💥أهمية التسامح في بناء المجتمعات
بقلم / د. نبيل احمد الأمير
قال الله تعالى:
{وَأَن تَعفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [البقرة:237] ..
صدق الله العلي العظيم .
تُشير هذه الآية الكريمة إلى فضيلة من أعظم الفضائل التي عرفتها البشريَّة، وهي فضيلة التسامح، ويُعرَّف التسامح بأنَّه قدرة الفرد على التساهل مع غيره من الناس عند إساءتهم له، والتسامح صفة من صفات الحُلم والطيبة النادرة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنَّ القدرة على التسامح مع الناس تُعدّ أمرًا عظيمًا، كما أنَّ للتسامح عدّة مفاهيم مختلفة، وتُشير إلى أكثر من دلالة، فالتسامح الفكريّ يكون بتقبّل الآخر كما هو عليه، واستيعاب طريقة تفكيره الخاصّة، والتسامح الدينيّ يتجسّد باحترام الأديان الأخرى والتعامل مع من يؤمنون بها باحترام.
توجد الكثير من مفاهيم التسامح المختلفة والتي تصبّ جميعها في فكرة واحدة، وهي القدرة على تجاوز جميع الخلافات الموجودة لدى الفرد مع الآخرين وتخطيها كلياً، ومن الجدير بالذكر ورود الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبويَّة التي دعت إلى مفهوم التسامح والعفو عن الناس عند المقدرة .
والإنسان القادر على التسامح يتّصف بالكرم الأخلاقي والخُلق الحسن، وفي هذه الأخلاق يكون مُتبعاً لأحكام الشريعة الإسلاميَّة وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وأهل البيت الكرام، فالتجاهل وغض النظر عن عظائم الإساءات يُعد من أكثر الصفات الإنسانيَّة سموًّا، وأكثرها فضلًا، والإنسان المتسامح مع الآخر متصالح مع نفسه من الداخل وقادر على مواجهة الأزمات والتعامل معها بمنطقيَّة، رغم تعرّضه للإساءة من البعض إلّا أنَّه قادر على تقبّل هذه الإساءات دون أن يجعل لها قيمةً في حياته الخاصة طالما لا ضرر منها، ولا أهمية لها، وفي هذا المقال حديث عن آثار التسامح في بناء المجتمع.
التّسامح يترك أثرًا طيبًا في قلب صاحبه، فهو يخلّصه من مشاعر الحقد والغلّ على من تعرض له، كما أنّه يترك أثرًا طيبًا في قلوب الناس المختلفين، والتسامح بالعموم كصفة ينشر المحبة والطيبة في المجتمع، فلا مانع ان يُمارس الجميع حريّاته دون أن تنشب الخلافات أو المشاكل، شرط عدم التعرّض للإساءة، ومن آثار التسامح أيضًا نيل رضا الله وبالتالي يرضى الإنسان عن نفسه، فيشعر بالسعادة وتزيد ثقته بنفسه، ممّا يزيد إنتاجيته ونشاطه فينشغل بأعماله عن تتبّع أخطاء الناس وزلّاتهم.
قال تعالى: ((وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) .
ان التسامح يعزّز قيمة التعايش بين أفراد المجتمع، ويصون الحريات العامة، فتكون النتيجة حياة كريمة وأمان وحرية تعبير وممارسة الطقوس والمعتقدات دون تعدٍّ أو مضايقة أو تحقير مِمَّن يختلف عنهم في معتقد أو عرق أو ثقافة.
ان الصدر المُتسامح والمرتاح نفسيًّا هو من لا يحمل غلّا ولا حقداً في قلبه وهذا يؤثر على سلامة الجسد، فحسب دراسة أجراها علماء من جامعة تينيسي لملاحظة أثر التسامح على الأفراد لاحظوا زيادةً في ضغط الدم وزيادة التوتر العضلي على 20 شخصًا ممّن خضعوا للدراسة واعتُبروا متهوّرين وغير متسامحين مقارنةً مع العشرين الآخرين الذين أظهروا تسامحاً حول أحداث شعروا فيهما بالخداع والخيانة.
التسامح أيضاً يصنع مجتمعًا قوياً متماسكاً، لا وجود للفتن والمشاكل فيه .. والتسامح يغلّب المصلحة العامة على الخاصة، فلا يفكّر الفرد في نفسه فقط بل يبحث عن استقرار مجتمعه وأمانه .. وإنّ أجمل صور التسامح في المجتمع الإسلامي كانت منذ عهد النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم، ومنذ تأسيس الدولة في المدينة، إذ إن النبي أرسى قواعد التّسامح، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ثم إنّه ترك للجميع ممارسة ديانتهم دون إكراه مثل اليهود والنصارى، وعفا عن أهل مكة عندما فتحها وقال كلمته المشهورة: «اذهبو فأنتم الطلقاء» رغم أنهم آذو النبي وحاربوا دعوته وضربوه ووصفوه بالساحر والمجنون، ثم أخرجوه من بلده مكسوراً حزيناً، فلّما عاد لها قوياً كريمًا سامحهم ودعا لهم بالهداية.