” أوبن بوفيه ” مناقشات الماجستير والدكتوراه معضلة بحاجة الى حل !!

احمد الحاج

كثيرة هي الخطوات الجادة والمهام الصعبة الواجب إتباعها في هذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد لغرض الإصلاح في جميع مؤسسات الدولة عموما والمؤسسات التعليمية والأكاديمية على وجه الخصوص ونحن نعيش ضغط الشارع لمكافحة الفساد وإحالة الفاسدين الى القضاء ، ولاشك أن تظاهرات 1- 25 اكتوبر / تشرين الأول ممن يحلو لبعض المراقبين تسميتها بـ” ثورة التك تك ” قد إندلعت بفعل عوامل عدة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير لعل من أبرزها مطالبات خريجي الدراسات العليا خلال إعتصام مفتوح بالتعيين ضمن الملاكات التدريسية في المعاهد والكليات والجامعات العراقية أسوة بأقرانهم لينتهي الاعتصام بخراطيم مياه قوات مكافحة الشغب أمام مكتب رئيس الوزراء وسط العاصمة بغداد على مرآى ومسمع من العالم كله بدلا من إنصافهم ، سبقه تعرضهم الى حادث دهس ليلي عرضي عن غير قصد بـ” ستوتة ” يقودها مخمور أمام مبنى وزارة التعليم حيث كانوا يعتصمون هناك لأسابيع ، ما أثار حفيظة الشارع المثخن بالجراح وأصابه بمقتل والكل يعتصره الألم وهو يتساءل ” اذا كان حملة الشهادات العليا يتعرضون لكل هذا الغبن والحيف والتفريق بالقوة نساء ورجالا ، فما بال الأميين وأنصاف المتعلمين من عامة الشعب ؟!”.

ولا يفوتني هنا التذكير بأن العراق صار خارج التصنيف العالمي لجودة التعليم بمراحله كافة ” الابتدائية ، الثانوية ، الجامعية ” وبات يشارك ذلكم الخروج المذل دولاً فقيرة تشهد حروبا أهلية ومجاعات نحو اليمن ، ليبيا ، الصومال ، سورية بحسب مؤشر دافوس للتعليم ، سبقها تذيل العراق لتصنيف ويبوميتركس الاسباني العالمي الذي يصنف الجامعات بناء على مدى فاعلية مواقعها الالكترونية وتتصدره الجامعات الاميركية وفي مقدمتها جامعة هارفرد وستانفورد ، والجامعات الاوربية وعلى رأس قائمتها اكسفورد وكامبريدج ، بالتزامن مع تلكؤ العراق ولأسباب تقنية بنشر البحوث والملخصات في مجلات رصينة محكمة تؤهله لدخول تصنيفات مهمة جدا تعتمد على بيانات البحث العلمي كـ ” سكوبس ، كلاريفيت ، شنغهاي ” والأخير يعتمد الحصول على جائزة نوبل ووسام فيلدز للخريجين والتدريسيين والنشر في المجلات العلمية الكبرى كمعايير لتقييم الجامعات صعودا أو هبوطا بنسبة طردية !

