ألمنبر و الدعوة لله أو لصاحبه؟
في بداية سبعينيات القرن الماضي – و كل حكاياتي و ذكرياتي و قصصي الحقيقية التي لها طعم خاص تنطلق من سني السبعينات يوم كان الشعب العراقي و حتى خطبائه و مُدّعي دينه في سبات عميق يهلهلون للشيطان الصغير صدام و شيطانه الأكبر بصوت واحد هاتفين :
بآلروح ؛ بآلدم نفديك يا صدام .. و هكذا إلى يومنا هذا يكررون نفس الهتاف لكن بأسماء و ألوان مختلفة ..
في تلك الأوساط العراقيّة ألمأزومة التي وصفناها بجهنم العراق نتيجة الجهل الذي نشره حزب البعث من طرف و مدّعي الدين و الخطباء من الطرف الآخر و الذي لا يختلف كثيراً عن جهل و فساد الأحزاب التي حكمت من بعد السقوط عام 2003م لعدائها للفكر و الفلاسفة و الفلاسفة؛ من أوساط تلك المحن العظيمة إنبرى الدّاعية الأصيل عبد ا لصاحب دخيل (أبو عصام) يهتف يا (حسين) من على منابر ديالي بعد دعوته لأحياء عاشوراء في موسم من تلك المواسم ؛ لكن هتافه و دعوته(رض) كانت غير دعوات خطباء اليوم الجهلاء و حتى خطباء الأمس الفاسدين لأنهم كانوا وعاظ الدينار و الدولار, الذين كانوا يقيسون الأمور بحسب ربهم الأوحد (الدولار) و إن تظاهروا و تباكوا بعكس ذلك على منبر الحسين الذين ما زال مظلوما كما قلنا من السنة و الشيعة .. خصوصا الخطباء و المعممين منهم و الذين عندما يقتربون من ساعة الدفع يختلف الأمر و الموقف و تنكشف أساريرهم تماماً .. و هكذا شهدناهم و نشهدهم اليوم بلا حياء و وجل و بكل وضوح ..
المشكلة هي فقدان الحياء لا أكثر ولا أقل .. بسبب لقمة الحرام التي يمتصوها من ذيل الخنزير و من دم الفقراء هنا و هناك و أينما كان .. هذا بحسب المقياس الكوني الذي يرى الوجود وحدة واحدة لا إنفصال بين مكوناتها .. فآللقمة الاضافية المسروقة من خلال منبر هنا أو هناك أو راتب هنا و هناك هي نفسها لقمة الفقير المهضومة و في أية بقعة في الأرض بسبب المستكبرين و مرتزقتهم خصوصا أعضاء الأحزاب المرتزقة و سواءاً كانوا يلبسون العمامة البيضاء أو السوداء أو الصفراء أو أي لون آخر .. فخطهم واحد .. و هدفهم و ربهم مشترك !
في تلك السنوات العجاف .. إنبرى الداعية الأصيل أبي عصام و هو يخطب كل ليلة و ساعة في وسط أناس(عشائر) أميين لا يعرفون حتى القراءة و الكتابة ؛ لكنه بحكمته و صدقه و تواضعه قبل كل شيئ؛ إستطاع أن يهديهم إلى سواء السبيل و أن يربي جيلاً .. ليكونوا يداً واحدة على من سواهم من الظالمين و هكذا أثمر عمله في النهاية فما كان لله ينمو لا محال ..
