة والشيعة والأطياف الأخرى، أن ينتفضوا لرد الدعوات والمطالب غير المشروعة، على السياسيين أن يكون موقفهم واضحا وصريحا لردّ دعوة اتحاد القوى والوطنية لإلغاء التصويت وتمريرالقوانين بالتوافق، لأنّ هذه المطالب تتقاطع مع إرادة ومصلحة الشعب العراقي، وتتقاطع مع العملية الديمقراطية، وإلغاء لدور البرلمان، وإنهاء للعملية السياسية الجديدة التي تقوم على التداول السلمي للسلطة .
كذلك على الجماهير السنية أن تعلن موقفها صريحا وواضحا وتضع النقاط على الحروف، هل هي تؤيد مطلب اتحاد القوى بإلغاء التصويت بالأغلبية لتمريرالقوانين التي تتعارض مع الدستور والديمقراطية ومصلحة الشعب العراقي ؟
على الجماهير صاحبة المصلحة في ترسيخ قيم ومبادئ الديمقراطية، رفض مطالب اتحاد القوى والوطنية غيرالواقعية، لأن مثل هذه الدعوات تسير بالأمور نحو التأزيم، والظاهر أن بعض السياسيين من أصحاب هذه الدعوات يقصدون خلق الأزمات السياسية وتعقيد المشهد السياسي ، متناسين أن العراق يتعرض لهجوم وحشي شرس من داعش الأمريكية الصهيونية الوهابية.
على الجماهير السنية أن تسأل ممثليها من السياسيين عن دورهم في تحرير مدنهم من داعش، وماذا قدموا في هذا الإتجاه ؟ وعلى الجماهير السنية أن تسأل اتحاد القوى والوطنية لماذا هذا الإنسحاب من البرلمان ومدن السنة تعبث بها داعش ؟ في حين يفترض من هؤلاء السياسيين وهم يدّعون تمثيل السنة أن يقوموا بعمل يخدم تحريرالمدن السنية من داعش بدل الإنسحاب من البرلمان! أليس من الواجب عليهم عدم الدفع باتجاه خدمة داعش من خلال العفو العام عن الدواعش من البعثيين الذين سهلوا دخولها إلى المدن السنية ؟
لقد آن الأوان للقادة السنة الوطنيين مع جماهيرهم المنكوبة بداعش، الثورة بوجه بعض السياسيين من السنة الذين يعّقدون الوضع السياسي، وهم يعلمون أن المستفيد الوحيد من هذا التعقيد والتأزيم هي داعش ومن يتعاون معها ، لقد تعود شعبنا أن يسمع بين فترة وأخرى منذ تشكيل البرلمان ولغاية يومنا هذا ، ممثلو السنة وقد انسحبوا من البرلمان لهذا السبب أو ذاك ، وأحيانا يكون الانسحاب مقصودا لغرض خلق التأزيم ، واليوم في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق ، يطل علينا اتحاد القوى والوطنية وهم يعلنون الانسحاب مالم يمرر قانون إلغاء المساءلة والعدالة، وقانون العفو العام، بآلية خارج السياقات الصحيحة والأصولية في إقرار القوانين داخل قبة البرلمان، وهذا أمر غريب وغير مألوف ويجلب الشك والريبة .
أخيرا أدعو البرلمان أن يكون موقفه صلبا وحاسما، وأن يكون موقفه صحيحا ومنسجما مع الدستور ومصلحة الشعب العراقي، من أجل المحافظة على العملية السياسية والديمقراطية، من غير مجاملة لهذا الطرف أو ذاك .
بقلم: علي جابر الفتلاوي