اسعد عبد الله عبد علي
أنها ليلة طويلة على بيت الحاج منصور، فبعد منتصف الليل تعرضت ابنته الصغرى ملاك, ذات الأربعة عشر ربيعا لوعكة شديدة, ومن سوء حظ الحاج منصور انه لا توجد مستشفى قريبة، أو حتى عيادة صغيرة, أو مجرد سيارة إسعاف، بل حتى الحصول على تكسي بعد منتصف الليل يعتبر من صنف المعجزات, فهو يسكن في منطقة عشوائية في أطراف بغداد.
الفقر جعل الحاج في عسر دائم, انه لا يملك سيارة أو مجرد دراجة نارية, كي يمكنه إسعاف ابنته، واغلب جيرانه من نفس الحال، فقراء وعوز صارخ, انه حال الكثيرون ممن هربوا من نار الإيجارات إلى العشوائيات.
ابنته تصرخ من الم في بطنها، وحولها أخواتها الأربعة، وهو يقلب كفيه، لا يجد السبيل لمساعدة ابنته المسكينة، ركض للشارع عسى أن يجد باص أو تكسي، لكن لا توجد سيارات, فقط هو وسكون الليل, نظر للسماء متفكرا ومتسائلا ” ترى هل ينتهي الظلم, هل سيعيش يوما ينصف فيه الفقراء, أم كتب عليهم الفقر والقهر والألم”.
عاد للبيت متأملا أن تكون ابنته قد سكت ألمها، لكنه وجدها بحال أسوء, تصرخ وتبدد سكون الليل بصيحات الألم، عندما شاهدته مقبلا استنجدت به:
– سأموت يا أبي, أرجوك أنقذني.
– يا ابنتي الغالية ستكونين بخير, فقط تماسكي واجعلي ثقتك بالله, سأعود للشارع عسى أن أجد سيارة تنقلك للمستشفى.
هرب من دموع ابنته, ومتحاشيا أن تشاهد دموعه, فلم يعد يتحمل النظر لوجهها أو سماع صراخها, وهو لا يعمل شيئا, وقف في الشارع عسى أن تأتي سيارة, وقرر أن يوقفها حتى لو بالإكراه.
مرت ساعة ولا بصيص صغير للأمل، كأن السيارات تحولت من الوجود للعدم, عندها قرر أن يعود للبيت، فالوقت قارب الفجر, متأملا أن تكون ابنته بخير وأفضل حالا, عاد للبيت ووجد الكهرباء مقطوعة, والظلام يلف المكان، لكن تنبه إلى أن ابنته توقفت عن الصراخ، شعر ببعض السرور، فيبدو أنها تحسنت وزال ألمها.
أشعل مصباحه ودخل للبيت, وجد بناته الصغيرات متجمعات حول أختهن ملاك, وهن يبكين، التفتت أحداهن لأبيها وقالت:
– ماتت ملاك يا أبي.