العشيرة بين مفاهيم الواقع والطموح …
د. نبيل أحمد الأمير

العشيرة هي مجموعة من الناس تجمعهم قرابة ونسب فعلي أو متصور . وحتى لو كانت تفاصيل النسب غير معروفة ، قد يتم تجمع أعضاء العشيرة حول العضو المؤسس أو السلف الأول . وقد تكون الروابط القائمة على القرابة رمزية ، حيث تتشارك العشيرة في سلف (منطقة) مشترك “محدد” الذي يُعتبر رمزًا لوحدة العشيرة . ويمكن وصف العشائر على نحو أكثر سهولة بأنها قبائل أو مجموعات فرعية من القبائل .
وكلمة عشيرة (بالإنجليزية: clan) مشتقة من الكلمة الإنجليزية “clann” التي تعني عائلة في اللغة الأيرلندية واللغة الاسكتلندية . وتم إدخال الكلمة باللغة الإنجليزية عام 1425 تقريبًا كتسمية للطبيعة القبلية للمجتمع الأيرلندي والمجتمع (الغيلي) الاسكتلندي .

لقد سبقت العشائر الكثير من الأشكال المركزية لتنظيم المجتمع والحكومة ، فهي توجد في كل بلد . ويمكن تحديد الأعضاء بشعار النبالة أو غيره من الرموز لإظهار أنهم عشيرة مستقلة .

وفي ثقافات ومواقف مختلفة قد تعني العشيرة نفس معنى المجموعات الأخرى القائمة على القرابة ، مثل القبائل والطبقات والزمرات . وفي كثير من الأحيان ، فإن العامل المميز هو أن العشيرة هي جزء أصغر من مجتمع أكبر مثل القبيلة أو المشيخة أو الدولة .

العشيرة في الإسلام …
لقد بُعث الرسول صلى الله عليه وآله وهو ابن اربعين سنة ، كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشرين سنة واخذ جبريل عليه السلام بالنزول والتوافد حتى اكتمل فيه القران الكريم واياته العظيمة . وقد امن بالرسول الكريم ودعوته (صلى الله عليه وآله) اهل بيته والمقربين اليه من الصحابة .
وقد دخلت العشيرة في خطوات تجاه ضرورة صهرها في المجمتع الاسلامي وذلك لما لها من دور كبير في ارساء اسس ومبادئ الاسلام الحنيف ، ولاريب في ذلك في ان تكون رافقت تطورات تنظيم السكان ، حيث ان الاسلام عني بالفرد واولاده والمجتمع وأعطاهم مكانة متميزة ، ورفع من آمن به وأسهم في تثبيت دولته ومكانته ، فازدادت مكانة العشائر التي برز فيها اكثر من غيرها رجال اسهموا في تثبيت الاسلام . ولهذا نرى بانه (صلى الله عليه وآله) اخذ جانباً مهماً في اسناد العشيرة ودورها في الحياة الاسلامية وذلك منذ بدء الدعوة الاسلامية فارتكز الرسول (صلى الله عليه وآله) على افراد العشيرة في منطلقاته الاسلامية والجهادية ، متمثلاً بذلك بقوله سبحانه وتعالى ((وانذر عشيرتك الاقربين)) حيث صور الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو على الصفا حين قال يا معشر قريش : فقالت قريش محمد على الصفا يهتف فأقبلوا واجتمعوا فقالوا مالك يا محمد؟ قال ارايتكم لو اخبرتكم ان فيلاً بسفح الجبل اكنتم تصدقوني ؟
قالوا : نعم انت عندنا غيرمتهم ، وما جربنا عليك كذباً قط .
قال : فأني نذير لكم بين يدي عذاب شديد يا بني عبد المطلب …..) لقد لعبت العشيرة دوراً كبيراً في الحياة السياسية والاجتماعية في المجتمع الاسلامي حيث كانت العشيرة من ابرز المنطلقات الاساسية والركائز القوية للاسلام لما كانت تتميز من صفات قتالية واجتماعية وسياسية وبعد مجيء الرسول (صلى الله عليه وآله) الى المدينة حيث انتقل المجتمع الى حالة النهوض والتقدم والازدهار ونقل المجتمع من حالة الجور والثارات والظلم الى العدالة والنور والاسلام .

القبيلة والعشيرة والحمولة …
يعتقد الكثير من الناس بعدم وجود فرق ما بين القبيلة والعشيرة والحمولة ، وانهما مسميات لشيء واحد مع ان الفارق بينهما كبير جدا ، ونتيجة لهذا الخلط بينهم تحصل اشكالات كثيرة فيما يخص النسب بين ابناء الحمولة الواحدة ولتوضيح الفكرة يجب تفسير معنى كل منهما …

اولا / القَبِيلَةُ .. هي جماعة من الناس تنتسب إِلى أَبٍ أو جد واحد ، وهي كيان اجتماعي اقتصادي سياسي يضم عائلات تجمع بينها روابط القربى وتخضع لرئيس واحد ، وقد عُرف نظام القبيلة عند بعض الشعوب قديما ، وبخاصة بين البدو .

ثانيا / العشيرة .. في المعجم اللغوي تعني كلمة العشيرة — آلـ بيت الرجل وتشمل ابناؤه واخوانه واعمامه واباؤه واجداده اي الاصول والفروع فقط لاغير .
فعشيرة الرجل .. هم بنو أبيه الأقربون ، أو قبيلته ، وأهله (وانذر عشيرتك الاقربين) حيث دل نص الآية على أن الله تعالى أمر رسوله في المرحلة الأولى أن يدعو بني هاشم وهم عشيرته !

ثالثا / الحمولة .. هي في الاساس فرع من عشيرة كبيرة تنضم اليه مجموعة من العائلات من عشائر اخرى تربطهم مصالح مشتركة وقد ينشأ بينهم مصاهرة ويكونون وحدة واحدة تسمى بالحمولة
ولا يوجد بينهم اي صلة قربى وتحمل هذه الحمولة مسمى العشيرة الاكبر والاقوى فيصبح ابن العشيرة الاساس اسم عشيرته هو نفس اسم حمولته والعائلات الاخرى تبقى محتفظة باسماء عشائرها الاصلية اضافة الى حملها اسم الحمولة .

النزاعات بين ابناء الحمولة الواحدة …
مع مرور الزمن يصبح لدى الاجيال اللاحقة من العائلات المنتمية للحمولة تحت مسمى العشيرة الاكبر انطباعا كاذبا بانه احد ابناء العشيرة وليس الحمولة اما لجهله بالفرق بين العشيرة والحمولة ، او لاعتقاده ان اسم العشيرة قد اصبح حقا مكتسبا له ويتصرف على هذا الاساس ويبدأ بمنافسة ابن العشيرة الاصلي ، ويجعل نفسه ندا له ويربط نسبه العمودي بنسب العشيرة التي انضم اليها ، ومن هنا تبدأ النزاعات ولا تنتهي خاصة اذا كان المنتمي لا يعرف حرمة ما يقوم به (لعن الله الداخل فينا من غير نسب والخارج منا بغير سبب *** حديث صحيح) .

ان موضوع النسب من اخطر المواضيع التي يتعامل معها كثير من الناس ببساطة شديدة وباستهتار ، واحيانا من باب الشقاوة والشطارة ، وانه نسب الإنسان نفسه الى عشيرة أو عائلة (محترمة وقوية) تشد من ازره لايعني أنه قد إنتسب لهذه العشيرة او العائلة .. فالنسب والأصول له تقاليده وحقوقه وواجباته ، لذلك أكد الإسلام على النسب والإنتماء اليه ، وحرّم الإنتساب لغير الآباء والعوائل والعشائر .
كانت نصيحة الإسلام وفقهائه أن ابحثوا في نسبكم لتعرفوا مدى صحته فأذا تبين لكم انكم تنتسبون الى غير ابائكم كواقع حال لكونكم ارتبطتم بعشيرة غريبة بصفة تحالف او مايعرف في العراق (جرش) فعودوا الى اصولكم الحقيقية ، دون تأخير رأفة بأنفسكم وأهليكم ان كنتم تخافون الله وترجون لقائه .

وهناك أقوال كثيرة للعلماء في علم النسب والتي تؤكد على عدة أمور أهمها …

1- اهتمام علماء الشريعة بالأنساب والعناية به في ترتيب الأحكام الشرعية .

2- الإعلام بخطورة الطعن أو التشكيك في الأنساب وما يترتب عليه من عقوبات شرعية .

3- الدعوة إلى التأكد في نفي الأنساب وعدم التساهل في ذلك .

4- أن الباحث في علم الأنساب بحاجة ماسة إلى فهم الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا العلم .

5- أن الحكم بنفي النسب أشد خطورة من إثباته فيما يترتب عليه من أحكام الشريعة .

وختاما نقول .. يتبين من الأدلة الشرعية وأقوال العلماء أن العقوبة المترتبة على نفي نسب أسرة أو إنسان عن القبيلة أو العشيرة مختلف فيها بين الفقهاء بين عقوبة حد القذف أو التعزير فيما دون الحد ، وأن الراجح عند جمهور العلماء أن عقوبته هي التعزير .. لذا فإن الأمانة العلمية تقتضي من الباحث في الأنساب أن يكون عارفاً بالأحكام الشرعية المتعلقة بعلم النسب وأن يكون دقيقا في كتابته عن الأنساب بمالا يدع مجالاً للتشكيك أو التعريض .

النزاعات العشائر العراقية …
تثير قضية النزاعات العشائرية التي تشهدها مدن العراق وبالذات المحافظات الجنوبية عدة أسئلة جوهرية وبشكل يقلق السلم الأهلي نتيجة لجوء العشائر المتخاصمة الى استخدام الأسلحة المختلفة منها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة .. وكثيرا مانجد ان عشيرتين من اكبر العشائر يصل فيها حد النزاع الى إهدار الدم العراقي رغم ان العشيرة لازالت تصف نفسها بأنها صمام ألامان للمجتمع في أي محافظة من المحافظات العراقية ، وإن مثل هذه الخصومات قد تهدد امن وأمان القواعد المجتمعية الأساسية ، حيث لم يعد القانون والعدالة الفيصل الذي يجب ان يقف عنده طرفي النزاع ، خصوصاً عندما تتجاهل هذه العشائر صوت العقل والحكمة وكلمة الدولة ومؤسساتها والقانون ، اذ تتحول المدن التي تتواجد فيها هذه العشائر الى ساحة معارك مفتوحة .
لكن يبقى السؤال المهم هو ..
لماذ يسكت العقلاء من كبار القوم ومنهم السادة والوجهاء في فض النزاعات ، خصوصاً عندما يتحول الخلاف بين شخصين الى صراع جماعي يشمل العشيرة بأكملها رغم ان أساس المشكلة لايتعدى خلافاً بسيطاً .. فقد يكون عن قطعة ارض زراعية مثلاً ، او دخول بعض الماشية حدود ارض هذا او ذاك وبلا قصد أو سيطرة ، وكأن هذا الحيوان هو مكيدة مدبرة للإطاحة بثروة هذا أو ذاك !!
إلا ان استمرار هذه النزاعات من شانها الإسهام بتدهور الوضع الأمني وحدوث فوضى عارمة في حال استمرت ..
وإن مثل هذه النزاعات صارت تثير جدلا واسعا بين أطراف المجتمع ومصدر قلق يهدد كيان واستقرار الأهالي في المحافظة الواحدة ، ومن نتائجه تتعطل الاعمال والمصالح المهمة وتغلق الطرق والشوارع وتتوقف حركة الحياة الطبيعية وتدخل العشيرة في إنذار حتى إشعار آخر غير معلوم في الوقت الذي يشهد فيه البلد تهديدا عاما من قبل قوى الإرهاب ، وفي هذه الحالة يجب ان تتوحد فيه جميع الجهود من اجل مواجهة الخطر العام الذي يجعل البلد وقواه الأمنية في موقف إنذار اكبر إزاء هذا الخطر الخارجي .

