ألسّلسلة ألكونية:
مدخل(1) لكتابنا؛ (السياسة و الأخلاق؛ مَنْ يحكم مَنْ)؟
جدلية(الدّين و السّياسة):
خلاصة ألكتاب الموسوم أعلاه والهامّ ضمن (السلسلة الكونية) يضمّ 12 بحثاً مُكثّفاً تمّ آلتركيز فيها على قضيّة جوهريّة مثّلت ولا تزال محنة الشعوب ودمارها و بآلأخص الغربيين وشعوبنا طبعاً ألتي ضيّعت المشيتين حتى فقدت هويتها, بسبب فصل الأخلاق عن آلسياسة.
وثانيا: لتشوه وتبديل ألدّين نفسه لمصلحة دكاكين المدعين له, لينفرد السياسييون بآلحكم كيفما شاؤوا, ليضيع الحبل مع القارب.
إنّ آلدِّين وحدهُ يُمثل منبع الأخلاق والقيم الكونية, وفصلها عن سياسة الناس سبب الظلم و الفساد بشكل طبيعي, لأنه لم يُركّز لا إصالة الفرد ولا المجتمع؛ بل إصالة من بيده سِكّان المال وآلتكنولوجياّ

لقد سعى الحُكام منذ أكثر من 10 آلاف عام وفي مختلف ألظروف ألتأريخية ليس فقط لفصل (الدِّين) عن(السّياسة)؛ بل حتى سرقة تأريخ الأنبياء وأفكارهم وأدوارهم وتنسيبها لأنفسهم وكما أثبتنا ذلك في قصص عديدة كقصة كلكامش و نبوخذنصر و حمورابي وغيرهم, تلك الخيانة الأعظم من العظمى؛ كانت من أسوء أقدار هذا الوجود وأكبر المفاسد ألتي إرتكِبت بحقّ السماء و الأرض, لأنهُ سبّب مع الزمن تخريب عقول الناس ومبادئهم ومسخ قلوبهم بفصل الأخلاق عن حياتهم, لدرجة أغرت حتى “الأدباء و المثقفين و أهل العلم” مُعتقدين بأنّ الدّمج بينهما مفسدة, لسطحيّة فهمهم لقضية الأنسان و الوجود و أسباب الخلق بشكل خاص, فتركوا الجوهر و تعلقوا بآلمظهر و البشر!

وقد أثبتنا من خلال 12 مبحثاً معمّقاً بآلأضافة لغيرها(2) هذه الحقيقة المرّة المؤسفة و الدامية بنتائجها قد أهدرت الكرامة الأنسانيّة ومسخت الشعوب .. لِتَسيّد مجموعة مستكبرة على الحقّ والقيم من قبل حكومات 255 دولة فاسدة في العالم, لا ترى سوى إستغلال الشهوة والمادة وآلإستغلال والقهر كأفضل وأقصر وسيلة للأثراء والتسلط وإستحمار الناس خصوصاً حين إستطاعت المجموعة الحاكمة في (المنظمة الأقتصادية العالميّة) السيطرة على منابع المال والأقتصاد والزراعة في العالم بدعم وغباء الطبقة المثقفة وعلماء الدّين الذين رضخوا لدُنياً بلا كرامة ومعنى فاقدين فيها إختيارهم و سعادتهم.

