أعياد الميلاد وما
يرافقها من إحتفالات
علي الكاش
تهنئة من القلب الى القلب
بمناسبة قرب حلول أعياد رأس السنة الميلادية نتقدم بأزكى التهاني والتبريكات لإخواننا المسيحيين في العراق وفي كل مكان في العالم، متمنيمن لهم السعادة والخير، ونسأل الله تعالى ان يرفع عن مسيحي العراق، العراقيين الأصلاء محنتهم ويعودوا الى ديارهم ليعيشوا بسلام كما كانوا قبل الإحتلال الغاشم، عراق بلا مسيحيين ولا أقليات لا طعم له.
المقدمة
تحتفل الدول الأوربية والعالم المسيحي بأعياد الميلاد ويتبادلوا التهاني عبر اللقاءات الشخصية او كارتات التهنئة، كما يتبادلوا الهدايا، وغالبا ما تكون باقات من الزهور او علب شكولاتة او عطور بين الكبار، او ما يحبه الطرف الآخر في حال معرفته، اما الأطفال فتكون الهدايا العاب او هواتف وغيرها. وهدايا العشاق محددة بما يحبه الطرف الآخر، ويفرح بتلقيه، وتضم ما يعبر عن المشاعر العاطفية بين الطرفين.
من المعروف ان السيد المسيح وجميع الأنبياء والرسل جاءوا من أجل الناس جميعا، وليس فئة واحدة، فالنبي محمد (ع) والسيد المسيح (ع) وموسى (ع) هم رسل للإنسانية ولا يجوز ان يحدد واجبهم السماوي بواقع جغرافي وفئوي وقبلي. إنهم رحمة للعاملين وليس للمجتمعات التي عاشوا فيها، وإلا كيف نفسر انتشار هذه الأديان في جميع قارات العالم؟ لذلك فإن إحتفالنا بمولودهم وبعثهم أمر جميل، ولا يدخل في مجال البدعة، لأن جميع مظاهر الحياة الحالية هي بدعة، كيف نحترم رأي رجل دين يمنعنا من الإحتفال بمولد النبي محمد وعيسى لأنها بدعة؟ وهو يبلس ساعة سويسرية ويركب سيارة اجنبية، وجميع ملابسه من العمامة الصينية الى الحذاء الفرنسي وهي جميعها بدع وفق مفهومه بالطبع وليس مفهومي.
كما القرآن الكريم تحدث عن السيد المسيح وموسى عليهما السماء أكثر مما تحدث عن النبي محمد (ص). وهذا ما يقال عن السيدة مريم (ع). فقد جاء إسم النبي محمد (ص) اربع مرات بهذا الإسم الصريح، ومرة بإسم أحمد. فقد ورد في في سورة آل عمران/144((ومَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ))، وفي سورة الأحزاب/40((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)). وفي سورة الفتح/29((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)). وفي سورة محمد/2((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ)). كما ذكر بإسم أحمد مرة واحدة في سورة الصف/6(( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)). في حين ورد إسم السيد المسيح (ع) في القرآن الكريم (35) مرة، وذكرت السيدة العذراء (ع) (24) مرة، وهذا بالطبع لا يعني التفاضل بين الأنبياء، معاذ الله فهو تعالى وحده بيده التفاضل، ولكن أجرينا المقارنة لغرض معرفة أهمية السيد المسيح في القرآن الكريم وعند المسلمين. لذا الخلاصة هي ان الأنبياء والرسل جاءوا الى البشرية جميعا وليس الى قوم محددين، وهذا ما بينه القرآن الكريم. قال تعالى في سورة الأنبياء/107((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)). فسر الطبري” ( ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )): يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا محمد إلى خلقنا إلا رحمة لمن أرسلناك إليه من خلقي. ثم اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية ، أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر؟ فقال بعضهم: عني بها جميع العالم المؤمن والكافر”. (تفسير الطبري). وجاء فى الحديث الشريف” إنما أنا رحمة مهداة”. (سنن الدارمي/ الحديث/15). (هداية الرواة/5737).