يقول البعض أنه ثمة علاقة عكسية بين الوعي والثقافة من جهة ، والتقاليد العشائرية والقبلية من جهة أخرى ، فكلما ازداد الوعي لدى أمة ما وازدادت ثقافتها ينحسر صوت العشيرة والقبيلة فيها ، والعكس صحيح .. ما يحدث الآن من نزاعات عشائرية مسلحة ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء من أبناء هذه العشائر المتقاتلة ، دليل لا لبس فيه على انحسار ثقافي قيمي كبير ، على الرغم من أن هذه النزاعات ليست ظاهرة طارئة أو جديدة على المجتمع العراقي المعروف بنزعته العشائرية وطبيعته القبلية ، لكن الجديد في الأمر هو انحسار القيم العشائرية النبيلة والمواقف المشرقة الأصيلة التي كانت سائدة في المجتمع العشائري العراقي ، وشيوع ظواهر فاسدة في نسيج المجتمع ذاته ، فبعد أن كانت العشيرة مركزاً لنبذ الخلافات والوقوف بوجه أي نزاع عشائري واحتوائه حال وقوعه ، أصبحت اليوم هي مصدر للخطر على السلم والأمن المجتمعي بالعراق .

لقد أصبحت بعض العشائر مركزاً للعدوان والاقتتال والتخاصم ، ومما زاد الأمر سوءاً أن هذه النزاعات أصبحت عائقاً أمام القانون ، فلا مجال لتطبيقه تحت ظل هيمنة القوى العشائرية وجنوحها الدائم لخرق القانون وتطبيق قانونها التغالبي بالتهديد تارةً ، وبالقتل تارةً أخرى .

ان اغلب مواطني محافظات جنوب العراق يؤيدون مظلة القانون ، لان الخلافات العشائرية أصبحت خلال الفترة الماضية لاتطاق ، وكبرت بشكل كبير وخسرت هذه المحافظات الكثير من الضحايا ولأسباب تافهة لايمكن ان ترقى لان تكون سببا وجيهاً لفقدان الحياة ، ولهذا نجد ان عمليات فرض القانون بالقوة الجبرية أصبحت ضرورية للحد من النزاعات وخاصة في القرى وإطراف مراكز المحافظات ، لكن في نفس الوقت نوصي القوات الأمنية المشاركة في هذه العمليات بضرورة احترام حقوق الانسان وعدم التعرض للناس الأبرياء الذين ليس لهم علاقات بموضوع العشائر .

ان من يوجه سلاحه الى أخيه فهو يدعم الإرهاب من حيث لا يدري … ومن يجر عشيرته الى نزاع مسلح فانه يضر بسمعة إتباع أهل البيت (ع) … ومن يقاتل أخاه تحت أي ذريعة انما يقوض الدولة وينخرها من الداخل ، إلا أننا واثقون من ان هناك أجندة سياسية خبيثة وراء زرع الفتنة بين العشائر وتوريطها في نزاعات دموية مسلحة … وان هناك مشروعاً ظلامياً لا يقل إرهابا عن مشروع داعش يعد له في الخفاء وتستخدم فيه العشائر العراقية كوقود .

ان استخدام لغة الموت بدلاً من الحوار والتفاهم خاصة وأن هناك أطرافاً عشائرية أصبحت تمثل قوة خارجة عن القانون من خلال استخدام الأسلحة المختلفة في المعارك الضارية التي دارت في ناحية العدل والتي خلفت عدداً من القتلى والجرحى أصبحت خطرا يهدد المحافظة عموما ، لذا فإننا لانزال نرى ان للعشائر دوراً كبيراً في بناء اللحمة الوطنية في المحافظات ، وأن القانون يجب أن يطبق على الجميع ودون استثناء لأحد لكي لا يعبث بالأمن أو أن يُبث الرعب والقلق في نفوس المواطنين .

أسباب وآثار النزاعات العشائرية بالعراق ..
ان أسباب النزاعات هي :

1- انتشار الأسلحة بمختلف الأنواع دون ضوابط .. واي ضوابط اليس السلاح كما قال السيد رئيس الوزراء يجب ان يكون بيد الدولة فلماذا السكوت عن انتشار السلاح بهذه الطريقة .

