الفصل بين السلطات ..
هل هي حاجة أم ضرورة ..؟

د. نبيل أحمد الأمير
   
– المقصود بالحاجة .. هي مايمكن الإستغناء عنه .
– والمقصود بالضرورة .. هي ما لا يمكن الإستغناء عنه .
 
من المعلوم للجميع أن هناك ثلاث سلطات في أنظمة الحكم ، كما هو مقرر في كل الشرائع السماوية وفي القوانين المدنية الوضعية وهي (التشريعية . والقضائية . والتنفيذية) ، وكانت هذه السلطات تجتمع في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ،  وما كان في ذلك أي خطر بسبب التأييد والتسديد الإلهي من خلال الوحي ، ومع ذلك فإن الفعل المجرد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدل على الوجوب ، إلا إذا كان بيانا لواجب ، كأعمال الصلاة والحج ، وكانت الدولة في بدايتها محدودة النفوس نقية طاهرة ، والوازع الديني يقظا ومسيطرا فيها على النغوي والتصرفات ….
والفقهاء رحمهم الله تعالى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلفوا في حكم الجمع أو الفصل بين هذه السلطات ، فالفصل أو الجمع بينهما من السياسات الجزئية المرتبطة بفقه الوقت والمصلحة ، بدليل أن الخليفة الثاني فصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، بخلاف الخليفة الثالث الذي جمع بين السلطة التشريعية والقضائية .

فالفصل بين السلطات هو من الأمور المباحة التي قد تُقيّٙد بواجب الوقت والمصلحة ، لذلك فهي من السياسات الجزئية وليست من السياسات العامة المستندة إلى نصوص قطعية .

لكني أرى (بإجتهادي المتواضع) ، وبسبب تغير الزمان والحاجات وحتى التطبيقات ، وبسبب تغيير أنظمة الحكم بالدول ، وإقرار حقوق الإنسان وحرية التعبير ، وظهور المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الرسمية والخاصة وغيرها من الامور التي إستدعت فصل السلطات عن بعضها ، لمصلحة ضمان إقامة نظام دستوري يكفل حماية حريات العصر الحديث ، ومنع تمركز السلطة بيد واحدة ، أو بيد هيئة أو مجلس واحد ، ولضمان احترام وتطبيق هذه القواعد والضوابط والقوانين .

وسداً لذريعة الاستبداد والظلم والبغي والتفرد بالقرار ، ولكي نحمي الحريات المقيدة بالشرع ، ونضمن حق الشورى المكفول شرعاً ، كان لابد من إسناد الوظائف الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) لسلطات أو هيئات ثلاث ، فيكون هناك جهاز خاص للتشريع ، وجهاز خاص للتنفيذ ، وجهاز خاص ثالث للقضاء ، ومتى تحقق ذلك أصبح لكل عضو اختصاص محدد لا يمكن الخروج عنه دون الاعتداء على اختصاص العضو الأخر ، ولا شك في أن الفصل بين السلطات يمنع ذلك الاعتداء لأن كلاً منها سيوقف عدوان الآخر . إلا أن هذا الانفصال إنما هو انفصالٌ مرنٌ فيمكن للسلطة القضائية مثلاً مراقبة السلطة التنفيذية ، كما يحصل (مثلاً) عندما يُراقب القضاء النظام الانتخابي في الدول الدستورية الحديثة .

والضابط في ذلك كله مصلحة الظرف الزماني ، وفقه الواقع المكاني الحالي ، وسد ذريعة استغلال السلطة لمصالح شخصية او حزبية ضيّقة . ولكي يستقيم عمل تلك الهيئات على وفق شرع الله ومصالح العباد ، وكما نراها في المجتمعات الإسلامية ، لا بد مراعاة ما يأتي :
1.   أن تكون عقيدة الدولة هي عقيدة التوحيد ، وأن لا حاكم إلا شرع الله .
2.   أن تكون سلطتها وإرادتها إنفاذ حكم الله .
3.   أن يكون أعضاؤها من الأمناء الأكفاء ومن أصحاب الاختصاص ، فلا يوسد الأمر إلى غير أهله ، فتضيع الأمانة ، فأساس الكفاءة القدرة والخبرة ، وأساس الأمانة عدم التفريط بالحقوق .
4.   أن يُقدم الأصلح لإشغال مكانه في تلك الهيئات ، بعد انطباق الشروط السابقة عليه .
5.   منع من طلب الولاية أو تسابق إليها ، وهذه قاعدة عامة تنطبق على الولاية العامة والولاية الخاصة ، فلا يُقدّم الرجل الذي يطلب الولاية ، لأن الولاية أمانة  ثقيلة لا يتسابق عليها المؤمنون .
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ :  “قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ، قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ (صلى الله عليه ووآله سلم) :
يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا” .

أما مصدر هذه السلطات في الإسلام فهو الشرع ، وأما من يتولى هذه السلطات في الحكومات الدستورية الحديثة فهم أعضاء المجالس النيابية ، وهم الذين يقومون بسن القوانين وتشريع الأحكام التي تقتضيها حاجات الزمن ومصالح الناس ، ويشرفون على تنفيذها .
وفي الدولة الإسلامية (وهذا إفتراض لان حتى الدول الإسلامية اليوم أصبحت دستورية وفيها فصل للسلطات) ، فالمفروض الذي يتولى السلطة التشريعية فيها هم الكفاءات والمجتهدون وأهل الفتوى والإختصاص ، وسلطتهم لا تعدو أمرين :
1.   ما كان فيه نص فعملهم تفهم النصوص وبيان الحكم الشرعي الذي يدل عليه .
2.   ما لا نص فيه فعملهم بطرق الاستنباط بواسطة الاجتهاد .

أما من يتولى السلطة القضائية في الإسلام هم رجال القضاء ، وقد روعي في الحكومات الدستورية الحاضرة (حتى في الدول الاسلامية) ، أن يكون رجال القضاء غير رجال التشريع تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات .
أما من يتولى السلطة التنفيذية في كل الدول فهي ماتُسمى بالحكومة والتي تشمل رئيس الحكومة ووزرائه وولاة المدن والمحافظات وقادة الجيش ورجال الشرطة وسائر عمال الحكومة .

السلطات العامة في الإسلام ..
———————————–
تقوم الدولة عند علماء القانون الدستوري والقانون الدَّوْلي المعاصرين على أركانٍ هي :
– الإقليم أو الأرض .
– الأمَّة أو السكان .
– السلطة العامة وهي النظام أو السيادة الداخلية والخارجية للدولة .
والمقصود بالسُّلطة العامة هي الهيئة التي لها الحق في إصدار الأوامر الملزمة للرعايا ، لصيانة حقوق الجماعة ومنع العدوان ، وهي تتكون من هيئات فرعية ثلاث :
– السُّلطة التشريعية .
– السُّلطة التنفيذية .
– السُّلطة القضائية .

وهذا التقسيم للسلطات ليس أمراً متَّفَقاً عليه ، فإنَّ بعضهم يجعل السُّلطة القضائية تابعةً للسلطة التنفيذية وغيرَ مستقلةٍ عنها ، وقد يضيف بعضهم سلطةً رابعة هي سلطة الرقابة والتقويم ، كما يضيف آخرون سلطة خامسة هي السُّلطة المالية ، وكل هذا يكون بحسب الزمان والمكان الذي هما فيه والذي تناولناه أعلاه .

سنبحث (باختصار) معنى هذه السلطات الثلاث ، وحسب التقسيم المشهور الغالب ، ثم نعقِّب على ذلك بمبدأ الفصل بين هذه السلطات وتوزيعها …..

■ أولاً / السُّلطة التشريعية ….
للتشريع معنيان :
– إيجاد تشريع لغاية (القانون الوضعي) .
– بيان وتفصيل حكمٍ تقتضيه شريعة قائمة .

أما الاجتهاد فيطلق ويراد به أحد معنيين :
١- بذل الجهد في تعرُّف الحكم الشرعي من دليله أيّاً كان ، ويشمل ما يفهمه المجتهد من النص ، وما يستنبطه بالقياس ، وما يستمدُّه من قواعد الشرع العامة ، كسدِّ الذرائع ، ودفع الحرج ، والعمل بالمصالح المرسلة … فالمعنى الأول فهو عامٌّ ، والأحكام الاجتهادية بمقتضاه تنتظم كل نتائج جهد المجتهدين في النصوص وفي غيرها من الأدلة الشرعية ، وهو المراد عند الإطلاق . 

٢- تعرُّف حكم ما لم ينصَّ عليه بواسطة قياسه على المنصوص على حكمه ، فهو بهذا المعنى يرادف القياس .
والأحكام الاجتهادية (بهذا المعنى) خاصة بالأحكام المستنبَطة بواسطة القياس ، فإن لم يجـد المشرّع المجتهد في كتاب الله ولا في سنة رسوله الحل فعليه أن يجتهد رأياً تشريعياً جديداً .

بعد بيان معاني التشريع تجدر الإشارة إلى أنَّ المعنى الثاني هو الذي نريد توضيحه حيث هو من يُستعمل الآن في أغلب المجلس التشريعية ، وهو يسمى في عرفنا الحاضر تشريعاً ، ولكنه عند الفقهاء المتقدمين لم يكن يسمى تشريعاً ، وإنما هو تنفيذ للأحكام أو اجتهاد فيها واستنباط ، لأنها تستند إلى تشريع منصوص . فهو في الاصطلاح الحديث يسمى تشريعاً ، وفي الاصطلاح القديم لم يكن يسمى بذلك ، وإنما يدخل في دائرة التنفيذ ، كما لو منع الحاكم نوعاً من الأعمال أو التصرفات المباحة أو قيَّدها لمفسدة تنشأ عنها تطبيقاً لقاعدة شرعية ، أو وضع ضوابط لتحديد الأجور للعاملين مثلاً ، أو ضوابط وشروطاً لمن يتولون الوظائف العامة ، ونحو ذلك من الأمــور التي تنتظــم بهــا أحــوال الناس مما لا يعـارض نصاً ولا حكماً ثابتاً ولا مقصداً من مقاصد الشرع . ولذلك ينبغي التنبُّه إلى تطور المصطلحات ومعاني الألفاظ والكلمات .

أما دائرة هذا التشريع ونطاقه ، فإنه يتحدد بتفسيرِ النصوص التي تقرِّر الأحكامَ ، والقياسِ على ما فيه نص عليها ، والاستنباطِ من الأصول والقواعد العامة ومقاصد الشريعة ، كما يشمل أيضاً دائرةَ المباح أو العفو الذي سكتت عنه الشريعة ، فليس فيه حكم صريح أو قياس مستنبَط . وهذا السكوت في حد ذاته دليل على أن الشرع أعطى الإنسان حقَّ إبداء رأيه في أمور ومسائل هذا القسم .

قيود السُّلطة التشريعية …
——————————
للسلطة التشريعية ثلاث قيود تعمل من خلالها :
– (الأول) .. أن يكون في المجال الذي يصحُّ فيه مما يشمل النوعين السابقين اللَّذَيْن أشرنا إليهما وهما :
(أ) التشريعات التنفيذية التي يُقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة ، وهي بمثابة اللوائح والقرارات التي يصدرها الوزراء اليوم ، كلٌّ في حدود اختصاصه ، لضمان تنفيذ القوانين الوضعية .
(ب) تشريعات تنظيمية التي يُقصد بها تنظيم الجماعة وحمايتها وسدُّ حاجتها على أساس من مبادئ الشريعة العامة . وهذه التشريعات لا تكون إلا فيما سكتت عنه الشريعة ، فلم تأت فيه بنصوص خاصة .

– (الثاني) .. أن يكون هذا التشريع متفقاً قبل كل شيء مع مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية ، وإلا كان باطلاً بطلاناً مطلقاً ، فليس لأحد أن ينفِّذه ، وليس لأحد أن يطيعه .

– (الثالث) .. ألاَّ يصادم هـذا التشـريع ولا يناقض دليلاً من أدلة الشريعة التفصيلية الثابتة .

■ ثانياً / السُّلطة التنفيذية ….
هي السُّلطة المختصة بتنفيذ الأحكام الشرعية والوضعية ، وتعمل على إقامة المرافق العامة وتنظيمها بما يكفل إشباع حاجات الناس في الدولة . ولا يختلف مدلول السُّلطة التنفيذية في الإسلام عنه في النظم المعاصرة ، فهي تشمل جميع العاملين الذين يقومون بتنفيذ إرادة الدولة وقوانينها ، ما عدا أعضاء الهيئة أو السُّلطة التشريعية والسلطة القضائية .

غير أن علماء القانون العام يفرِّقون بين من يقوم بالأعمال السياسية أو الحكومية ، ومن يقوم بالأعمال الإدارية ، وهم رجال الإدارة ، فيدرسون نشاط الأعمال الحكومية ضمن دراسة النظم الدستورية ، والنشاط الإداري ضمن دراسة القانون الإداري .

اختصاصات السُّلطة التنفيذية ..
————————————–
والأصل أن يقوم بها رئيس الدولة أو رئيس الوزراء او الوزراء والعاملين من دونهم بالسلم الوظيفي عدا أعضاء السلطتين القضائية والتشريعية .
ويدخل في هذا الإختصاص تعيين الموظفين وعزلهم وتوجيههم ومراقبة أعمالهم ، وقيادة الجيش وإعلان الحرب ، وعقد الصلح والهدنة ، وإبرام المعاهدات ، وإقامة الحدود ، وتنفيذ الأحكام ، وحمل الناس على ما يُصلح أمورَهم ، والعفو عما يجوز العفو عنه من الجرائم والعقوبات .
فالإمام (سابقاً) هو رئيس الدولة ومصرّف أمورها والمسؤول الأول عن أعمالها، ومسؤوليته ليست محدودة ، وإنما هي مسؤولية تامة ، فهو الذي يضع سياسة الدولة ويشرف على تنفيذها ، وهو الذي يهيمن على كل أمور الدولة ومصائرها .

اوهذه السُّلطة التي يتمتع بها رئيس الدولة او الإمام أو الخليفة ، ليست سلطة مطلقَةً مستبِدَّةً ، بل هي سلطةٌ مقيَّدةٌ بثلاثة قيود من أصول الشريعة وقواعد النظام السياسي :

– (الأول) .. التقيُّد بأحكام الشريعة ، وعدم مصادمتها أو مخالفتها لحكم شرعيٍّ أو مقصد من مقاصدها ، فلا يجوز الخروج على حكم من أحكام الشريعة ، وإلا كان العمل أو التصرف باطلاً بطلاناً مطلقاً .