في الليلة الأخيرة و بعد إنتهاء مجلسه تقدم وجوه القوم (عشائر الخزرج و ربيعة و غيرهم) يُقدّمون له ضرفاً فيه مقدار من المال و كما كان معتاداً في جميع أنحاء العراق في وقتها و للآن بعد كل موسم محرم .. لكن ذلك الشيخ المؤمن الصادق و العالم في نفس الوقت و رغم إحتياجه الشديد للمال حيث كان قد أعطى حتى بيته لعائلة محتاجة .. رفض إستلام الظرف الذي كان يحوي مقدار من المال البسيط تكريماً لما قدمه خلال ليالي الموسم من خطب و مآثر يستحيل على أكبر شيوخ و علماء اليوم أن يأتوا بمثلها ؛ قائلاً لهم : [هل تعتقدون بأني أتاجر مع الأمام الحسين و أتعامل معه هكذا أبيع و أشتري قضيته بهذا المال أو ذاك الجاه .. لا و الله لو أعطوني الدنيا كلها ما فعلت ذلك]؟
نفس كلمة رسول الله (ص) حين أرادت قريش أن تساومه, فأجابهم من خلال عمه أبو طالب قائلاً : [ و الله يا عم لو جعلوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت], بينما خطباء و شيوخ و دعاة العار هذا اليوم يبيعون الله و كل المقدسات براتب فمعظمهم جواسيس و خبثاء لا يعرفون حتى معنى و تعريف الصدق ناهيك عن ثورة الحسين(ع).
بعد أن ردّ الظرف بما حواه لهم .. خجل القوم من كلامه و كانت لأوّل مرّة تشهد عشائر العراق مثل ذلك الموقف الحسيني الكونيّ .. حتى إنبهروا و قالوا أنت لست كآلآخرين ؛ أنت ملك مؤمن حبانا الله بك, و الذي نرجوه منك يا شيخنا, هو قبول دعوتنا لاحياء عاشوراء و غيرها في المرات القادمة ..
قال لهم الشيخ: إن شاء الله ..
لكن جواسيس الحوزة و الشعب العراقي المغبون قد كتبوا عليه التقارير و كما يفعل أحفادهم الآن مع أولياء الله .. لأنه أيّ ذلك الشيخ كان من أحباء الله بصدق .. فإستشهد بعدها و لم يُعاود زيارتهم مرة أخرى .. لكن يا أهل القلوب ؛ إن كنتم تسمعون : أ تََدرون ماذا خلّف ذلك الشيخ العظيم و كان شاباً من ورائه !؟
لقد أنتج جيلاً مؤمناً واعياً للحكمة ممتدا ليومنا هذا .. لقد ولّدوا ثورات عديدة .. منها ؛ ثورة جيزان الجول و ثورة الدجيل و ثورة الخالص وووغيرها.
رحم الله الصادقين الذين عاهدوا الله على خدمة عباده بصدق .. و حقاً ما قاله المعشوق الأزلي لهم :
[من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم مَنْ ينتظر و ما بدلوا تبديلاً] صدق الله العلي العظيم.
فأين نجد ثانية من أمثال ذلك الشيخ العظيم الذي أحيا الناس ولم يقتلهم كما دعاة العار اليوم و أمثالهم في الحكم .. بعد ما ظلّت منابرنا و باتت منابر للدعوة إلى هذا الشخص و ذاك الحزب و هذه السلطان و ذاك و بكل غباء و بلا حياء.
فآلخزي و العار للشّيعة و السُّنة و لوعّاظ السلاطين من الشيوخ و المبلغيين الذين جعلوا الحُسين معبراً لمآربهم الآنيّة و الحزبية و العشائرية و تفريخ غيضهم ألذين يملؤون الدّنيا بصراخهم الفارغ الذي لم ينتج و لم يخلق و لم يؤثر حتى في ذبابة على القمامة و ليس في بشر أو حتى إنسان فتسببوا في تعميق الفساد و العداء و العمالة و الكذب و الغيبة و التجسس و الأحتلال و الظلم, و مجالسنا هنا في تورنتو و كندا و أمريكا و الغرب و غيرها حتى داخل بلادنا خير مثال على ذلك الأنحدار الأخلاقي و القيمي .. حيث لم تُخرّج سوى المُضلّلين و المنافقين و الحراميّة و الفاسدين نتيجة ثقافة وعاظ السلاطين الذين يعبدون الرواتب الحرام و الدولار من دون الله.
و هذا هو الفرق الكبير بين مَنْ يدعوا لله الذي مَثّله نهج الحسين(ع) و سار عليه العشاق و المخلصين كعبد الصاحب دخيل و بين من يدعوا لنفسه و لصاحبه أو الجهة التي تملأ جيبه بآلمال و الجاه الحرام .. و كما في مساجدنا هنا و في غيرها من المدن الأمريكية و العالمية!
و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد.