بشار الأسد في نقطة اللاعودة
عبدالخالق حسين

قبل أن ينال القذافي مصيره المقرف والمؤلم، كنا نحذر الحكام العرب الجائرين بمصير صدام حسين. والمفارقة أنه حتى القذافي نفسه حذر الحكام العرب في مؤتمر القمة في دمشق، بأن ينتظرهم مصير صدام، دون أن يخطر بباله أنه سيكون الأول ليتلقى أسوأ من مصير صدام، فالأخير، وبفضل الأمريكان، عامله العراقيون معاملة إنسانية وقانونية تليق بكرامة الإنسان ومهما كان جائراً، حيث وفروا له محاكمة عادلة دامت نحو عامين، نقلت وقائعها للعالم على الفضائيات. أما القذافي فقد قتل من قبل الجماهير الغاضبة الثائرة بشكل مهين وبشع، وبدون أية محاكمة، عادلة أو غير عادلة، بل وحتى أغتصب جنسياً أمام الكاميرات، وتركت جثته نصف عارية في ثلاجة لحوم لعدة أيام يتفرج عليها الناس. وما حصل للقذافي هو بالطبع ردود أفعال عنيفة وشنيعة للمظالم التي يرتكبها الحكام الجائرون ضد شعوبهم، والتي  تتناسب طردياً مع درجة الظلم ومدته.

أعتقد أن مصير الرئيس السوري، بشار الأسد سيكون كمصير القذافي وليس كمصير صدام، لأنه قد بلغ نقطة اللاعودة. فالشعب السوري الآن يعيش محنة لم تفقها إلا محنة الشعب العراقي في عهد حكم البعث الصدامي. فحكم البعث، و كما نعرفه نحن العراقيون، شر مطلق لن يتخلى عن الحكم إلا بالقوة، وعلى الأغلب بالقوة الخارجية، وليس بانتفاضة الشعب، لأن البعث مستعد لإبادة الشعب كله في سبيل البقاء في السلطة، وسقوطه لا بد وأن تتبعه كوارث أيضاً، كما حصل في العراق. ولكن مع كل الكوارث التي حصلت في العراق عقب سقوط البعث، نقول أنه كان من حسن حظ الشعب العراقي، أن تم إسقاط حكم البعث على يد التحالف الدولي بقيادة أمريكا، فلو سقط على أيدي العراقيين لكانت التبعات والعواقب أدهى وأمر، وربما كان مصير العراق أسوأ من مصير الصومال. ولذلك فمستقبل سوريا غامض ومثير للقلق الشديد.

منذ بداية العام الحالي، والعالم يشهد ما يسمى بانتفاضات الربيع العربي التي أسقطت لحد الآن عدداً من الأنظمة الجائرة، ولكن يبدو أن فرحتنا لم تدم، إذ انكشفت لنا الحقيقة المرة، وهي أن البديل عن الحكومات العربية المستبدة هو نظام إسلامي قروسطي يعمل على إعادة الشعوب العربية مئات السنين إلى الوراء، مهووس بمحاربة الأقليات الدينية، وحقوق الإنسان، واضطهاد المرأة وعزلها لأنها أضعف حلقة في المجتمع. فهذا ما حصل في تونس، وما نسمعه ونقرأه عن فوز الأخوان والسلفيين المتشددين في مصر حيث حصدوا 65% من الأصوات والمقاعد في المرحلة الأولى من الانتخابات، وكذلك يمكن أن يحصل الأسوأ في ليبيا وسوريا واليمن. أما في سوريا، فمن المتوقع أن يكون البديل هو نظام أخواني طالباني على غرار طالبان أفغانستان، وسيقوم بمجازر إبادة ضد العلويين والمسيحيين والدروز، تماماً كما فعل الطالبان ضد الهزارة الشيعية في أفغانستان. ولهذا السبب فليس أمام حكم بشار الأسد وأبناء طائفته العلويين وغيرهم من الأقليات الدينية سوى المواجهة الدموية والدفاع عن النظام حتى النفس الأخير.

نشر الكاتب الكويتي المعروف، الأستاذ أحمد الصراف، في عموده اليومي (كلام الناس) في صحيفة القبس الكويتية، مقالاً بعنوان (سيدي الرئيس)، قدم فيه للرئيس السوري، نصائح حكيمة لا تقدر بثمن، من أجل أن يخرج شعبه ونفسه من المأزق الذي يهدد بالوبال في قادم الأيام إن لم يقم بالإصلاحات السياسية المطلوبة الآن وقبل فوات الأوان. ومما قاله الأستاذ الصراف للرئيس الأسد: [أن كل ما تقوم به الآن من «مقاومة وقتل للمخربين» ما هو إلا تأجيل ليوم سيأتي حتما، ربما ليس غدا،…].  ويقدم الكاتب جملة من الاقتراحات، مثل تعديل الدستور وإطلاق سراح المعتقلين وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية…الخ، ويضيف ما نصه: “… من بعدها يمكنكم يا سيدي الرئيس، المشاركة في تلك الانتخابات، كأي مواطن غيور وحريص على مصلحة وطنه، أو كرئيس حزب سياسي محب لأبناء وطنه، وليس لديّ ذرة من شك في أن الشعب سيختاركم، ليس فقط لما أقدمتم عليه من نكران للذات، وتغليب للمصلحة العامة، بل وأيضا لشجاعتكم التي سيخلدها التاريخ!”