مع الأسف إن بعض المتشددين من رجال الدين الإسلامي يحرمواعلينا الفرح، متناسين ان الدين جاء من أجل سعادة البشر وليس من أجل تعاستهم ونكدهم، وان المحرمات في القرآن الكريم واضحة، ولا يجوز لا لنبي ولا أي مرجع ديني ان يحرم ما لم يحرمه الله، او يحل ما حرمه الله. وربما ما زاد من غيضهم أقصد مراجع الدين، ان المسلمين يحتفلوا مع اخوانهم النصاري في عيد ميلاد السيد المسيح، كأن النبي عيسى (ع) بُعث الى النصارى فقط وليس للعالمين جمعاء. مع هذا فأن الكثير من المسلمين يشاركوا إخوانهم المسيحيين رغم أنف المراجع في أعيادهم ويتبادلوا معهم التهاني والهدايا، ويضعون أشجار الميلاد المزينة بالمصابيح في بيوتهم إحتفاءا بهذه المناسبة الجميلة.
الحقيقة لا اعرف هل هناك ضرر في هذا الأمر؟ القاعدة الإسلامية الرئيسة هي كل شيء مباح الا ما حرمه الله تعالى، والقاعدة الأهم لا ضرر ولا ضرار، ان إبتسامة الأطفال وسعاتهم بهذه المناسبة تطيح بعمامة أكبر مرجع ديني، وتقول له: لا تهرجوا بإسم الدين، دعونا نفرح قليلا، فقد جعلتم من حياتنا جحيما بفتواكم. في أعياد ميلاد رأس السنة عام 2021 خرج بعض المعمميمن من الشيعة وأهل السنة بخطابات حرموا فيها الإحتفاء بهذه المناسبة بإعتبارها بدعة، داعين أتباعهم الى العزوف عن أي مظهر إحتفالي، سيما في كربلاء والنجف، ولكن ما حدث هو العكس تماما فقد احتفل العراقيون بهذه المناسبة ليس في بيوتهم بل في الشوارع والساحات العامة والمولات، ضاربين بخطابات وفتاوى رجال الدين عرض الحائط، فأحسنوا بصنيعهم هذا
لذا من حق البشرية أجمعين أن تحتفل بولادة جميع الأنبياء الذين نعرف تواريخ ميلادهم، وليس من آمنوا بهم فقط، صحيح ان المسيحيين لا يحتفلوا رسميا بولادة النبي محمد (ص) ولكن هذا لا يعني ان نقتدي بهم، بل إن احتفالنا بميلاد السيد المسيح سيجعلهم يحذوا حذونا، وهذا ما شهدنا عند القلة منهم، ونأمل أن تتوسع الظاهرة، ولا ننسى ان شيعة العراق وايران وسوريا ولبنان واليمن لا يحتفلوا بولادة النبي (ص) فعلام نلوم المسيحيين إذا لم يحتفلوا به.
هل الإحتفاء بعيد الميلاد وليد السنوات الأخيرة؟
سنرجع الى بعض النصوص التأريخية والأشعار القديمة لنؤكد بأن المسلمين كانوا يحتفلون بهذه المناسبة المباركة، وهي ليست وليدة العهود الماضية القريبة.
ألف السيوطي رسالة جميلة أسماها (وصول الأماني بأصول التهاني)، فذكر فيها التهاني بالفضائل العلمية، والمناقب الدينية، والتهنئة بالتوبة، وبالعافية، وبتمام الحج، وكذلك سائر العبادات، والتهنئة بالقدوم من الحج، ومن الغزو، وبالنكاح، وبالمولود، وبدخول الحمام، وبشهر رمضان، وبسائر الأشهر، وبالعيد، وبالثوب الجديد، وبالصباح، والمساء، وذكر أدلة ذلك من الحديث والآثار.
ن مميزات هذه الليلة انها طويلة، كأنما اريد ان يتمتع بها الناس لفترة أطول.
قال أبو نواس:
ليلة كاد يلتقي طرفاها قصرا وهي ليلة الميلاد
وذلك لما تلاقي فيها المطلوقة من التعب، وقيل هي الليلة التي ولد فيها عيسى بن مريم”. ( ربيع الأبرار1/69). وقال الثعالبي” لَيْلَة الميلاد: هى اللَّيْلَة الَّتِى ولد فِيهَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يضْرب بهَا الْمثل فى الطول.