– (الثاني) .. الشورى ، فإن الإمام لا يستبدُّ بالأمور ، بل هو يستشير أهل الشورى وأهل الحلِّ والعقد .

– (الثالث) .. مراعاة المصلحة العامة للأمة ، فإن القاعدة الشرعية التي تحكم تصرفات الإمام وسائر أصحاب الولايات هي قاعدة «تصرُّف الإمامِ على الرعيَّةِ مَنُوطٌ بالمصلحة» .

الوزارة والوزراء ..
———————-
لما كان رئيس مجلس الوزراء لا يستطيع أن يقيم كل المصالح ، ولا أن يقوم بالوظائف كلها بنفسه ، وجب أن يكون معه من يُعِينُه في وظيفة تنفيذية لمساعدته في الأمر ، فهو يستعين بالوزراء في القيام بشؤون الدولة وتوجيه أمورها ، ولكنهم مسؤولون أمامه عن أعمالهم ، ومركزُهم منه مركزُ النوَّاب (من يقوم مقامه) عنه ، فهو يعيِّنُهم وهو يُقِيلُهُم . ولم يكن منصب الوزارة منصباً رسمياً في عهد النبوة والخلافة الراشدة ، ولا في عهد الدولة الأموية ، وإنْ كان أصلُ مشروعيَّتِه ثابتاً في القرآن الكريم فيما حكاه الله تعالى ـعن موسى عليه السلام بقوله: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} .
والوزرارة بمعناها التطبيقي وليس اللفظي كانت موجودة فعلياًً في زمن الرسول المصطفى ، وكان يقوم بها اخو رسول الله وابن عمه وزوج إبنته الامام علي بن ابي طالب ، كما هو الوزير الآن ، يُساعد الرسول الأكريم في شؤون الحكم وتثبيت الدولة . لكن الوزارة أصبحت منصباً رسمياً من وظائف الخلافة والملك منذ عهد الدولة العباسيَّة .
وأصبح علماء الفقــه السياسي الإسلامي يبحثون في الوزارات وجعلوها نوعين :
– وزارة تفويض
– وزارة تنفيذ
ولكلٍّ منهما شروط ، وبينهما فوارق في العمل والاختصاص .

ففي (الأولى) .. يفوِّض الخليفةُ او الرئيس وزيراً في تدبير الأمور برأيه وإمضائها باجتهاده ، وله سلطات الخليفة او الرئيس نفسه كقاعدة عامة ، إلا في بعض الأمور المستثناة من ذلك . ولعلَّ هذا المنصب يشبه اليوم رئيسَ الوزراء أو الوزيرَ الأول في بعض الأنظمة السياسية .

و (في الثانية) .. وزارة التنفيذ ، يعيّن الخليفة او الرئيس من ينوب عنه في تنفيذ الأمور دون أن تكون له سلطةٌ مستقلَّة ، فهو يباشر تنفيذ ما يرد إليه من أوامر يصدرها الرئيس أو وزير التفويض . ودراسة هذا الجانب من النظام السياسي تكفَّلت به كتب الأحكام السلطانية .

■ ثالثاً / السُّلطة القضائية ….
مهمة هذه السُّلطة هي إقامة العدالة بين الناس ، والحكم في المنازعات والخصومات والجرائم والمظالم ، واستيفاء الحقوق ممن ماطل فيها ، وإيصالها إلى مستحقها ، والولاية على فاقدي الأهلية والسفهاء والمفلسين ، والنظر في الأوقاف وأموالها وغلاَّتها ، إلى غير ذلك مما يعرض على القضاء .

والإسلام يوجب على القضاة أن لا يجعلوا لأحد عليهم سلطاناً في قضائهم ، وأن لا يتأثروا بغير الحق والعدل ، وأن يتجرَّدوا عن الهوى ، وأن يُساوُّوا بين الناس جميعاً ،
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} ، {يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْـحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا} .
وتاريخ القضاء الإسلامي قاطع في أن القضاة كانوا دائماً مستقلِّين في عملهم ، لا سلطان لأحدٍ عليهم إلا لله ، ولا يخضعون في قضائهم إلا لما يقضي به الحق والعدل .

والإمام (حاكم الدولة) هو الذي يولِّي القضاةَ بصفته نائباً عن الأمة ، وله الإشراف عليهم وعزلهم بهذه الصفة ، ولا يعتبر القضاة بمجرد تعيينهم نواباً عن الإمام (حاكم الدولة) ، وإنما يعتبرون نواباً عـن الأمـة نفسها ، ولذلك لا يعزلون عن عملهم بموت حاكم الدولة أو عزله ، كما أن الحاكم لا يملك عزلهم بغير سبب يوجب العزل .
وعلى هذا الأساس يُعتبر القضاةُ سلطةً مستقلّةً مصدرها الأمة ، وإذا كان الإشراف على هذه السُّلطة للحاكم فإنما يشرف عليها بصفته نائباً عن الأمة .

ويلاحظ أن التقاليد الإسلامية جرت من أول عهد الإسلام على أن يباشر رئيس الدولة القضاء ، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقضي بين الناس ، وكذلك كان الخلفاء من بعده ، وكان المتفقهون من الخلفاء بعدهم يقضون أيضاً ، ثم انتهى الأمر إلى ترك القضاء للقضاة المختصين به .

يوجب الإسلام على القضاة أن يتصدَّوْا لشرعية القوانين والنصوص ، وأن لا يحكموا إلا بما أنزل الله والسنة وفتوى الإجتهاد وبالقوانين الوضعية بالزمن الحالي ، وبما هو لايخرج عن تطبيق مبادئ الإسلام العامة ، وذلك قوله تعالى :
{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ} .
ويحرِّم الإسلام على المسلمين أن يحكموا بغير ما أنزل الله ، ويعتبر من لم يحكم بما أنزل الله كافراً .. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
وهكذا نزلت نصوص القرآن بوجوب تصدي القضاة لشرعية القوانين التي يطلب إليهم تطبيقها ، فإن كانت شرعيةً طبَّقوها وإلا أهملوها وطبَّقوا نصوص الشريعة ، ولا تكون القوانين شرعيةً إلا إذا جاءت متفقة مع نصوص الشريعة أو تطبيقاً لمبادئها العامة وروحها التشريعية .
وبذلك سبق الإسلامُ القوانينَ الوضعيةَ بحوالي أربعة عشر قرناً في تقرير نظرية شرعية القوانين أو ما يسمى اليوم في عرفنا القانوني بنظرية دستورية القوانين .

كان أول من تحدَّث عن العلاقة بين السلطات في العصور الحديثة هو الكاتب الإنجليزي «جون لوك» الذي ذهب إلى ضرورة الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية ، على أن تكون السيادة والصدارة للسلطة التشريعية على التنفيذية . ثم جاء الكاتب الفرنسي «مونتسيكو» فعرض النظرية عرضاً مفصلاً في كتابه «روح القوانين» بحيث ارتبط هذا المبدأ باسمه وأصبح ينسب إليه ويعرف به .
وتفسير هذا المبدأ هو عدم الجمع بين السلطات في يد شخصية واحدة أو هيئة واحدة أياً كانت ، بل ينبغي توزيعها وتقسيمها بين هيئات مختلفة ، ضماناً لعدم إساءة استعمالها فتصبح أداة طغيان واستبداد . فهو مبدأ ظهر من أجل محاربة السُّلطة المطلقة للملوك الذين كانوا يجمعون في أيديهم السلطات الثلاث .

إن مبدأ الفصل بين السلطات في القانون الحديث واجه نقداً من البعض وحسب الوجوه والاسباب التالية :
١- أن هذا الفصل غير حقيقي ، لأن الواقع العملي هو أن السُّلطة التنفيذية تستولي حتماً على السُّلطة التشريعية ، فلا يتحقق التوازن بين السلطات .
٢- أن هذا الفصل قد يؤدي إلى التعطيل .
٣- أنه قد تجتمع السلطات في يد فرد واحد أو هيئة واحدة ، ولا يؤدي ذلك إلى الفساد والاستبداد ، والمثال على ذلك عهد النبي (صلى الله عليه وآله سلم) ، وعهد الخلفاء من بعده ، حيث تولى النبي الأكرم كل السلطات ، فعندما قامت الدولة الإسلامية في المدينة في عهد النبي اجتمعت السلطات الثلاث للنبي ، فقد كان يتولَّى سُلطةَ التشريع ، بما أوحاه الله ـ تعالى ـ إليه في كتابه الكريم ، وبما قلّده من أمانة البيان والبلاغ للكتاب الكريم ، كما تولَّى بنفسه سُلطةَ القضاء بما أعطاه الله ـ تعالى ـ بقوله: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْـحَقِّ} ، كما استعمل النبي قضاةً على بعض البلاد البعيدة عنه ، أو في بعض القضايا ، مما هو ثابت في عدد من الأحاديث .
وأمَّا سُلطةُ التنفيذ فقد كانت لرسول الله كما كان له التشريع والقضاء لأن وظيفته تقتضي أن تكون الشؤون الثلاثة بيده ، فهو رسول يبلِّغ الناس ما أُنزل إليهم من ربه ، ويدعوهم إلى الإيمان به ، وراعٍ يَسُوس من أجاب دعوته ويدبِّر شؤونهم على وفق ما شرع الله . وهذا التبليغ والتدبير ينتظمان أو يجمعان التشريعَ والقضاءَ والتنفيذَ .
وما كان للجمع بين هذه السلطات الثلاث أيُّ خطر من الأخطار التي تقتضي الفصل بين السلطات لان الرسول الكريم كان معصوماً ، ولا يصدر منه قول أو فعل عن هوىً ، غير أنه استقلّ بولاية التشريع وحده ، وأما القضاء فقد تولاَّه بنفسه وولاّه لغيره ، وكذلك أعمال التنفيذ تولاَّها بنفسه وولاّها غيره . وقد تكفَّلت بعض الكتب المتخصصة ببيان الأعمال والوظائف التي كانت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن تولاها ، سواء كانت من الأعمال الحربية أو المالية أو الدينية أو غيرها .