لا شك أنها نصائح حكيمة، ولكن المشكلة، وكما قال مؤسس علم السياسة ماكيافيللي: “أن الحكمة التي يقدمها الحكيم لأي إنسان لا يستفيد منها ما لم يكن هذا الإنسان هو نفسه حكيماً”. وهكذا فكيف لبشار الأسد، أو أي حاكم مستبد آخر أن يكون حكيماً لكي يستفيد من هذه النصائح؟ فعلى الأغلب لن يتخذ أي حاكم جائر بأية نصيحة لأنه لا يعتقد أنه جائر، مثل المجنون الذي لا يدري ولا يعترف بأنه مجنون. فقبل عدة أعوام، قدم المفكر التونسي المعروف، الأستاذ العفيف الأخضر، رسالة مفتوحة إلى بشار الأسد، مشابهة لرسالة الأستاذ الصراف، نصحه فيها بالقيام بإصلاحات سياسية، وقال له أن أمامه طريقان: إما طريق صدام حسين، وبالتالي سينتهي كما انتهى صدام، أو طريق الرئيس السوفيتي السابق، غورباتشوف، بأن هو نفسه يقوم بالإصلاحات، فينقذ نفسه وشعبه من الفوضى والحروب الأهلية. ولكن كما كان متوقعاً، لم يأخذ بشار بهذه النصيحة، فوقع الفأس في الرأس، حتى بلغ نقطة اللاعودة، وهو في محنة لا يعرف كيف الخروج منها.

كان بإمكان بشار الأسد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ويقدم نفسه كمصلح سياسي كبير لو بدأ بالإصلاح قبل عدة سنوات، أو منذ تسلمه الرئاسة عام 2000، حيث رحب به الشعب ترحيباً حاراً وصادقاً على أمل أنه يختلف عن والده، بأنه طبيب متخصص من دولة عريقة في الديمقراطية، بريطانيا،…الخ، وكان عليه أن يبدأ الإصلاح تدريجياً، وهنا نؤكد على كلمة (تدريجياً) لتجنب الفوضى، ويبقي جيشه حامياً للعلمانية والديمقراطية. ولكن بعد 11 عاماً من حكمه ودون أي تغيير، فقدت الجماهير  كل أمل في الإصلاح، فحصل الانفجار، وواجهت السلطة الجماهير بمنتهى القسوة، فلحد الآن قتل نحو أربعة آلاف، وجرح عشرات الألوف، فانقطعت كل سبل المصالحة وحل المشاكل بالوسائل السلمية.

كما وقد أثبت التاريخ أن أي تساهل أو تراخي من قبل السلطة المستبدة سيشجع الجماهير الغاضبة على تصعيد المطالب، والمزيد من الغليان والثورة والمواجهات إلى أن يحصل الانهيار الكامل للنظام. لذلك، فبشار الأسد لا يرى أمامه سوى مواصلة ارتكاب المزيد من الجرائم ضد شعبه.

كذلك يجدر بنا القول أن المسألة لم تعد تخص سوريا فقط، بل أصبحت صراعاً يحمل صبغة طائفية وإقليمية ضد إيران وحزب الله في لبنان، وربما حتى في العراق، لصالح السعودية وغيرها من الدول الخليجية، خاصة بعد قرارات الجامعة العربية بقيادة المملكة العربية السعودية وقطر الوهابيتين، وهما من أشد أعداء الديمقراطية في المنطقة، لذا لا يمكن أن نتوقع من هؤلاء أي عمل خير في سبيل نشر الديمقراطية في سوريا أو غيرها. فتاريخ الجامعة العربية يفتقر إلى أي عمل لانتصار أي شعب عربي، إذ وقفت ضد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991، رغم أنها كانت ضد نظام بعثي أكثر جوراً من البعث السوري، كما ووقفت الجامعة، وبتحريض من الدول الخليجية ضد انتفاضة الشعب البحريني، حيث أرسلت السعودية قواتها لسحق الانتفاضة. لذلك فموقف الجامعة العربية وحماسة الدول الخليجية ضد سوريا، وكذلك موقف رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان في دعم حكم أخوان المسلمين بعد انتفاضات الربيع العربي، وما تنشره الصحافة السعودية وفي مقدمتها صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية من مقالات رئيس تحريرها، ذات النفس الطائفي ضد الشيعة في المنطقة وبشكل صريح، كل هذه الأمور تجعلنا نعتقد أن مواقف الجامعة العربية لا تخلو من دوافع طائفية، وبالأساس ضد إيران بسبب برنامجها النووي وغباء الحكم الإيراني، ويهدد بمحرقة قد تشعل المنطقة كلها.

كذلك الأنباء القادمة من تونس لا تبشر بخير أو قيام أي نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، وسيترحم الشعب التونسي على حكم بن علي، إذ هناك حملة إسلامية قروسطية تقوم بها عصابات بلطجية من السلفيين شبيهة بحركة طالبان، احتلت حرم الجامعات التونسية، في محاولة منها فرض الزي الإسلامي السلفي (النقاب) على النساء الجامعيات، تدريسيات وطالبات، والفصل بين الجنسين. فإذا كان هذا ما يجري في تونس العريقة بالعلمانية، ونحن نعرف أن حكم بن علي لم يرتكب عشر معشار ما ارتكبه حكم البعث في سوريا.
و لذلك نعتقد أنه إذا ما سقط النظام البعثي في سوريا، فعلى الأغلب سيكون البديل هو نظام إسلامي أخواني سلفي متشدد لا يختلف عن طالبان أفغانستان، حليفاً للسعودية، وسيشكل خطراً كبيراً على العراق، خاصة وقد تزامنت هذه الأحداث مع المطالبة بأقلمة المحافظات الغربية.
ـــــــــــــــــــــــ
عنوان المراسلة مع الكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
 الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/