لم يكن يعلم الحاج هادي ابن مدينة الكاظمية انه سوف لن يُتمم فريضة الحج التي يحلم بأدائها طيل حياته حينما تلقى مكالمة هاتفية من العراق، وعادة ماتكون تلك المكالمات مليئة بالشؤم والاخبار التعيسة، مفادها حدوث أمر خطير قد تعرض له احد ابناءه وعليه ان يعود للعراق لكونه المسؤول عنه ولايمكن ان يتم اتخاذ قرار الا بوجوده !.

حاول هادي معرفة ماحدث وهل يستوجب الامر الطلب منه الرجوع للعراق وترك فريضة الحج منه لكن الطرف الاخر في المكالمة، وهو اخيه، المح له بان الموقف حرج وغير هين ويتطلب بالضرورة عودته، فتهيء هادي للعودة للعراق فورا خصوصا بعد ان لم يستطع ان يتحدث مع زوجته ولا اي ولد من اولاده بالهاتف حيث كان الهاتف مغلق او خارج نطاق التغطية !.

سمع هادي وهو يتحضر للرجوع بوقوع تفجيرات ارهابية في العراق في مناطق مختلفة منه وكانت الصدمة الثانية له بعد صدمة المكالمة هي ان هذه التفجيرات قد وقع بعض منها في منطقته السكنية ليضع يده على قلبه الذي بدأ يشتعل منتقلا من الشك الى اليقين بحدوث مكروه على عائلته المكونة من زوجة واربع ابناء ثلاثة منهم اولاد والرابعة بنت صغيرة.

وصل هادي الى العراق وكان يتصل حينها باخوته وحينا اخر بزوجته واطفاله الذين لم يرد احد منهم فصرخ وهو على حدود بغداد بوجه احد اخوته ” مالذي يحصل لماذا لا يرد ياسر ؟ وام ياسر ؟ اين منتظر ؟ وهدى ؟ انا الان في طريقي لبيتي …فسمع اخاه يبكي ويقول لها ياخي لاتذهب لبيتك تعال لبيت العائلة فلم يعد هنالك بيت ولا عائلة ولا ابن ولا أبنة ولا زوجة!.

 ادرك حينها هادي هول الفاجعة وعظم المصيبة التي اصابته اذ عرف بان هنالك سيارة مفخخة وضعها ارهابي، خلا قلبه من اية رحمة او ضمير أنساني ، امام بيته لتنفجر على هذا البيت وتدمره وتقتل وتحرق من فيه ومن ضمنهم الشاب المهندس ابن اخت زوجة الحاج هادي الذي جاء ليسكن معهم في فترة غياب الحاج هادي عن البيت اثناء ادائه الحج.

يقول الذين حضروا التشيع الكبير لعائلة الحاج هادي ان الاخير كان يُلقي بقطع ” الجكليت” على توابيت عائلته ويهتف ” عريس وربعه يزفونه ” وهو يقصد ابنه ياسر الذي قالوا بان اباه قبل ان يسافر للحج قد خطب له أمراة وكان ينوي تزويجه اياها بعد رجوعه من الحج! كما ان الحاج هادي صاحب هذه الفجيعة كان يقف مشدوها وصامتا ولم يتكلم كثيرا في عزاء عائلته في الكاظمية التي حضرها المئات من المواطنين ممن هالهم عظم هذه الرزية والفاجعة التي حلت بهذه العائلة المعروفة في مدينة الكاظمية.  

بالطبع ليس من السهولة الان تصوير وضع الحاج هادي النفسي والاجتماعي الكامل أو التنبؤ بما سيكون عليه في الفترة المقبلة لان الموضوع بمجمله يخضع لمدى تقبل هادي للصدمة وتعامله معها، خصوصا اذا ادركنا أن  سوء ادارته لهذه الازمة وعدم استيعابه لما حدث قد يؤدي الى  انهيار عصبي تام لهذا الشخص المعروف في وسطه الاجتماعي بالنجاح والاستقرار في عمله.

هذا العملية التي نعجز عن وصف خستها وخلو من ارتكبها من اي ضمير او وازع اخلاقي ولايمكن تحت اي مبرر او حجة ان نسوّغها مهما كانت الغاية التي تقف ورائها…اقول هذه العملية هي نموذج صارخ لما يحدث في العراق من اجرام وقتل ومذابح من قبل الارهابيين الذين مافتأوا يسفكون دم العراقيين الابرياء ويهتكون اعراضهم ويذبحون ابنائهم بدعم مباشر من دول الجوار التي تقف وراء اجندات هذه الجماعات الارهابية الخبيثة.