2- استيراد وتوريد السلاح من ايران عن طريق الحدود والأهوار المشتركة غير المؤمنة .

3- تجارة كردستان ، حيث يشحن مع البضائع الواردة من الإقليم ، الى المحافظات الجنوبية بالعراق .

4- خلافات ناتجة عن المنافسة بشأن مشاريع او مقاولات باختلاف اشكالها ضمن المحافظة وحسب المناطق .

5- الغيرة الشخصية لها دور مؤثر أيضا .

6- قرار منع المشروبات الروحية واتجاه المعتادين على هذه المشروبات الى حبوب الهلوسة والمخدرات ، جعل أمزجة البعض سريعة التحسس ، ومن ثم التصرف بتصرفات تغضب الاخر .

7- انشغال الأجهزة الأمنية في حرب الإرهاب وداعش وضعف دور الأجهزة الأمنية والرقابية الموجودة .

8- ضعف سيادة القانون .. وهنا يأتي دور المحاكم وأجهزة الامن الداخلي في اليقظة والحذر وتشخيص الحالات الخارجة عن القانون .

9- غياب دور العشائر في حل النزاعات بالطرق العشائرية الحقيقية ، وليس بطريق الفصل والفصلية غير المبررة .

10- إستخدام بعض السيارات التي تحمل العلامات الحكومية او الحزبية في تسريب السلاح بين المناطق والعشائر .

فالأسباب عديدة وربما هناك أسباب لم يتم ذكرها ولكن يبقى لهذه الظاهرة اثار عكسية وسلبية أهمها …
1- ان حدوث المعارك ولا اي سبب كان بين العشائر ينتج عنه قتلى وجرحى بين الطرفين ، وهو قتال بين اخوة ، حيث يفقد الطرفين اخوة أعزة .. فلماذا هذا النزاع بين الاخوة العراقيين ، بغض النظر عن الطائفة او القومية او الدين او المذهب او المعتقد ، فالجميع هم شركاء في وطن اسمه العراق .

2- يترتب على الاقتتال ارامل وامهات ثكلى وأطفال يتامى ، فهل تستحق بعض القضايا هذه النتائج والتي يمكن حلها بالتفاهم بدل الاقتتال .

3- يترتب على هذه النزاعات غياب الامن واختلاله ، وسيؤدي ذلك الى استغلاله من مغرضين لا يريدون لهذا البلد الاستقرار الأمني .

4- يعكس عدم الاستقرار الأمني اثره السلبي والعكسي على الجانب الاقتصادي للمدينة التي يحصل فيها النزاع .

5- يولد عدم الاستقرار الأمني انطباعاً سيئاً لدى المستثمرين سواء كانوا عراقيين ام أجانب .

الحلول المقترحة ….
اما حول إمكانية وضع الحلول فيتلخص بالاتي :
1- تفعيل دور القضاء ودعمه من قبل القوات الأمنية في فرض القانون من خلال ردع من يحاول النيل من القضاء .. أي تفعيل سيادة القانون .

2- تفعيل حصر السلاح بيد الدولة ، حيث يجري محاسبة من يملك السلاح دون اذن من الدولة .

3- إشاعة ثقافة التسامح والتأخي بين مكونات الشعب العراقي من خلال ندوات ومؤتمرات يقودها النخب الثقافية والعشائرية ، ويشترك فيها المؤثرون من أبناء المجتمع من مختلف المهن ، طالما ان الهدف هو فرض الامن وفرض القانون بهدف حماية الناس .

4- ابراز دور الإدارات المحلية في المحافظات في القضاء على النزاعات وادارتها في حالة حصولها وردع مسبباتها وردع الخارجين عن القانون .

6- الحد من تسريب السلاح من أي منفذ كان ، وللحكومة وأجهزتها الأمنية الدور الأكبر في الحد من هذه الظاهرة .

7- اخضاع جميع السيارات بما فيها السيارات الحكومية المشكوك فيها الى التفتيش من اجل الحفاظ على الامن .