والأكثر أسفاً أنّ أكثر الفلاسفة عبر التأريخ, و منذ المرحلة الفلسفيّة الأولى – أيّ زمن فلاسفة الأغريق السّبعة(3) وإلى الآن قد تنكّروا لفضل آلسّماء والدّين, بحيث لا نرى أيّ ذكر أو تأريخ لدور الأنبياء ألعظام في أنظمتهم ومؤلفاتهم بشكلٍ واضحٍ, رغم إنّ أساس معلوماتهم بشأن القيم و الأخلاق والدِّين والغيب و العمران كانتْ مُستقّة من رسالاتهم السّماوية التي سبقت المراحل الفلسفية السّبعة بآلاف السنين, إلاّ أنّهم لم يشيروا لتأريخهم و للمصدر الأوحد للأخلاق والقيم و الأيمان بمسائل الغيب و أسرار الوجود التي تتصل مباشرة بكرامة الأنسان التي تعادل الوجود, لأسباب قد تكون ذاتيّه ومادّية بحتة تتمحور حول النفس(ألأنا), وهكذا ظلمَ الفلاسفة أيضاً بجانب الحُكّام والسلاطين؛ ألبشر بتنكرهم لمبادئ ألدّين من البداية و لحدّ اليوم وكأنّهم عين الشيطان, رغم توصّل الكثير من الفلاسفة العقلاء للحقيقة كشوبنهور و إسبينوزا و إبن سينا و الفارابي(4) و غيرهم بأنّ مصائب البشريّة اليوم إنّما ولدت بسبب ذلك الفصل المُجْحِف, لعدم درك الناس لحقيقة الدِّين و الأسلام حتى يومنا هذا رغم وجود أكثر من ملياري مسيحي و بحدود نفس العدد من المسلمين بضمنهم عشرات الأديان و الحركات و الأحزاب الأسلامية وأتباعهم بمئات الملايين المؤمنين بآلغيب الذين بدل أنْ يكونوا منطلقاّ لنشر المحبة الكونية و الأخلاق العالية؛ باتوا منطلقا لنشر الفساد و النفاق و الخبث وآلشهوة و المظاهرو العنف و الحرب, و يكفيك أن تفتح كتبهم أو تدخل مراكزهم أو كنائسهم و مساجدهم و معابدهم لترى بعينك تجليّ تلك الحقائق المُرّة التي أشرنا لها, بحيث يُمكنك أن ترى كلّ شيئ فيها إلا (الله) هو الغائب الوحيد في أوساطها!
فكيف يُمكن للمحبة و الكرم و التواضع أن ينتشر مع غياب موجدها و وجود من يعاديها!؟

في كتابه (مناهج الفلسفة)، كتب المفكر الأمريكي (ويليام جيمس) قائلاً: [إنّ هناك أكثر من ستين ألف مادة قانونية يتمّ إضافتها سنويًّا إلى “القانون” في أمريكا]ٍ، و هكذا كندا و بقية الدول الغربية لعدم معرفتهم بفلسفة القانون ألأنسب و الأصح لإحياء المجتمع لجهلهم بحقيقة تكوين الأنسان و مكامنه النفسية التي لا يعلم خلجاتها وأسرارها وعوامل تحقيق سعادتها أو شقائها, و كل تلك الدول و بنظرة عابرة تحتاج للأخلاق لا القانون فقط, أو بعبارة أفصح تحتاج لنهج (الفلسفة الكونيّة) لتُغذي مفاهيم وفلسفة القانون, لنكشف الأهداف التي نريدها.

و لعلّ هذه الإشكالية تقارب الإشكالية التي أرّقت الفيلسوف (شيلر)، حين أراد العودة إلى سياسة الذّات، فعكف في:[الرسائل الأولى من التربية الجمالية للإنسان] على فكرة الدولة كما كانت تتشكل في زمانه، حيث كان شيلر “روسي” الطبع، “كانتي” الفكر و التطبّع، فكتب قائلاً حين رأى إنهيار القيم الإنسانية على أعتاب الفظائع الدموية الوحشية للحزب الشيوعي السوفياتي:
[لايأتي البناء من السياسي ولا من رجل الدّين(5)، ولكن من القدرة على الإرتفاء نحو الروح والجّمال، فعندما يضع السياسي أو رجل الدّين ألتقليدي في الواجهة العليا على سبيل الشهرة والنجومية؛ فهو يضع نفسه في الخلف باستخدامه لوسائل الإكراه، القهروالأحتيال و الإبتزاز والترهيب والترغيب و الأثراء، بيد أنه عليه أن لا يقود بل أن يصاحب، ولا يقول هؤلاء تحت وصايتي و سلطتي الممتدة من القرآن و أهل العلم، بل يقول هؤلاء إأخواني و بجانبي، فلا يتكلم بمنطق الفَوقية و التكبر كما هو حالهم اليوم, بل بمنطق المَعِيّة و المحبة].