قَالَ أَبُو نواس أيضا:
يَا لَيْلَة الميلاد هَل عرفت أسهر منى عَاشِقًا مذ كنت
ألم أصابرك فَمَا صبرت حَتَّى بَدَت غرَّة يَوْم السبت
وَقَالَ عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر:
مَضَت لَيْلَة الميلاد أطول لَيْلَــة وأقصرها هَذَانِ مُخْتَلِفَانِ
فطالت بِمَعْنى وَاحِد وتقاصرت بِقرب حبيب واجتماع معَان
وَقَالَ ابْن بسام:
يَا مقيتا يصور الْيَوْم حولا سَاعَة مِنْهُ لَيْلَة الميلاد
خل عَنَّا فأنمــــــا أَنْت فِينَا وَاو عَمْرو أَو كالحديث الْمعَاد
من مظاهر الإحتفال برأس السنة ان يصبغ الأهل وجوه أطفالهم ببعض الأصباغ الزيتية الخاصة، وتقوم الصالونات والأحزاب السياسية ـ لأغراض دعائية ـ بإقامة خيم ومساطب لصبغ وجوه الأطفال مجانا ليظهوروا الأطفال بوجوه القط والأسد والنمر والجوكر والبهلوان وغيرها، ومن الطريف اننا وجدنا لهذا العمل شبيها في تراثنا.
قال ابن ظافر الأزدي” وبرز أمر الملك العزيز رحمه الله تعالى إلى وزيره الأجل نجم الدين أن يصنع غزلا في جارية صنعت على خدها بالمسك صورة حية وعقرب، فصنع أبقاه الله بديها:
فديتها من غادةٍ مخلوقة من طرب
سألتها في قبلـةٍ في خدها المذهب
فجاوبت معجبه بكفها المخضب:
وابأبى! وا بأبـــــــىً من عظم هذا المطلب
وليس هـــــــذا ممكناً على ممر الحقب
روضة خدي حرست بحيةٍ وعقرب
من رام أن يلثمهــــــا فلير قها بالذهب
وليشرب الدرياق من رضاب ثغري الشنب
وقال ايضا:
نقشت حيةً على ورد خد مزخرف
فبدت آية الكليم على وجه يوسف
(بدائع البدائة/151).
يجب ان لا ننسى ان السيد المسيح ولد في أرضنا العربية (بيت لحم) في فلسطين، ونحن أحق من غيرنا بالإحتفال بميلاده الميمون. وشجرة الكرسمس، وهي ذات أصول المانية ولكنها انتشرت في كل دول العالم وهي ترمز الى ديمومة الحياة، ولم تكن تُزين بالمصابيح الصغيرة لكن في عام 1895 ، قام الرئيس (جروفر كليفلاند) بتزيين الشجرة في البيت الأبيض بأضواء كهربائية. وهذه الفكرة الجميلة التي أضفت على الشجرة سحرا مميزا، قلدتها جميع الدول وصارت ملازمة لشجرة الميلاد.
غالبا ما يقوم الأهل بجلب نوع من البلاستيك المطاوع لتشكيل بعض الأثاث والحيوانات وغيرها، وهذا ما وجدنا له أيضا أثر في التراث القديم. قال رضي الدين” الخذروف: طين يعجن ويعمل شبيهاً بالسكر يلعب به الصبيان”. (العباب الزاخر1/394).
اعياد الميلاد في الأدب الحديث
أنشد عبد الرزاق عبد الواحد:
ياني لعيدِكِ أضلاعي سأُسرِجُها
شَمعاً، واخشَعُ من رأسي لأقدامي
مُرَتِّلاً.. ساجداً لله.. مُبتَهلاً
أنْ تُصبحي أنتِ أوراقي وأقلامي
ونبضَ قلبي، وأمواجي، وأشرِعَتي
وأن تظلّي قناديلي وأعلامي!
ـ أنشد نزار قباني:
بطاقة من يدها ترتعد
تفدى اليد
تقول : عيدي الأحد ما عمرها؟
لو قلت .. غنى في جبيني العدد
إحدى ثوانيه إذا
أعطت عصورا تلد
وبرهة من عمرها
يكمن فيها .. أبد
علي الكاش