ألتقي صباح اليوم بإمام على فنجان القهوة، فتطول الجلسة ويشتد النقاش حول وضعية الإمام والمساجد في الجزائر.
يقول لي: أصبح الإمام موظف وليس داعية. أتدخل: الوظيفة ليسب عيبا، لكن هذا لا يمنع الإمام وغيره أن يؤدي مهمته السامية من خلال وظيفته الرسمية، وبالقدر الذي ينفع وعلى مدار سنوات المهنة.
إشتكى تقريرا ضده بشأن موضوع المرأة، وأقسم لي أن لا يتطرق لموضوع المرأة أبدا. أجيبه: كيف تتوقف من أجل تقرير واحد، وما بالك لو تعرضت لما تعرض غيرك له من قبل من تهاطل التقارير الظالمة في حقهم، ولم يثنهم ذلك شيئا بل زادهم عزما وإصرارا، ورحت أحدثه عن ثبات سيّدنا نوح عليه السلام طيلة ألف سنة إلا خمسين عاما، وأحثه على الثبات وأنصحه بتغيير معالجة المواضيع، بما يناسب الوضع .
حدثني عن معلومات مثيرة عجيبة، تستحق النشر والوقف عليها لاستنباط ما يمكن استنباطه حين تم التطرق لموضوع قلة الأئمة، فقال:
نسبة من الأئمة المتخرجين الجدد يوجهون لشرق البلاد، لأنهم يفتقرون للأئمة وللزوايا التي تخرّج الأئمة، عكس ولايات غرب الجزائر التي تحتوي على عدد كبير من الزوايا العلمية التي حافظت على كتاب الله تعالى، واستطاعت أن تنجب أعدادا كبيرة من حفظة كتاب الله تعالى ومن الفقهاء المتمكنين.
ثم تحدث عن أن هناك حوالي 18000 مسجد عبر التراب الجزائري، و حوالي 7000 إمام دائم فقط يضمن إقامة الصلاة بشكل دائم، ما يعني أن هناك عجزا قدره حوالي 11000 إمام. أقول له: من خلال الأرقام التي ذكرتها والنقص الفادح في عدد الأئمة، ألا يمكن تخفيض عدد المساجد الخاصة بإقامة صلاة الجمعة إلى الحد الذي يمكن فيه الاكتفاء بنفس العدد الذي ذكرته، وضربت لذلك مثلا وقلت: لو جئنا لنفس المنطقة التي نسكنها لاكتفينا بمسجدين فقط لإقامة صلاة الجمعة وجمع الناس على كلمة واحدة، وتركنا المساجد الأخرى للصلوات اليومية دون إقامة الجمعة، فإن ذلك – في نظري – يخفّف من حدّة نقص الأئمة، ويزيد في قوة ومتانة روابط المجتمع. و أعترف بأن الإمام أعجب كثيرا برأيي هذا، وأشاد به كثيرا.
وتطرق بعدها إلى مفهوم المسجد العتيق، وأن المسجد الجديد يبنى حين يعجز المسجد العتيق عن استيعاب عدد المصلين المرتفع. تدخلت على الفور وذكرت له ما قلته بتاريخ السبت 27 جمادى الثاني 1438، الموافق لـ 25 مارس 2017 ، لزميلنا العراقي مصطفى العمري، حين تعرض في مقال له عن إحدى المظاهر السلبية التي تجتاح المساجد، فقلت له يومها وأعدته على مسمع الإمام:
دعني أضيف لحزنك أحزانا أعيشها وألمسها. كانت المساجد ونحن صبية تبنى لضيق المساحة وبعد المسافة، واليوم تبنى لسعة المساحة وقرب المسافة. وعشت منذ 3 عقود بناء مسجد بسبب تنافس الشيوخ يومها على القيادة والرئاسة حيث مات الجيل الأول، ومنذ 8 سنوات بني مسجد ثالث بسبب تنافس الأحفاد على القيادة والرئاسة، وأخشى ما أخشاه أن تنتقل عدوى الزعامة إلى الجيل والثالث والعاشر. ويوجد في فقهنا مصطلح الجامع الذي يجمع بين المتحابين والمتخاصمين، فترق القلوب وتصفو الصدور ولو بعد حين، لكن حين تكثر المساجد من غير داع وتبنى لإرضاء خيلاء النفس وسطوتها، تشهد الصفوف حينئذ تصدعا ، ويتغلغل الحقد والكره، وتبعد المسافة بين القلوب، لأنه لا يوجد جامع يجمعهم، ولا كبير يعودون إليه، فكل يعتقد أنه المرجع وإليه المرجع بسبب تعدد المساجد التي بنيت على الكره، والبغض، والطائفية، والكسل، والخمول، سائلين الله أن يرزقنا الجامع الذي يجمع الجميع.