تمت محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله من قبل الرئيس الإسرائيلي الأسبق شارون في ديسمبر عام 2001 ، وظلّ محاصرا إلى أن اشتدّ عليه الإعياء والمرض، فوافقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرته المقاطعة على مروحية أردنية إلى مطار ماركا في العاصمة الأردنية ومنها إلى مستشفى بيرسي دوكلامار العسكري الفرنسي في العاصمة باريس. وأخضع للعلاج على يد الخبراء والأطباء الفرنسيين إلى أن توفي في الحادي عشر من نوفمبر 2004 . وقد شاعت منذ وفاته العديد من المعلومات والإشاعات حول عدد من الحالات منها:
1 . الأشخاص الذين رافقوه في رحلة العلاج هذه في باريس ومن كان يسمح لهم بالدخول لغرفته في المستشفى أثناء العلاج، ومن تمّ فعلا من السماح له من قيادات فلسطينية بدخول غرفته.
2 . الأشخاص الذين لهم الحق حسب القانون الفرنسي في تسلم التقرير الطبي الخاص بوفاته، وقيل آنذاك أنّه حسب القانون الفرنسي فإنّ زوجته السيدة “سهى الطويل” هي الوحيدة التي لها لها الحق في استلام التقرير وهذا ما كان حسب ما نشر من معلومات.
3 . إن كانت السيدة “سهى الطويل” قد تسلمت التقرير فلماذا لم يتم تسليم نسخة منه للسلطة الفلسطينية أو لماذا لم يتمّ نشر معلومات ذلك التقرير الفرنسي، لأنّ وفاة زعيم وقائد في وزن الرئيس عرفات لا يمكن اعتبار المعلومات الخاصة بأسباب وفاته سرّية، بل هي في كافة الأعراف علنية ويجب إطّلاع الجميع من كافة الجنسيات عليها.
4 . تردّد آنذاك أنّ بعض أفراد عائلته ضد فتح قبره كي يحصل الخبراء السويسريون على عينات لفحصها، ولكن تمّ ذلك في النهاية وحصل خبراء روس وسويسريون على هذه العينات.
التقرير الفرنسي الفضيحة
وأخيرا بعد حوالي تسع سنوات من وفاته، نشر الخبراء السويسريون تقريرهم الطبي المكون من 108 صفحات حيث أثبت علميا وطبيا أنّ مستويات مادة (البولونيوم 210 ) المشعّة في جثمان الرئيس الراحل تجاوزت المستويات الطبيعية ب 18 مرة بناءا على تحليل عينات من ضلوعه وحوضه والتربة التي امتصت بعض رفاته. وقد أحدثت هذه النتائج ضجة قوية لإثباتها حدوث جريمة عالمية إلى حد أنّ الخبير الجنائي البريطاني البروفيسور ديفيدباركلي صرّح قائلا: (لو كنت قاضياً ومحلفاً فهذه أدلة قطعية في نظري لا يوجد أدنى شك أن (البولونيوم 210) تسبب في موت عرفات. كل شخص لديه كمية قليلة من البولونيوم في عظامه لكن كميات البولونيوم في ضلوع عرفات التي تم تحليلها900 ميليبيكريل وهذا يعني ثمانية عشر مرة أكثر من المستوى الطبيعي في جسم الإنسان). ومن المعروف أنّ هناك طرفان فقط على تماس من الرئيس الراحل عرفات أثناء حصاره في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله طوال حوالي ثلاثة سنوات، هما الطرف الفلسطيني المكون من عدة شخصيات من الصف الأول المقربين من عرفات قبل حصاره، والطرف الإسرائيلي المحاصر لمبنى المقاطعة فقط، فلم يدخل مبنى المقاطعة طوال سنوات الحصار الثلاثة أي زائر من أية جنسية أخرى، خاصة أنّ الرئيس الإحتلالي شارون كان يصرّ على استمرار حصار الرئيس عرفات حتى الموت.