قد يقول قائل بان ماحدث لعائلة هادي ليس بجديد على مايحدث من أفعال تُرتكب في العراق من قبل الجماعات الارهابية التي احترفت قتل المواطن العراقي وبشتى الطرق والاساليب، فقد شهدت الاعوام المنصرمة بعد 2003 مئات العمليات الارهابية التي لم يتوان فيها الارهابيون عن استهداف الابرياء من نساء واطفال وشيوخ دون ادنى رحمة او تبكيت ضمير..وهو تذكير مقبول وصحيح مبدئيا لكن مانود الاشارة اليه هنا الى اننا نستغرب وبشدة ان تستمر هذه الجماعات في غيّها واجرامها بعد خروج الاحتلال من العراق فضلاً عن عدم قدرة الحكومة على التصدي لها وايقاف عملياتها المسلحة الاجرامية الغادة ضد ابناء الشعب العراقي الاعزل.

كما ان هنالك مسألة غاية في الأهمية تتعلق بما يشعر به المواطن من أمان في ظل هكذا عمليات اجرامية ترتكبها الجماعات المسلحة وسط غياب امني واضح وفاضح في نفس الوقت، فحدوث عملية ارهابية قذرة مثل ماتعرضت له عائلة هادي يعني ايصال رسالة فحواها انه لاتوجد عائلة عراقية في امان في اي منطقة في العراق، اذ كيف تنام عائلة عراقية ليلها في بيتها وقد احكمت أغلاق ابوابها لتصحو صباحا لتجد نفسها قد انهار البيت عليها لترحل بعدها مظلومة مضطهدة الى حيث العالم الآخر؟ اي أمان سيبقى للعراقيبن وهم يشاهدون حدوث مثل هكذا جريمة ؟ واين الحكومة واجهزتها الامنية وماهو رد فعلهم الاستباقي على مثل هكذا خرق أمني لايمكن الا ان يكون هنالك ورائه مقصرين يستحقون ان يساقون الى العدالة ؟    

ان جريمة قتل عائلة الحاج هادي ستضل شاهدا على عصر تلطخ بدم العراقيين وعانى منه شعبنا المسكين من مذابح وابادة جماعية ارتكبتها ايدي آثمة لم تستطع، لكل اسف، الحكومة العراقية وقواها الامنية ان تجتثهم وتقتص منهم بل توجد هنالك اطراف سياسية في العراق تدافع عنهم وتسعى لاخراج معتقليهم من السجون تحت ذرائع شتى  لعل اسخفها هو الدفاع عن حقوق الانسان.

فعائلة هادي هي ” عراق مُصغر” يتعرض لابادة منظمة ومجازر ممنهجة تسعى فيها تلك الجماعات لاغتيال أمة ….قتل شعب …حذفه من الوجود..سرقة الامان والبسمة من على شفاه اطفاله التي تشهد كل يوم فقدان ابائهم وامهاتهم…لكن في حالة هادي شهدنا وضعا مغايرا…فلم يقتل الارهاب الاب ليتركوا عائلته يتيمة تبكي فقد رب اسرتها.. بل ابادات عائلة كاملة لتترك الاب يعيش لوحده من غير عائلته التي فارقت الحياة.

لك الله ياقلب هادي ! ماذا تعاني الان ؟ واي أنهار من حزن تجري في نفسك المنكسرة؟ واي أمطار من الآهات تخترق صدرك الجريح ؟ وكيف سيتم تعويض خسارتك؟ ومن يستيطع ذلك؟  استغفر الله ! هل قلت تعويض ؟ اي تعويض هذا الذي تجرأت ونطقت به مهند ! هل يمكن ان نعوّض هادي مقتل زوجته واولاده الاربعة وابن اخت زوجته؟ كيف سيغمض جفنك ياهادي بعد ذلك لوحدك من غير عائلتك التي ذهبت في لحظة كفر عبثية تتصاغر امامها الكلمات وتنزوي المفردات خجلة من هول ماحدث وضخامة ما اسفر عنه  تفجيرات صباح الثلاثاء الماضي الاسود وسط سبات أمني حكومي مُحيّر !

الايمان بالله وحده دون غيره من الخيارت الاخرى يمكن ان يخفف معاناة هادي ومأساته التي ليس بسهولة على اي أنسان ان يتعامل معها، فالكل ياهادي راحل وليس عائلتكم فقط ! ومهما سيطول بنا البقاء في هذا الحياة فسوف نرحل جميعا !  لكن هنالك فرق كبير بين من يرحل مظلوما مضطهدا في هذه الحياة وبين من يأتيه الموت ويديه متلطخة بالدم وقتل الابرياء وسرقة مال عباد الله الفقراء !

 

ملاحظة/القصة اعلاه حقيقية لكن الحوارات التي فيها هي من خيال الكاتب.