في التاسع من نيسان 2003 وبعد مشاهدتي لدبابتين أمريكيتين على جسر الجمهورية ببغداد من خلال التلفاز في منفاي الدنماركي، إنتابتني مشاعر مختلفة لا أستطيع وصفها اليوم كونها كانت خليطا من حزن مشروع على بلدي المحتل وقد دنسّته البساطيل الامريكية وقلق على مستقبله، وفرح مشروع أيضا لرحيل البعث الفاشي وقائده المجرم مصحوبين بلعنات الشرفاء من أبناء شعبنا. ومن الطبيعي وكما حال ملايين العراقيين وأنا المهجّر وعائلتي من بلدي أن تكون لنا أمنيات نتمنّى تحقيقها برحيل الطغاة، منها ما هو شخصي ومنها ما عام ووطني.
لحقدي المشروع والمقدّس على البعث ونظامه الدموي فأمنيتي الأهم وأنا حينها أحلم بالعودة “لم يتحقق لليوم” الى وطن مزقه الطغاة من خلال حروبهم العبثية وحصارات الغرب التي أذّلت شعبنا وأرجعتنا عشرات السنين للوراء كانت، إعتقال رأس النظام وأعوانه وتقديمهم للمحاكمة وسجنهم وليس إعدامهم على الرغم من كثرة جرائمهم التي لا تحصى ووحشيتها.
أمنيتي كانت تتلخص في إخراج المجرم “صدام حسين ” وأعوانه بعد عشر سنوات من سجنهم ليروا الوجه الآخر للعراق بعد رحيلهم عن السلطة، إذ كنت أتوقع من أن فترة عشر سنوات كافية للبدء ببناء وطن دمّروه ومجتمع مزّقوه. خصوصا وإن اللوحة السياسية بالبلد كانت تشير الى هيمنة الاسلاميين الذين رفعوا راية عدل “الامام علي” وبناء وطن يتسع للجميع كما كانوا يقولون أو يتاجرون بالأحرى.
اليوم ونحن على أبواب الذكرى الثالثة عشر للتاسع من نيسان أعدت النظر وأنا ارى حال العراق بأمنيتي تلك، وأشكر الاحزاب الاسلامية وعلى رأسها حزب الدعوة الحاكم وزعيمه الفاشل “نوري المالكي” من أنّهم لم يحققوا أمنيتي بالأبقاء على المجرم “صدام حسين” حيّا لليوم بل أعدموه، ليعتبر بعض السذّج من “المثّقفين” من أن كل مساويء الدعاة والإسلام السياسي واجرام حكومات المحاصصة من الممكن غفرانها مقابل إعدام الطاغية!!
تخيلوا معي كيف كان المجرم “صدام حسين” سينظر الينا نحن الحالمون ببناء دولة عصرية على أنقاض دولته الدموية، تخيلوا معي ضحكته وهو ينظر الى قتلنا بعضنا البعض على الهوية لليوم، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى زيادة عديد جيوش الارامل والايتام، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى بؤس واقعنا الزراعي والصناعي والمائي، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى بؤس مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى ونحن الذين كنا ننتقده لكثرة حماياته وهو يرى حمايات بعشرات الآلاف يقطعون الشوارع متى ما ارادوا ليفسحوا الطريق لمسؤول أمّي! تخيلوا معي قهقهته وهو يرى الاعداد غير المعروفة للميليشيات المسلحة ونحن الذين كنا ننتقده لوجود ميليشيات الجيش الشعبي وفدائيي صدام . وتخيلوا وتخيلوا كما تشاءون وفي مختلف المناحي .
اليس من حقي أن أشكر الفاشل نوري المالكي وحزبه ودولة لاقانونه وتحالفه الوطني على أعدام الطاغية صدام حسين ، كونهم قطعوا المجال امامه للتشفي بيّ وبأمنيتي البسيطة …
أمّا أمنيتي الثانية فإنني أتمنى وعلى عكس الاولى أن تتحقق، وهي كما الاولى أمنية ملايين من العراقيين الذين طحنهم الارهاب والفساد والجوع والمرض ، ملايين العراقيين المشردين والمهجّرين داخل وخارج وطنهم ، ملايين العراقيين الذين يعرفون فقط أرقام ما دخل خزينة بلدهم من أموال في سنوات إرتفاع اسعار النفط ولكنهم لم يلمسوا من خلال حياتهم البائسة ما يشير الى استفادتهم من تلك الاموال.
أمنيتي هي إعتقال مسؤولي عصابات المحاصصة الطائفية القومية وإعطائهم بيانات بما دخل خزينة البلاد من العملة الصعبة في فترة حكمهم الكارثية، والقيام بجولة على مختلف مدن وقرى العراق ليروا بأعينهم الكم الهائل من الخراب الذي تسببوا به، أمنيتي أن أراهم خلف القضبان ليحاسبهم شعبنا على كل جرائمهم ، أمنيتي أن ارى أموال بلدي المنهوبة تعود الى خزائنه لنبني بها وطنا معافى من أدران الطائفية.
إن كنت قد شكرت الفاشل نوري المالكي وبقية رفاقه على إعدامهم للمجرم “صدام حسين” كي لا يرى فشلنا، فانني سأشكر ألف مرّة من يعتقل زعماء عصابات الجريمة المنظمة من المافيويين المهيمنين على السلطة من قاطني الخضراء، ويجعلهم في أقفاص تحت نصب الحرية في ساحة التحرير لمحاكمتهم وسجنهم …. ليروا بعد سنوات كيف سيصبح حال العراق …. ولكن خوفي سيبقى مشروعا الا تشاطروني الخوف!؟
لقد منحني “الجنّي” أمنيتين إثنتين ولا أود التفكير بالثالثة.