شرعية العمل بمبدأ فصل السلطات ..
——————————————–
وإذا كان مبدأ فصل السلطات ، أو توزيعها ، له أهمية في القانون الدستوري في الأنظمة الحديثة لظروف معينة ودواعٍ استدعت ذلك ، فإنه ليس في الإسلام ما يوجب ذلك الفصل أو يمنعه ، لأن الدولة الإسلامية دولة عقائدية تقوم على الدين والإيمان ، وتسعى لتطبيق أحكام الشريعة والالتزام بها في كل مجالات الحياة (كما رأينا) فكلُّ ما يحقق أهدافها وغايتها في إقامة الحق والعدل ومنع الظلم والطغيان والعدوان ، يمكن الأخذ به ، ويجوز تنظيمه ، لخضوعه للمصلحة العامة التي لا تخالف نصاً شرعياً أو قاعدة عامة ، ممّا لا تضيق به قواعد الإسلام ومقاصده .

تُعتبر السلطة التنفيذية والسلطة القضائية هما تنفيذيتان بالنسبة للسلطة التشريعية ، فإن القضاء إنما يطبِّق ويُنفّذ القانون ، وتنظيمُه رهينٌ بالقانون ووليده ، فالقانون هو أداة تنظيم القضاء ، وبذلك فالسُّلطة التشريعية تعلو على السلطتين الأخريين ، وتخضع هاتان السلطتان في عملهما شكلاً (من حيث التنظيم) ، وموضوعاً (من حيث ما تطبقه من قواعد) للسلطة التشريعية .
أما السلطتان القضائية والتنفيذية ، فلم يكن الفصل واضحاً بينهما في بداية الإسلام ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآلن وسلم) ، وكذا الأئمة الأطهار من بعده ، يجمعون بين السلطتين معاً ، ولكن صار الخلفاء من بعد ذلك يفوِّضون القضاةَ في أعمال القضاء ، والولاةَ والعمالَ في أعمال التنفيذ .

■ مفهوم السلطات …
————————
مفهوم السلطة هو شكل منظم للمجتمع وقد ظهر مفهوم الدولة المنظمة قديما في مصر وعلى ضفاف نهر النيل وما بين الرافدين وفي بلاد الصين قبل خمسة ألاف سنة تقريبا ومفهوم الدولة هي مجموع بشري يقيم بصفة مستقرة على إقليم معين ويخضع لسلطة سياسية مستقلة عن أشخاص الحكم ولتقوم الدولة بتأدية وظائفها بشكل سليم ، تضمن به الحقوق وتصان به الحريات الأساسية للإفراد ويمنع فيها سوء استغلال السلطة والقوة والصلاحية من قبل الحكام ، وجدت السلطات العامة في الدولة ، بحيث لكل سلطة وظيفة أساسية ، وهي السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ، والاهم هو مفهوم المبدأ الديمقراطي الذي يحكم وينظم العلاقة بين تلك السلطات في الدولة وهو مبدأ فصل واستقلال السلطات .

