أي دور للمثقف العربي في ظل الربيع العربي أو الثورات العربية ؟ سؤال بات ملحا اليوم أما عديد التجاذبات الفكرية والأيديولوجية التي أصبحت تعصف بالشعوب العربية وأمام عديد الصيحات التي بدأت مشككة في صدقية المدّ الثوري المترجم للوعي الجاهز لتفعيل الديمقراطية بعد عقود من التهميش والتغريب و الإستنزاف غيبت الفكر المنظر للثورة و المبرمج لها و المعد لخططها وخطاباتها مثلما حدث مع الثورات الثلاث الكبرى ( الفرنسية و الأمريكية و الروسية … ) فكيف تكون هناك ثورة بلا مثقفين ومفكرين وفلاسفة ؟هؤلاء وإن كانوا شبه غائبين في ساحات المواجهة في الشوارع و الميادين أيام الثورة في تونس أو أو مصر أو ليبيا …ساحات عمّرها شباب متحد يصرخ بأوجاع واقع مترد رزحت تحته شعوب عانت ويلات الإستبداد والذهب والقهر و الفساد … هؤلاء أين هم اليوم ؟ وماهو دورهم في فترات إنتقالية تبحث لها السند المرجعي و الفكري حتى تنجح في تحقيق الحلم ؟
بداية نشير إلى مبدأ الإستقلالية النسبية التي يتمتع بها المثقف العربي فالمثقف العربي عموما ، لم يكن يجرؤ حتى وقت قريب على أن يقول للشعب و المجتمع وقبل شيء للسلطة الإستبدادية ما يريده أو يفكر فيه ويتطلع إليه بالتحديد ، مما شوه طبيعة العلاقة .المثقف العربي الحامل للمعرف يصيغها وتعبيراتها المختلفة و القادر على صياغتها بشكل علمي/جدلي/إبداعي في رؤيته للعالم و الواقع و المجتمع العربي بعد هذه الثورات العربية وهذه الهزات التي أتت على أكثر من ديكتاتورية.لكن الملاحظ أنه هناك البعض من المثقفين الذين آثروا الإنعزال عن ما يدور حولهم من تحولات وعن قضايا مجتمعهم وشعبهم. والبعض الآخر رفض الخنوع والتدني المعرفي تحت عنوان هيبة السلطة وإحترام الحاكم واجب. هذا الإحترام يهدف لتكريس التخلف والإستبداد و الفساد والذي هو إنعكاسا لوعي زائف ومغيب تحت وطأة مصالح فئوية خاصة للنخب الحاكمة ، التي تفرض الطاعة و الولاء لها.كل ذلك أدى إلى تكريس الدولة الريعية /الإستبدادية/ المتسلطة التي نواتها الحكم الفردي المطلق .وفي هذا المستوى نستدعي تحرك المثقف العربي في مواجهة هذا الحكم بشكليه الأتوقراطي/المطلق أو الديكتاتوري الرث ، الذي صادر وشخص الدّولة و المجتمع في اآن معا في شخص الحاكم وبطانته الفاسدة ،المحتكرين لأنساق السلطة و القوة والثروة ، حيث لا يمكننا مطالبة المثقف العربي ،الذي يقف إلى جانب الأنظمة الحاكمة التي قامت بأدلجة الثقافة و المثقفين لصالحها ، بموقف إيجابي لصالح الإنتفاضات و الثورات الشعبية التي تقودها الشعوب ضد الأنظمة الديكتاتورية ،على الرغم من أن هناك إرتباطا وثيقا بين الإبداع ،والثورات الشعبية حيث يشترط أن يكون الإبداع هنا مرتبطا بأحلام الناس وتطلعاتهم وأن يكون المبدع مرتبطا بإنسانيته ، بعيدا عن الإلتحاق بالسلطة ومؤسساتها القمعية و التعبوية ، بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية التي تحول الإبداع إلى سلعة وتجارة في إطار مصالح آنية تزول بزوال الأشخاص.
ومن البديهي أن تزداد الحاجة لدور مهم للمثقف كلما إزدادت التحديات التي تواجه الشعوب و المجتمعات بإعتباره إنسانا يتميز عن باقي أفراد المجتمع بقدرته العالية على التفكير وإدراك الخطر و التحديات التي يتعرض لها المحيط الإجتماعي الذي يعيش فيه وقدرته على التعبير بما يؤثر على قناعات الناس ومساعدتهم في تكوين الآراء وإتخاذ المواقف المطلوبة منهم،حيث يعد النقد أحد أهم أبعاد دور المثقف ،سواء كان نحو السلطة وسياساتها القمعية أو كان موجها لأي فكر سياسي أو ديني أو إجتماعي.
ومن الهمية بمكان أن نقول أن ما يحدث في تونس ومصر من ثورة وإحتجاجات كان نتاج حاجة الشباب العربي للعيش بكرامة ،ولم يكن نتاجا لأي نشاط آخر أسهم فيه المثقف العربي أو السياسي المعارض وهذا يثبت غياب دور هؤلاء لعقود طويلة ،خاصة المثقف الذي إندمج مع السلطة وربط وجوده بها وببقائها .
فالشباب العربي إكتشف اليوم أنه قبل أن نفكر في أي شيء ،عليه التحرر أولا من قيود الفقر والبطالة والذّل وأن ذلك لن يتحقق من خلال الهجرة وترك الأوطان ، كما كان يفعل معظم الشباب العربي ،بل من خلال إزالة الحكومات بكل مفاصلها ومفكرتها ومؤسساتها ،كي نتمكن من إثبات أن الدّماء و الموت لا يساعدان إلا في تأخر الدّول ، وأن ما يسهم في تقدمها هو عرق أبنائها وإبداعاتهم ،حين يشعرون بأنهم ينتمون فعلا لوطن يعترف بقيمتهم الإنسانية ولا يعتبر المواطن فيه مجرد نسمة أو رقم من الممكن أن يضحي به.
وما نستخلصه أن غياب المثقف بات واضحا في المشهد العربي وتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ،لأنه نسي رسالته الإنسانية وربط نفسه بالأنظمة الديكتاتورية التي رحلت وسترحل وتترك له تركة ثقيلة ووزر الدّماء التي أراقتاه تلك الأنظمة ،في ظل تأييده لها طيلة سنوات حكمها.