واحدة من أهم النقاط التي يمكن أن يلتقي عليها السنة والشيعة فيما لو تم التخلص من تنظيم داعش وتطهير مدينة الموصل من عناصره هي العلاقة مع الأكراد المتطلعين الى دور أكبر ووجود أخطر في ظل التحولات الدولية والإقليمية والصراع من أجل الوجود ومحاولة التأسيس لكيان إقليمي منفصل عن المنظومة الإقليمية التقليدية التي كانت تضع الأكراد وعلى الدوام تحت مطرقة الضغط والتنكيل والمنع من التطلع الى مستقبل مختلف.
الأكراد يتوسعون في الجهات الأربع، فهم في العراق يحكمون إقليمهم الخاص المتكون من ثلاث محافظات ويطمعون في كركوك ويحاولون قضم الموصل، ويتطلعون الى مدن وقصبات عديدة تتصل بإيران وتركيا وسوريا وفي العمق العراقي، بينما يحاولون التوسع في سوريا الممزقة ويضغطون في تركيا ويمارسون عنفا غير مسبوق ضد الجيش التركي برغم مايعانيه المدنيون من إعتداءات حكومية في جنوب البلاد.
يعاني العرب السنة من مشاكل عميقة وعقيمة على مستوى المنظومة السياسية الغارقة في المشاكل، لكنهم يواجهون خطر السيطرة الشيعية المطلقة على بغداد وبقية المدن ذات الأغلبية الشيعية، ويحاولون التركيز على مايشكله التكوين المسلح للشيعة من تحد في مناطق يسيطر عليها داعش، وشارك الحشد الشعبي الى جانب القوات النظامية والعشائر في تحريرها، الرمادي وتكريت والفلوجة وديالى مثلا، لكن لايبدو أن الشيعة سيحكمون سيطرتهم على مناطق السنة البعيدة عن تجمعاتهم السكانية في الوسط والجنوب، ولهذا فإن المشكلة الأكبر قد تتمثل في التوسع الكردي الذي يريد إحكام قبضته على كركوك الغنية بالنفط والتي يقطنها عرب وتركمان وكرد لكن العرب والتركمان هم الأكثر تضررا من الطموحات الكردية في المدينة، ولايبدو أن التركمان لديهم قدرة المواجهة مع الأكراد إلا في حال تحالفهم مع العرب السنة هناك، وواضح أن البيشمركة حققت تقدما لافتا بدعم دولي في مناطق من الموصل كان تنظيم داعش يسيطر عليها وهم برفضون مغادرتها، بينما تؤكد تقارير وتصريحات نية كردية في ضمها الى إقليم كردستان، وهو الحال الذي ينسحب على مناطق في صلاح الدين وجنوب كركوك وشمال ديالى وشرقها.
بعض القيادات الشيعية الناقمة على التمدد الكردي تصرح بان المناطق المتنازع عليها مع الاكرد عربية وستبقى كذلك وهم مستعدون للقتال من اجلها وعي في الغالب مناطق للعرب السنة الذين يعانون من الحرج في علاقتهم مع الأكراد حيث يرون توسعهم في مناطقهم لكنهم يعانون أكثر من أزمتهم الحالية مع الشيعة، وهذا ماقد يشكل التحدي الأكبر في مرحلة مابعد داعش ويمكن أن يتصوره البعض نوعا من السكون المؤقت حتى تحين لحظة الحقيقة ويجد العرب السنة أن مناطقهم قد أعلنت جزءا من إقليم كردستان وسيكونون بحاجة الى دعم عربي ومحلي من بقية المكونات العراقية، وكذلك الحكومة المركزية وهو مايمكن أن يؤدي الى صراع مسلح بين العرب السنة والشيعة ومعهم التركمان ضد الأكراد.
البرلمان العراقي الجامع لكل المكونات يمكنه أن يلعب دورا حيويا في تحديد ملامح المرحلة المقبلة خاصة وإنه تجاوز مجموعة من المحن الصعبة، وتمكن من فرض إستراتيجية طموحة وإن لم تكن كافية لكنها تصلح لتكون سبيلا لتوضيح نوع العلاقة بين المكونات والتأسيس لشراكة تقفز على الطائفية والعرقية وتضع الأمور في نصابها بخصوص المنازعات على الأراضي، ونوع الفعل السياسي الذي يمارسه الجميع ويجب أن يفهموا أهميته القصوى في جمع العراقيين وترسيخ إيمانهم بالمواطنة، وعدم التشدد في تحقيق المطالب، بل النظر الى المكونات جميعها بأنها صاحبة حق وهي بحاجة الى تأكيد ذلك الحق وفق الدستور والقانون والحوار الجامع.