صحيح أن الفيلسوف أو النبي الذي يعجز عن أداء رسالته من خلال تسييس ذاته ثم فلسفته في المجتمع؛ فإنّ هذا لا يعني عجزهما – أو بتعبير أدق عدم جدوى فلسفتهما – لإنجاح وإدامة الدولة, بل الخلل و كما أثبت التأريخ مرّات و مرّات هو بسبب الشعب نفسه والذين يحثون الناس أي الأحزاب و المنظمات بطرق خبيثة نحو مسالك الشيطان من فوق و التي تتجسد اليوم من خلال (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي تحكم العالم عن طريق الأقتصاد بمعونة الأساطيل و التكنولوجيا و المال(الدولار).

نحتاج لأنجاح ألمشروع الكوني إلى ثلاث عوامل تعمل معا لتحقيق الغاية من الوجود, والتي لا بد وأن يُنَفّذ من خلال نظام إجتماعيّ يتساوى بظله الرئيس و المرؤوس والقائد و الجندي و الموظف والعامل لتتحقق السعادة في المجتمع بل كل الناس و ليس شعب واحد, و العوامل الثلاثة هي:
الأول: وجود فيلسوف حكيم أمين على تطبيق مبادئ الفلسفة الكونية.
ألثاني: وجود الفلسفة ألكونيّة ألشاملة كمنهج يضم المفاهيم والأهداف وطرق التنفيذ.
الثالث: وجود النُّخبة التي ترتبط بآلقيادة من جانب وبآلشعب من الجانب الآخر تعي و تدرك جيداً أبعاد الفلسفة الكونية وفن تحقيقه.

و بذلك يمكننا القضاء بشكل طبيعي على ظلم الرأسمالية و الطبقية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي أسّست أسس الفلسفة الظلامية البراغماتية السياسية، التي عرّفَتْ الحقيقة بكونّها؛ (الفكرة التي تنجح) و(الغاية تُبرّر الوسيلة)، وليست الفكرة ذات القيمة الأخلاقية التي تريد تحقيق السعادة للجميع، فصارالتخطيط لسرقة أموال الفقراء مسألة شرعية و قانونية و ديمقارطية متطورة لا يحق لأحد إنتقادها، وهو بنظرها أنجح وسيلة للثراء الذي يصاحبه الظلم والقهر والإستبداد كنتائج طبيعية للحرية بآلمفهوم الرأسماليّ و تلك هي أنجح وسيلة لتحقيق السلطة، فالعالم مجرّد سوق، والإنسان فيه مجرّد بضاعة و أداة للإنتاج والإستهلاك، ولذلك و بسبب فقدان مبادئ الفلسفة الكونية؛ فقد ركبت الكثير من الدول الإسلامية رغم تأريخها وعقيدتها في المنطقة العربية؛ موجة البراغماتية (الرأسمالية) بغطاء الديمقراطية و كان العراق سبّاقاً في هذا المصير الأسود بعد ماعلّقت دواليب الحكم بتلابيب أمريكا ومن معها، ما جعلها تربة خصبة للإبتزازات المالية و الجيوستراتيجية، التي تثري خزائن النظام الدّولي، ليستمر التكبر والطغيان و الحروب في العالم، بحماية الأنظمة الأجرامية في المنطقة و العالم، حتى أنعكست المفاهيم, حيث أصبح المقاوم إرهابيا و الأرهابي إنسانياً، لتتحقق مقولة مصطفى محمود في كتابه (إخلعوا الأقنعة أيها السادة) حين قال: [عصرالتجارة بالكلمات، التخدير بالشعارات، التنويم المغناطيسي بالعبارات، وقيادة الشعوب المتخلفة بهذا الحذاء الساحر..].

