(أدب وثقافة وإعلام الفضائل لمواجهة الفجور والرذائل ) الحلقة (9)

كونوا كرماء بدعائكم أيها الأخيار وتذكروا هؤلاء في الأسحار !

احمد الحاج
لا أكتمكم سرا لقد وجدت ومن خلال الكتابة بأن افضل طريقة لإلزام نفسك بعمل طيب ما ، هو ان تقترحه على من حولك فيكون بمثابة الزام لشخصك حتى لاتقع في المطب والافة التي حذر منها الباري عز وجل في محكم التنزيل :”أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ” وقوله تعالى ” كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ “، اضف الى ذلك أن إقتراح عمل طيب على من حولك وفي حال اقتنع وطبقه بعضهم فستجد بركته لامحالة في تيسير وسرعة تطبيقه عندك، وبناء عليه اقترح على حضراتكم إقتراحا سأكون مضطرا للمواظبة عليه بعد كتابة السطور الاتية انطلاقا من المبدأ اياه وبما ان اغلاق المساجد سيعود مجددا بدءا من الخميس المقبل ولمدة اسبوعين قابلة للتمديد بحسب قرارات وتصريحات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية= لاجمع ولاجماعات لفترة قد تطول وقد تقصر فأقترح على نفسي اولا وعلى الجميع النهوض قبل ثلاثة ارباع الساعة من صلاة الفجر على اقل تقدير وتبييت النية لذلك قبل النوم مع توقيت المنبه لقيام التهجد ، وبما ان التهجد عبارة عن صلاة وذكر واستغفار وتسبيح ودعاء يجمع بين الخوف والرجاء وبما انه من صفات المؤمنين وديدن الصالحين ودثار المتقين وسجية المصلحين ، قال تعالى ” تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون” ، وقوله تعالى ” وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ” ، وقوله تعالى ” وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا” ، وقوله تعالى ” وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ” ،وفي فضل قيام الليل وافضله التهجد ” تنام ثم تقوم من نومك لتصلي وتدعو وتستغفر” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام” وقوله صلى الله عليه وسلم ” إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً،لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ.” ، وقوله صلى الله عليه وسلم ” عليكم بقيامِ الليلِ ، فإنه دأْبُ الصالحينَ قبلكُم ، وقُرْبَةٌُ لكم إلى ربكم ، ومكفرةٌ ، للسيئاتِ ، ومَنْهاةُ عن الإثمِ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم “انَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها ،وباطِنُها من ظَاهِرِها لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وباتَ قائِمًا و الناسُ نِيامٌ”.
وبناء على ذلك أقترح المواظبة على صلاة التهجد وقيام الليل وأن يكون الدعاء فيها عاما ولجميع المؤمنين والمؤمنات حول العالم ، فضلا عن الدعاء الخاص في الاسحار وفي جوف الليل الغابر وان تستحضر في ذهنك وقلبك وجميع جوارحك كل هؤلاء ولاتبخل عليهم بدعائك :
– تذكر ملايين الموتى وهم بأمس الحاجة الى دعاء مجاب في تلكم اللحظة بالرحمة والمغفرة وان يبدلهم الله تعالى دورا خيرا من دورهم ، واهلين خيرا من اهليهم ، وان يجعل قبورهم روضة من رياض الجنان لا حفرة من حفر النيران، وان ينقلهم من ضيق اللحود الى جنان الخلود ، ومن وحشة القبور الى سعة القصور عند رب رحيم غفور ، وان يباعد بينهم وبين خطاياهم كما باعد بين المشرق والمغرب ، وان ينقهم منها كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، وان يغسلهم منها بالماء والثلج والبرد .
– تذكر ملايين المرضى في تلكم الساعة وهو يئنون من شدة الالم ، بعضهم يمتلك ثمن الدواء والعلاج والتشخيص والتحليل فيكتفي بالانشغال بأوجاع مرضه وسقمه ، وبعضهم لايمتلك شروى نقير فجمع عليه بذلك وجعان وألمان لا يدري من أيهما يئن ويحزن” وجع الفقر وضيق ذات اليد التي حرمته حتى من ثمن دوائه ومسكناته وعلاجه ..ام من وجع مرضه الذي طال امده ؟ ادع لهم بالشفاء العاجل وبتيسير العلاج لهم بكافة مراحله وتكاليفه ، وادع بأن يحنن الله تعالى قلوب من حولهم عليهم بدءا من الاطباء والممرضين وليس انتهاءا بالاصدقاء والمحبين ..فبعضهم يعاني من سأم وجزع وابتعاد من حوله عنه تصاعديا وبإطراد كلما طالت مدة مرضه ” نبي الله ايوب عليه السلام مر بمثل هذه التجربة المريرة والصعبة جدا ” .
– تذكر ان الافا مؤلفة من المدينين وقد ارق الدين بالهم واسهر ليلهم واذل نهارهم فأدعوا لهم بسعة الرزق لقضاء الديون او ان يحنن قلوب الدائنين عليهم .
– تذكر ملايين المشردين والنازحين والمهجرين والمغتربين والمسافرين ..ادعوا لهم بالعودة الميمونة الى ديارهم سالمين غانمين .
– تذكر ملايين المظلومين والاسرى والمعتقلين والمغيبين والمفقودين والمختفين قسرا والمخطوفين والموقوفين ظلما والمحتجزين اجحافا والمحبوسين والمسجونين بوشاية كيدية او بقرارات مزاجية وكيفية – لصنم او نظام حاكم – ما في ارجاء المعمورة ، ادع لهم بفكاك اسرهم واطلاق سراحهم ومعرفة مصيرهم لتقر اعين ذويهم بهم غير فاتنين ولا مفتونين .
– تذكر ملايين العاطلين والكادحين والفقراء و الارامل والايتام والمساكين فأدع لهم بالرزق الوافر وبفرص العمل الحلال التي تغنيهم واهليهم عن ذل السؤال .
– تذكر ملايين الجياع والعراة والظمآى حول العالم،ادع لهم بأن يطعموا ويسقوا ويكسوا عاجلا غير آجل .
– تذكر الاف العوائل التي حرمت من الانجاب وادع لهم بأن ينفخ الله تعالى في ارحامها واصلابها ذرية صالحة تقر اعينهم بها .
– تذكر الاف الازواج المتخاصمين فأدع لهم بأن يصلح الله تعالى بين قلوبهم وان يجمع بينهما بخير ..او ان يفرق بينهما بإحسان لاظالمين ولا مظلومين ليتسنى لكل واحد منهما زوج / زوجة جديدة في زيجة صالحة تعوضهما عن ما الم بهما من حزن وهم ونصب وشقاء في الزيجة الاولى .
وهكذا دواليك ، حاول ان تستذكر شريحة ما بحاجة الى الدعاء في هذه الساعات المباركة وادع لها بكل خير ولاتبخل فمع كل دعاء هناك من سيؤمن على دعائك ويسأل لك بمثلها وزيادة .
انظر ماذا يصنع افشاء السلام والمواظبة على الذكر وتلاوة القرآن وماذا تفعل صلاة الفجر جماعة في المسجد ..!
بالامس صلينا صلاة الغائب على رجل لا أعرفه واليوم فجرا سمعت بشأنه عجبا … فقد صليت العشاء في احد المساجد التي لم اعتد الصلاة فيها الا لماما بعد أن وافق الاذان للصلاة اثناء مروري بالقرب منه ..وبعد ان انتهينا من الصلاة قال امام المسجد “اخوتي الاحبة لنصلي صلاة الغائب على احد رواد المسجد ممن يواظب على صلاة الفجر يوميا معنا وقد توفاه الله تعالى اليوم “، ادينا الصلاة ودعونا له بالرحمة والمغفرة ، بعدها قامت ادارة المسجد مشكورة بتوزيع علب طعام جاهز ثوابا على روح الفقيد رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته ..
حتى تلكم اللحظة كل ظني هو ان هذا المصلي الذي احزن فقدانه امام الجامع وبقية المصلين الى درجة توزيع الطعام على روحه ثوابا اضافة الى الصلاة عليه غيابيا هو رجل كبير في السن ومن رواد المسجد القدامى المعروفين منذ سنين طويلة على مستوى الجامع والمنطقة المحيطة به …الا ان المفاجأة غير المتوقعة نهائيا والتي سمعتها اليوم صباحا جاءت على لسان احد مصلي هذا المسجد المبارك ، حين قال لي ” بأن المتوفى شاب صغير لم يتعد الـ 20 عاما من العمر وقد توفي بعد اجراء عملية جراحية مستعجلة انتهت بمضاعفات لم تمهله سوى لساعات بعدها ..وانه من رواد المسجد الجدد لكونه قد سكن المنطقة حديثا بعيد زواجه قريبا …!
قلت بالعامية : يعني شكد حديثا “سنة ، سنتان ..اكثر ؟! ” .
قال : انه يصلي معنا منذ اسبوعين فقط لا غير،الا ان مواظبته على صلاة الفجر يوميا ،وسلامه على الصغير والكبير قبل وبعد الصلاة بكل ود وتواضع والابتسامة تعلو محياه ، وتلاوته للقرآن بهدوء وسكينة بين الاذان والاقامة في إحدى زوايا المسجد،وانزوائه للصلاة والتسبيح بكل خشوع عقب الصلاة المكتوية من دون التلفت والالتفات وعدم التدخل في شؤون الاخرين وصون لسانه عن فضول الكلام كليا ،جعلنا نحبه ونحترمه ونتفقده جميعا علما انه لايصلي معنا جماعة سوى الفجر والعشاء !
الحقيقة أن وراء هذا الشاب سر مع الله تعالى لايعلمه الا هو ..رحمه الله واسكنه فسيح جناته. اودعناكم اغاتي