■ مفهوم وتطوّر النظام السياسي والسلطات الثلاث …
يعد النظام السياسي ومكوناته وبنيته والسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، أهم أركان البنيان السياسي للدولة الحديثة .
وفي بداية الأمر تم استخدام مصطلح ”الحكومة” بدلاً من النظم السياسية ، كما استخدم المصطلح ذاته للدلالة على السلطات الثلاث ، سواء في مجملها معاً ، أو في التركيز على إحداها (السلطة التنفيذية) دون سواها ، بحيث أصبحت كلمة الحكومة مرادفاً لتعبير السلطة التنفيذية . إلا أن التطور لحق بهذا الاستخدام الذي لم يعد مستساغاً في إطار التطورات المتلاحقة والعميقة التي طالت الدراسات السياسية عموما .
ونشير هنا في عجالة إلى مضمون هذه التطورات ونتاج أو تداعيات ما حدث ، وكيف انعكس ذلك على مفهوم النظام السياسي والسلطات الثلاث وتطور دلالات هذا المفهوم .
ويلخص هذه التطورات توجه الدراسات السياسية نحو الأخذ بالطابع العلمي والتحليلات الموضوعية والتخلي عن السمة الوصفية والسكونية ، أو الجمود والشكلية التي ميزتها في الفترات السابقة ، وهكذا تحول البحث السياسي من موضوعات تاريخية فلسفية وقانونية إلى تحليلات علمية ونماذج ونظريات أقرب إلى العلوم الطبيعية .
وقد استجدت خلال هذه التطورات أطر للتحليل كما ظهرت نظريات واقترابات جديدة لعل من أهمها : – تحليل النظم .
– المؤسسية .
– الاقتراب الوظيفي .
فأضحت هذه الأطر والاقترابات بمثابة الأدوات الأكثر أهمية والأكثر ملائمة لدى الباحثين والمتخصصين في تناولهم لموضوعات ومفاهيم كالنظام السياسي والسلطات الثلاث .
فترتب على هذا التطور تحول كبير في دلالات مفاهيم النظم والسلطات ، كما اختفت مقررات أخذت اسم ”الحكومات المقارنة” ، من علم السياسة الجديد لتحل محلها مسميات ”النظم السياسية المقارنة” ، وحلت مصطلحات من قبيل ”المؤسسية ، والتحليل الوظيفي” محل المصطلح القديم ”السلطات الثلاث” .
ففيما يتعلق بالنظام السياسي ، لم يعد يفهم على أنه الحكومة ، وإنما أصبح لمفهوم النظام السياسي مدلولات تتسع لتشمل ثلاثة محاور أساسية :
– الأول .. المؤسسات السياسية الرسمية (السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية) وغير الرسمية ) ،منظمات وجمعيات ونقابات واتحادات مهنية وعمالية وفكرية …) والتي تتشكل من أبنية وأدوار سياسية .
– الثاني .. نسق القيم والأفكار والمعايير والتي تشكل ما يعرف بالثقافة السياسية .
– الثالث .. تفاعل وعلاقات وسلوكيات للأفراد والجماعات والمؤسسات .
وبالنسبة للسلطات الثلاث فقد أضفى على تحليلها اقتراب وظيفي يجعل من التشريع والتنفيذ والتقاضي وفق القواعد والقوانين وظائف ، وليس مجرد سلطات ، فالتشريع يقوم به البرلمان ، لكن قد تقوم به البيروقراطية أو أجهزة الخدمة المدنية ، كما قد يقوم به القاضي في تفسيره للقاعدة القانونية عند تطبيقها .. وهكذا .
ورغم هذه التحولات الشاملة في مدلولات النظام السياسي والسلطات الثلاث ، إلا أنها تظل أهم أركان البنيان السياسي للدولة ، كما يظل تطوير قدرات النظام السياسي ، ومحورية السلطات الثلاث في قيام دولة القانون والمؤسسات أهم أهداف وغايات التنمية السياسية .

■ السلطة الرابعة …
———————–
قامت ( الصحافة ) بأوجهها المختلفة وأصبحت هي المتنفس الطبيعي والمُعبر الحقيقي عن هموم وآراء المواطنين ، حتى أصبحت تُعرف بالسلطة الرابعة المرادفة والملازمة للسلطات الثلاث السابق ذكرها وتعريفها ، وأصبح لزاما لدستور كل دولة أن ينص على حق المواطن في التعبير عن رأيه وذلك حسب المساحة التي يمكن إتاحتها في تلك الدولة . فهذه السلطة لها دور مهم وخطير جدا اذا اعطيت الهامش المريح والحرية للتعبير عن رأي المواطن.

■ الدستور …
————– 
كلمة (دستور) ليست عربية الأصل بل فارسية أدخلها الأتراك إلى العربية وتعني مجموعة المبادئ العامة المنظمة لسلطات الدولة والمبيِّنة لحقوق الحكام والمحكومين . ويبدأ الدستور في أي دولة بتعريف نظام الحكم في الدولة ثم بتعريف السلطات الثلاث ونطاق عملها واختصاصها .
بعد تكوين السلطات الثلاث وتحريك دواليب عملها في الدول المختلفة بدأت الحاجة ملحة لاستطلاع ومعرفة ما في نفوس المواطنين في كل دولة وذلك بتمكينهم من التعبير عن أرائهم بحرية ، ونشطت مؤسسات المجتمع المدني في هذا الإتجاه حتى أصبحت حرية التعبير عن الرأي من أولى وأهم الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتعبها الفرد في كل دولة ، وأصبح مقياس المدنية للدولة مرهونا بمساحة الحرية التي تتيحها لمواطنيها للتعبير عن آرائهم. 