سبقه رسولنا الكريم بقول حكيم أدّق: [(يُوشك أن تتداعى الأمم عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها), قالوا : أَ وَ مِن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (لا ، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن ), قيل: وما (الوهن) يا رسول الله ؟ قال: (حُبّ الدّنيا وكراهية الموت؟)].

و اليوم أخمدت حركة الشعوب من قبل أنظمتها و إنتفاضاتها بدأت كأفلام الكارتون التي تتحكم بها الأحزاب و الأئتلافات و المنظمات التي تريد المال لرؤوسائها الذين يوقعون على الصكوك البيضاء بإسم الوطن و المواطن مقابل ضمان السيولة النقدية و الأرباح و الرواتب لجيوبها على حساب جيوب و حقوق الشعب والأجيال المسكينة اللاحقة, لتعيش كل شعوب العالم ألأمرين من الأنظمة الإستبدادية تحت غطاء الليبرالية و الديمقراطية التي تهدف إلتحكم بآلأموال و الأقتصاد و الرواتب و الجيش و الشرطة، و هذا هو مأزق النظام الدولي العاري من القيم الأخلاقية اليوم!

لقد وصلت الصّلافة و فقدان الحياء درجة باتت أعتى الدّول الدّيمقراطيّة في العالم تدعم الحكومات الأرهابيّة لقتل الناس وآلشيوخ و الأطفال الأبرياء لتحقيق مصالح الفئة الأقتصادية .. بل وتحتفل سنويّاً بآلحروب العالميّة الدّمويّة التي راحتْ ضحيّتها الملايين من البشر, ممّا يعني تجاوز اللاإنسانية إلى الوحشية, بدل أن تخطط للأنتقال بآلناس من حالة (البشريّة) إلى (آلأنسانية) و من ثم إلى الحالة (الآدمية)(6) التي معها تتحقق الفناء في الحق للخلود, وهو أسمى درجات العلو الكونيّ بحسب الفلسفة الكونية العزيزيّة الذي يؤمن بآلتغيير كصفة إنسانية .. لكن بتزكيتها للأعلى لا بدسّها للأسفل عن طريق شحن النفوس بالأخلاق الفاضلة التي يؤكدها ألدِّين فقط لا المدارس الرأسمالية و السّياسية المختلفة التي تؤكد على الكذب وآلظلم و النفاق و التحالفات المشبوهة لأجل المال بسرقة الناس و ظلمهم!
و لا حول ولا قوّة إلا بآلله العليّ العظيم.
الفيلسوف الكونيّ
رابط ألأنضمام لصفحة كروب (الفلسفة الكونية العزيزية)
:https://www.facebook.com/groups/1637330213025598/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إضطررت و بسبب مشكلات الفهم والوعي لدى القُرّاء الأعزاء بما فيهم المثقفين و المفكرين, أن أجعل أكثر من مقدمة و مدخل للبحوث لتبسيطها و تسهيل فهمها و هضمها, لتعميم الفائدة, رغم ما يُكلّفني من جهد و وقت.
(2) بآلأضافة لذلك الكتاب الموسوم بـ [ألسّياسة و الأخلاق؛ مَنْ يَحْكُمُ مَنْ], ألّفنا كتاباً آخر يضاهيه في المعنى و يعلوه في التمدن حيث نظّر للمستقبل من خلال معطيات عديدة, و الكتاب بعنوان: [مُستقبلنا بين آلدِّين و آلدِّيمقراطية].
(3) حكماء الإغريق السبعة: سولون الأثيني، خيلون الأسبرطي، طاليس، بياس البرييني، كليوبولوس، بيتاكوس، بيرياندر.
(4) أبو نصر الفارابي قسم الدول لـ: الدولة الفاضلة و الدولة الجاهلة, و حدد مواصفات لهما.
(5) لقد قاس الأمر على أساس الدين المسيحي المحرف طبعا و ليس على أساس ألدين الأسلامي ألكامل الخاتم.
(6) فلسفتنا: تُقسم ألرّقي ألبشري لثلاثة مراحل: البشريّة و الانسانيّة والآدميّة.