بقلم اسعد عبد الله عبد علي

كعادته يوميا في شهر رمضان, يخرج أبو نجم بعد ساعة من الإفطار, فيسرع نحو مقهى أبو علي, لقضاء ساعة هناك للقاء الأصدقاء, فبدل ملابسه وعدل شعره, ووضع في يده (مسبحة زرقاء), وتعطر بعطر الورد الذي يفضله, لكن في الشارع صادف أبو مفيد, جاره الموظف في وزارة الزراعة, وهو دوما كثير الشكوى والتشاؤم, فعندما لمح أبو نجم صاح:
– أبو نجم هل سمعت بالكارثة التي ستحل علينا؟
– أهلا أبو مفيد, ما هذا الكلام, أي كارثة تتحدث عنها؟
– يبدو انك لا تتابع الأحداث, ليلة أمس شاهدت على قناة عراقية, محلل سياسي أنيق جدا, وهو يتحدث عن قرب انهيار سد الموصل, وينصح الناس بالتهيؤ من ألان, قبل حصول الفاجعة, وتحدث عن أن الماء سيكون ارتفاعه في بغداد أربع أمتار! فانصحني يا حاج ماذا افعل؟
فانفجر أبو نجم بالضحك, وسط استغراب المسكين أبو مفيد, وبعد فاصل من الضحك قال أبو نجم:
– يا جاري العزيز هذه هلوسات , لا تصدق كل ما تسمع, العتب على القنوات التي تستقبل هكذا محللين, أنصحك بان لا تتابع هكذا برامج ليرتاح قلبك.
– يعني لن ينهار سد الموصل, ولن تغرق بيوتنا؟
– اطمئن مجرد إشاعات وخرافات أطلقها الأعلام الغربي, لإثارة الهلع وخلط الأوراق, ويرددها السذج ممن يدعون أنهم “محللين سياسيين”.
تأخرت في الوصول للمقهى, حيث وجدت أن الشلة متجمعة في مكانها المعهود, في طرف المقهى, لكن يبدو ان الحلوى ( البقلاوة) قد تم اكلها تماما.
– أين حصتي من “البقلاوة”, هل آكلها أحدكم؟
فالتفت إلي الكاتب المتقاعد سعدون, وهو يضحك , وقال:
– أهلا أبو نجم لقد تم مصادرة البقلاوة لأنك تأخرت, من يتأخر تصادر حصته.
– المهم الشاي, أرجو أن لا يكون قد ضاع علي؟
– تدلل سيأتي ألان شاي بنكهة الهيل.
كانت لعبة الدومنيو على أشدها بين الأصدقاء, لكن كان أبو سارة ( وهو ضابط امني), منزعجا من شيء ما, فسألته عن علته فقال:
– يا أخي مصيبتنا بالمحللين السياسيين الذين يهلون علينا عبر الفضائيات, لينعقوا بهلوسات بعيدة عن العقل والمنطق, نهار الأمس خرج علينا محلل (أخر زمان), ليصرح أن بغداد ستشهد أزمة في المواد الغذائية, بل وصفها بالمجاعة, ودعم كلامه بان الاجتماعات الأخيرة للساسة, هي لمحاولة حل الأزمة التي ستحصل, وكان صوت المحلل الجهبذ جهوريا, مما ساعده بالتأثير بالمشاهدين, بالإضافة إلى أن مقدم البرنامج سمح له وبخبث أن ينشر سمومه عبر الفضائية.
– الفضائيات اليوم هي من تنشر الإشاعات, وتسفه وعي المواطن.
– هل تعلم أنه صباح اليوم ارتفعت الأسعار, وزاد الطلب على السلع الغذائية.
– كيف لا تحصل فوضى في البلد وهؤلاء المحللين السياسيين يخبرون الناس عن سد سينهد وتغرق بغداد, وأخر يخبرهم عن مجاعة قادمة لهم, أن المصيبة بالخبثاء الذين يشجعون ويدعمون بعض محدودي الأفق, ويهبونهم عنوان ( محلل سياسي), كي ينشروا سمومهم وهلوساتهم في المجتمع, عبر فضائيات لا تهتم بما يقال.
جاء الشاي وانتهى حديث المحللين المهلوسين, وضحكنا كثيرا لخسارة سعدون, ومع قرب مغادرتي جاء رحيم البرشلوني وهو حزين جدا.
– ما بك يا رحيم, تبدو حزينا على غير عادتك؟
– سمعت محلل رياضي قبل قليل, وهو يتكلم في الفضائية, بأنه إذا اعتزل يونس محمود فان ألفيفا ستعلن قرار حضر اللعب على منتخبنا الوطني.
ضحكنا جميعا بصخب كبير, فيبدو أن المحللين المهلوسين ليس في السياسة فحسب, بل تمدد وجودهم ليصل إلى الرياضة, خرجت من المقهى وأنا اردد جملة (أعوذ بالله من المحللين السياسيين المهلوسين ).