المراقبون للشأن العراقي شخصوا طيلة الفترة الماضية وجود خلل كبير أسفر عن جل التداعيات الانفة في مجمل المنظومة التعليمية في العراق لابد من مكافحتها وإجتثاث شأفتها سريعا ، منها ما يتعلق ببروز ظاهرة الجامعات والمدارس الأهلية ،كثرة العطل الرسمية وشبه الرسمية ،كثرة الاحتفالات بالمناسبات الوطنية والدينية وحفلات التخرج المبكرة والمتأخرة داخل أروقة الجامعات على حساب اكمال المناهج الدراسية ، قلة المختبرات والاعتماد على المناهج النظرية من دون العملية ، كتابة وبيع الرسائل والأطاريح الجاهزة لبعض المناقشين الكسالى أحيانا مقابل المال ، إستشراء ظواهر الغش في الامتحانات ، المحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة في التعيينات والقبولات ، هجرة الكثير من الكفاءات والخبرات نتيجة التهديدات والاضطرابات في بعض المحافظات ، اضافة درجات خاصة الى عموم المعدلات السنوية حتى إن بعضها ليتخطى حاجز الـ 100% ليصل الى 110 – 120 بما لا تجد له نظيرا في العالم بأسره قط ، ولن أتناول هنا ما بات يعرف بالشهادات المزورة أو غير المعادلة أو غير المعترف بها محليا وكذلك شهادات الجامعات المفتوحة والتعليم عن بعد ، لوجود ضوابط نجحت الى حد كبير في كبح جماحها لضمان عدم تسلل اصحابها الى الجامعات بالعموم مع عدم قدرتها على منعهم من خوض الانتخابات النيابية والمحلية وحصد المناصب والمزايا الثقافية والاجتماعية من خلالها ، وهناك ظاهرة لابد من الالتفات اليها جديا بعد ان أضحت هما يؤرق طلبة الماجستير والدكتوراه في عموم العراق بكل ما تعني الكلمة من معنى ، ولربما تعد واحدة من أسباب تدهور التعليم في العراق وخروجه من التصنيفات العالمية لجودة التعليم الا وهي ظاهرة ” الكرزات ، القوزي على تمن ،الأوبن بوفيه ، العزائم والولائم ” قبل وخلال وبعد المناقشات حتى اصبحت عرفا فاسدا لا يجرؤ طلبة الدراسات العليا على التخلص من دائها العضال البتة فيما لا يقوى المئات منهم على تحمل أعبائها المرهقة وتكاليفها المادية المجحفة في ظاهرة تكاد تقترب من الابتزاز اذ إن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام ، ومن طلبة الدراسات العليا المجتهدين من لا يجد قوت يومه وليس له مرتب ولا دخل ثابت يعينه على تمشية أموره المعيشية فما بالكم بإطعام المتخمين والميسورين من المشرفين وأعضاء لجان المناقشين في مطاعم خمس نجوم بعد انتهاء المناقشة خارج الجامعة تارة ، او بنصب الموائد العامرة بما لذ وطاب داخلها تارة أخرى معظم تكاليفها تدفع عن طريق الاستدانة ، والذريعة المسلفنة هي الفرح بالنجاح بما يشبه إفراغ جيوب الآباء بالأكراميات في مستشفيات الولادة ، اسوة بذوي المرضى في الردهات على مقربة من صالات العمليات بعد نجاحها ، بل وفشلها ايضا ؟!
وبنظرة خاطفة على ظاهرة ” اوبن بوفيه ” وموائد وتكاليف المناقشات يتضح لك جليا بأن المناقشة الخالية من الغمزات واللمزات والهمسات والتقاعسات يجب ان تتضمن دفع تكاليف حجز القاعة ” 50 الف دينار ” + تكاليف تنظيفها ” 30 الف دينار ” + قطع كيك بـ 50 الف دينار + كيلو كرزات مشكل + 2 درزن عصائر زجاجية + 2 درزن بيبسي كولا + 25 الف دينار تصوير + 25 الف دينار اكرامية + إما عزيمة معتبرة خارج الجامعة ، وإما وليمة كبرى داخلها ” يعني قوزي على تمن مع بقية المرطبات والحلويات والفواكه والمقبلات !!” ، مع ان طالبي الماجستير والدكتوراه سبق لهما ان دفعا ما لايقل عن مليوني دينار فيما اذا كانا على القناة العامة كمستلزمات الطباعة والاستنساخ والتجليد و المراجع والمصادر والذهاب والاياب طيلة السنة التحضيرية وما بعدها ” ، اما اذا كانا ضمن قناة النفقة الخاصة فالتكاليف هنا ستقفز الى ما لايقل عن 12 مليون دينار للماجستير ، وضعفها للدكتوراه بحسب التخصص ،فهل هذا عدل وانصاف ؟ وهل تلكم الولائم والعزائم والكرزات تمتُ للتعليم بأدنى صلة ؟!
لي أصدقاء ومعارف كبار في السن سبق لهم ان تخرجوا في مختلف جامعات العالم الرصينة بما فيها جامعة هارفرد الاميركية لم اسمع من اي منهم من حدثني بمثل هذا الهراء الذي نسمعه هاهنا اطلاقا ، بل إن معظمهم قد اشار الى أن جلسات المناقشة تكون في معظم الاحيان سرية لا علنية يحظر على اقرب المقربين دخول قاعة المناقشة احتراما للطالب الذي قد يبدو عليه الارتباك ويستبد به القلق ويظهر منه ما يخجل من اطلاع المقربين عليه ،علاوة على الحيلولة من دون التأثير على لجنة المناقشة ، فما بالك – بالمشوي والمحشي – بعدها ، وهناك ظاهرة اخرى الا وهي ان العديد من المشرفين وكما اخبرني غير واحد من طلبة الدراسات العليا لايتابعون طلبتهم الا لماما واحيانا عبر الهاتف وبعضهم لا يحضر جلسة المناقشة حتى متذرعا بالمرض أو السفر مع ان المشرف يتقاضى مخصصات شهرية طيلة اشرافه لا تقل عن 150 الف دينار تزداد بإطراد بحسب الدرجة العلمية والتخصص .
وخلاصة القول ان المطلوب حاليا هو القضاء على ظاهرة العزائم والولائم والحلويات والعصائر خلال المناقشات وما بعدها كليا ونهائيا كونها لا تليق بالتعليم الجامعي ولا تتناسب مع من تصدوا لهذه المهمة الكبرى في اعداد اساتذة المستقبل وهم من خيرة المجتمع وعلية القوم ولاريب، ناهيك عن ما يبدد فيها من أموال عبثا قد يكون الطالب أحوج ما يكون اليها في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها العراق ، مع التشديد على متابعة المشرفين لطلبتهم وعدم تركهم هملا والا فما الجدوى من صرف مخصصات للمتنصلين منهم من غير اشراف ومتابعة تذكر لمن شاءت الاقدار ان يشرفوا عليه وهم قلة ولاشك ، آمل ان يكونوا كذلك . اودعناكم اغاتي