حدثّنا الآباء عن الثورة الجزائرية وما عانوه وعايشوه على يد المستدمر الفرنسي من وحشية ، ودمار، وهتك لكل عزيز غال. وبدورنا يروي اليوم الجزائري لأبنائه الجزائريين الذين لم يعيشوا ولم يعرفوا الليالي السوداء للعشرية الحمراء من القرن الماضي، لتكون دافعا لحماية الوطن وحافزا لحفظ الجزائر التي لا نريد غيرها..
كان الجزائري حين يستيقظ من النوم يتحسّس رقبته أولا، فإن وجدها حمد الله على وجودها، وقال الحمد الذي حفظ لنا لنا رقابنا.
حين يخرج من بيته يتخطى رقابا ألقيت، وأجسادا علّقت، ورؤوسا قطّعت، وبيوتا أحرقت، ومباني نسفت، ومزارع أحرقت.
يظل اليوم كله يلتفت يمينا وشمالا، خوفا من رصاصة تخترق الأبدان، أو قنبلة تنسف البنيان، أو سيف يقطع الوجدان.
إن سافر خشي على نفسه قطع الرقاب دون أسباب، وإن بقي في البيت ضيّع رزقه ورزق الأبناء.
الخروج من البيت مبكّر مميت، والدخول إلى البيت متأخرا قاتل، فلزم أن يكتفي بالقليل من الوقت وفي أسرع وقت.
ألغيت من الأعراس الجزائرية وجبة العشاء لأنه لا أحد يأتي ليلا، فاستبدل العشاء بالفطور، وانصرف الجميع في صمت مهيب وكأن على رؤوسهم الطير.
تم إلغاء كل معاني الفرح والعرس بما فيها اليسير الذي لا يضر ويفرح، فتحولت الأعراس إلى أحزان، تحمل العروس وكأنها جنازة فوق رقاب الرجال، حتى ليلة الدخلة تحولت إلى مغرب الدخلة كحد أقصى.
كل يخاف من الآخر، وكل يخشى الآخر خشية أن ينفلت اللسان، فتعود على صاحبها بسوء الأحوال.
كان الرجل لا يستطيع أن ينير بيته، فيفضل الظلمة الظلماء داخل بيته من شدة الخوف والفزع.
كثير من الجزائريين خاصة الجزائريات توقفن عن الدراسة والتعليم، خوفا مما يسيء لكل عزيز وهن النجيبات المتمكنات، ويمكن القول الآن أن الجزائر ضيّعت طاقات علمية بسبب الهلع والفزع الذي أصاب البلاد والنسوة خاصة.
وتمّ تهجير الجزائريين قسرا من أعالي الجبال وأقاص الريف، فتحولوا وهم الذين كانوا يعتمدون على أنفسهم في الرعي والزراعة والأكل إلى متسولين يمدون أيديهم لمن كان أدنى منهم، فيعطيهم هذا ويمنعهم ذاك.
مرض السكر، والضغط، والقلب وأمراض خطيرة أخرى، نمت وانتشرت بشكل فضيع لأن ولدا تم قطع رأسه، وزوجا أخرج بملابس الليل فلم يعد، وامرأة اختطفت وهي في ربيع عمرها. قل لي بربك كيف يكون حال الأم، ومصير الأب، والعروس التي لم تتمتع بأيامها وشبابها، أو العريس الذي اختطفت حبيبته ولم تعد.
هذه هي العشرية الحمراء التي لم تعرفوها، والتي مازالت آثارها بادية على البشر والحجر والشجر، وهي من أحلك وأسوء المراحل التاريخية التي مرت بها الجزائر، والعدو الحاقد هو الذي يتمنى عودة تلك الأيام فلا تمكّنوه، فنخسر الجزائر جميعا.
حافظوا على جزائرنا الحبيبة، واحذروا أن تستبدلوا الأمن بالجمر، والسلم بالشقاء، والمحبة بالعداوة، وحب الوطن بالحرق والتخريب، فإن أمما عريقة قبلنا جرّبت ما يسيء فأصابها ما يصيب الذي يستبدل الذي أدنى بالذي هو خير.
وحفظ الله أبناء الجزائر، وحفظهم جميعا للجزائر، ونسأل الله العافية لبلاد المسلمين جميعا.