■ الهرم التشريعي …
————————-
يقصد بالهرم التشريعي هو ترتيب القواعد القانونية أو الأدوات التشريعية من الأعلى إلى الأدنى وفقاً لقوتها والجهة المنوط بها إصدارها مع ضرورة الالتزام (عند التطبيق) بهذا الترتيب ، ويوجد الهرم التشريعي المتعارف عليه والذي يشمل :
١- الدستور ..
يأتي الدستور في قمة الهرم التشريعي حيث يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ، ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) ، وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) ، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة .
ويشمل الدستور اختصاصات السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) ، وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي . ويتم وضع الدستور في الأنظمة الديمقراطية إما عن طريق الجمعية التأسيسية المنتخبة أو عن طريق الاستفتاء الدستوري العام ، ولعل أفضل الطرق لسن الدستور هي تلك الطريقة التي تجمع بين طريق الاستفتاء وطريق الجمعية التأسيسية بأن تتولي جمعية منتخبة من الشعب وضع دستور توافق عليه بعد مناقشة أحكامه مناقشة كاملة وتفصيلية ، على أن يطرح من بعد للاستفتاء الشعبي . 
وتنقسم الدساتير من حيث تدوينها أو عدم تدوينها إلى دساتير مدونة وغير مدونة ، ومن حيث طريقة تعديلها إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة .

٢- القانون ..
أما القانون فيقصد به مجموعة القواعد التي تقيم نظام المجتمع فتحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم فيه ، والتي تناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة في المجتمع من قوة الجبر والإلزام . 
ويحق لكل من رئيس الجمهورية وكل عضو من أعضاء مجلس الشعب والحكومة اقتراح القوانين ، ثم تحال مشروعات القوانين المقترحة إلى اللجان المتخصصة بمجلس النوّاب لفحصها وتقديم تقارير عنها . ثم يطرح مشروع القانون بعد ذلك على المجلس لمناقشته والتصويت عليه مادة مادة ، وإذا تساوت الآراء يعتبر المشروع مرفوضا .

٣- اللوائح والقرارات الوزارية ..
أما بالنسبة للوائح والقرارات الوزارية فهناك ثلاثة أنواع من اللوائح :
– النوع الأول .. يعرف باللائحة التنفيذية وهو ما تصدره السلطة التنفيذية من قواعد تشريعية ضمانا لتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية ولا تملك اللائحة التنفيذية إلغاء أو تعديل أو تعطيل أو الإعفاء من القانون الذي صدرت تنفيذاً له .
– النوع الثاني .. يعرف باللوائح التنظيمية وهو ما تصدره السلطة التنفيذية لتنظيم وترتيب المصالح والمرافق العامة بصفتها مهيمنة علي إدارة هذه المرافق والمصالح، والنوع الثالث يسمي لوائح الضبط أو “البوليس” وهو ما تضعه السلطة التنفيذية من قيود على الحريات الفردية لحفظ الأمن وتوفير السكينة والطمأنينة وحماية الصحة العامة كلوائح المرور ولوائح مراقبة الأغذية والباعة الجائلين .
أما القرار الوزاري فهو الأداة التشريعية التي يصدرها الوزير المختص استنادا على قانون أو قرار رئيس جمهورية أو قرار رئيس وزراء لتنظيم مسألة معينة .
وليس هناك شك في أن اللوائح التنفيذية تعد في مرتبة أعلى من القرار الوزاري حال صدورها من رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، بينما قد يثور التساؤل عن درجة اللوائح التنفيذية حال صدورها من الوزير المختص، وما إذا كانت في درجة أعلى أم مساوية للقرارات الوزارية التي لا تعد لائحة تنفيذية. ونري أنه إذا كان القرار الوزاري صريحاً على أنه لائحة تنفيذية لقانون معين فإنه يتمتع بدرجة أعلى من أقرانه من القرارات الوزارية التي تصدر استناداً على أدوات تشريعية أعلى منها حيث أنه في الحالة الأولى يكون القرار الوزاري (اللائحة) قد استمد سلطته وقوته التشريعية مباشرة من القانون الذي صدر تنفيذا له ، بينما في الحالة الثانية فقد يكون القرار الوزاري قد صدر استنادا على قرار رئيس جمهورية أو قرار رئيس الوزراء .

٤- المعاهدات الدولية التي يختلف موقعها باختلاف الأنظمة القانونية ، والتي تُعتبر مساوية لمرتبة القانون .

٥- قرارات رئيس الجمهورية ثم قرارات رئيس مجلس الوزراء ثم قرارات الوزراء وأخيراً قرارات رؤساء الجهات التابعة . 

■ الخلاصـة ….
في الزمن الحاضر وحتى في الدول التي تنتهج النهج الإسلامي بحكمها وبعد التطور الاجتماعي والعلمي والسياسي الحاصل في المجتمعات أصبح الفصل التامٌّ والحتميٌّ والنهائيٌ ضرورة ملحة بين السُّلطة التشريعية (أُمِّ السلطات) والسلطتان التنفيذيتان الأخريان ، وهما القضائية والتنفيذية ، والذين يقوم بينهما توزيع للاختصاص ، وهو أمر يجوز تنظيمه لخضوعه للملاءمات والظروف الزمانية والمكانية ، وهما تخضعان على أية حال لمشروعية واحدة ، وتتلاقى أغراضهما ، ومن ثم استحقاقهما لدرجة واحدة من الضمانات والاهتمام .

وللموضوع بقية إن شاء الله …
والله من وراء القصد .