إذن من أوصل سمّ البولنيوم لجسد عرفات وكيف؟
إزاء هذه الحيثيات والمعلومات التي لا نقاش فيها ، فالسؤال المهم بنفس أهمية مستوى إثبات وجود سمّ البولونيوم في جثمانه، هو: من أوصل هذا السمّ القاتل لجسد الرئيس عرفات، وهذا التوصيل لا يتمّ إلا بطريقة من ثلاثة: إما الحقن المباشر أو في طعامه أو في شرابه. ومن كان يقوم بهذه المهمات الثلاثة؟. من المؤكد وغير القابل للنقاش أنّه لم يكن يوجد أي إسرائيلي مدنيا أو عسكريا داخل مبنى المقاطعة، كي يقوم بواحدة من هذه المهمات الثلاثة، لأنّ كل من كان يقدّم للرئيس الدواء أو الحقن ويعدّ ويقدّم له طعامه وشرابه، هم من الفلسطينيين الموجودين معه في مبنى المقاطعة، وكما كنّا نتابع حصاره فكل هذا الطاقم الفلسطيني الموجود مع الرئيس كان حرا في الدخول والخروج، والمنع الإسرائيلي كان يسري على الرئيس فقط.
إذن وكإستنتاج منطقي فإنّ من دسّ السم هو أحد الفلسطينيين،
الذين كانوا يتواجدون مع الرئيس الراحل ويدخلون ويخرجون من مبنى المقاطعة كما يريدون، فلماذا تتناسى السلطة الفلسطينية هذه الحيثية خاصة على ضوء التصريحات المنسوبة للسيدة سهى الطويل زوجة الرئيس المنشورة في العديد من المواقع الإليكترونية التي تؤكد فيها قائلة: “البولونيوم تم جلبه من مُفاعل نووي ولا مجال لتحضيره إلا بمفاعل نووي، و أن من وضعها بجسد الشهيد أبو عمار هو شخص مقرب منه ” وهذه الحلقة التي لا زالت مفقودة”. ونسبت بعض المواقع للسيدة سهى نقلا عن مقابلتها مع موقع دنيا الوطن قولها: ” أن المادة المشعة قد تكون دخلت إلى جسد عرفات إما عن طريق حقنة طبية أو كأس شاي أو ماء ، وهو ما يعني أن الفئة المشكوك بها ضيقة إلى حد بعيد”. مؤكدة أنّ القاتل موجود في رام الله مطالبة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري بالتدخل والمساعدة في أمر كشف هذا الشخص الفلسطيني بالطبع، خاصة أنّ زوار عرفات في حصاره كانوا محدودين.
ومسيرة المقاومة الفلسطينية مليئة بالجواسيس،
ويكفي أن نذكر أشهر جاسوسة في تاريخ المقاومة وهي “أمينة المفتي” التي كانت لها في بيروت سطوة وتأثيرا جسديا على العديد من قيادات المقاومة، وأوصلت لدولة الاحتلال كما هائلا من المعلومات ساعدت في اغتيال العديد ومنهم (أبو حسن سلامة) زوج ملكة جمال العالم السابقة جورجينا رزق وأحد أهم مسؤولي الأمن والعمليات في حركة فتح. وقد تم كشفها واعتقالها عام 1975 إلا أنّه تمّ الإفراج عنها ضمن صفقة تبادل أسرى وسجناء مع دولة الاحتلال عام 1980 ، وعادت إلى دولة الاحتلال معتنقة الديانة اليهودية، وكانت قد تزوجت من ضابط سلاح جو إسرائيلي قيل أنّه اختفى إثر سقوط طائرته على الجبهة السورية، وهناك من يقول انّ اسمها موجود على الباب الرئيسي لمبنى الموساد ضمن قائمة أهم الجواسيس الذين قدموا خدمات جليلة لدولة الاحتلال.
كما أنّ هناك عشرات الجواسيس والعملاء،
الذين قبضت عليهم السلطة الفلسطينية في الضفة وحركة حماس في قطاع غزة، وتمّ إعدامهم مع نشر أسمائهم وصورهم الحقيقية، وقد أعدمت حماس تحديدا العديد منهم منذ سيطرتها على القطاع في عام 2007. لذلك نسأل بصوت عال علّ هناك من يسمع:
من هو الفلسطيني القريب من دائرة الرئيس عرفات، وأدخل السمّ لجسده حقنا أو عن طريق طعامه أو شرابه؟