العرف العشائري والقانون …
لا يقتصر التناقض بين قانون الدولة النظامي والعرف العشائري لهذه المرحلة ، بل يمتد منذ عقود وعقود … فكثير من العشائر لا تكتفي بعقوبات القوانين ، لانها تشعر ان قوتها وهيبتها ستبقى وتكبر بعقوبات العرف العشائري …
والمنادون بإبقاء العرف العشائري يبررون ذلك بثلاثة أسباب :
أولًا .. ما تملكه الأعراف العشائرية من قبول يمكّنها من سرعة التصرف وتدارك الأزمة لحظة وقوع الجريمة .
ثانياً .. فرض العقاب العشائري المناسب والمقنع لعشيرة المجني عليه .
ثالثًا .. انتهاء القضية نهائيًا دون أي نوازع للثأر بعد عقد الصلح العشائري .

لذلك يبقى يتساءل الحقوقيون والقانونيون عن هيبة الدولة ودورها بفرض القانون على الجميع ، وواجبها في حماية حقوق الأفراد وسلامتهم بما فيهم عوائل المتنازعين .

خصائص العشيرة …
يشير الامام علي عليه السلام الى بعض خصائص العشيرة فيقول .. واصلك الذي اليه تصير .. وكذلك عندما سئل الامام جعفر الصادق (عليه السلام) ، يابن رسول الله ايكون من العصبية حب الرجل لاهله وعشيرته وقومه ؟
قال: لا .. العصبية ان تجعل من شرار قومك خيراً من خيار غيرهم .
بهذا المفهوم الاسلامي السمح نعتز بانتماءاتنا ونحب اسلامنا وعراقيتنا ولاننسى ابداً انسانيتنا . فكلكم لآدم وآدم من تراب ، فمن هذا المفهوم البليغ نتيقن بان الاسلام نهى عن التفاخر بالنسب ، فالفضل الموجب للفخر في الاسلام انما هو التقوى ، كذلك يشير الامام علي (عليه السلام ) بوصفه للعشيرة بانها اليد التي يصول بها المرء المنتمي للعشيرة ويعنى بذلك التعبير ان العشيرة هي اليد التي يتمكن من خلالها الانسان ان يكون صاحب قدرة على استيعاب المعضلات والتعامل بما يجعل من تذليلها امرا هينا ، ولذا ينبه الامام علي (عليه السلام) ايضا في كلامه ويقول ان من التصور الخاطىء الذي يظنه البعض ان يكون ذا مال فانه يستغني عن العشيرة ، ببيان كيف تكون العشيرة يد حتى لصاحب المال .
فقد ورد في كلامه (ولا يستغني الرجل عن عشيرته وان كان ذا مال فانه يحتاج الى دفاعهم عنه بايديهم والسنتهم ، وهي اعظم الناس حيطة من ورائه والمّهم لشعثه واعظمهم عليه ان نزلت به نازلة او حلت به مصيبة ، ومن يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض يداً واحدة وتقبض عنه ايدٍ كثيرة) ، وهكذا يكون الامر باكرام العشيرة لكي يكون للشخص قوة في عشيرته تدافع عنه لو اراد الاجنبي التعدي عليه او سلبه حقاً من حقوقه ، اي نصرته في الحالات التي يكون فيها مظلوماً ، ولذا نجد الامام علي (عليه السلام) يصفهم بقوله الى ابنه الحسن (عليه السلام) (فانهم جناحك الذي به تطير) ، وذلك لان من يسعى في الارض لابد له من تحصيل مايكون موجبا للامان بالنسبة اليه ، فمن كانت له عشيرة كان له امان في هذه الارض ، وتتويجاً لاقوال الامام علي (عليه السلام) في خصائص العشيرة والمعطيات التي نراها في الوقت الراهن تداعب بين البر الايماني والتبرير التعصبي السائد للعشيرة . لذا نرى لزوماً ان تنطلق الخصائص برمتها على اساس النشاطات الانسانية التي اتت صافية لاشائبة عليها في ظل الحضارة الاسلامية عندما جعل الله تبارك وتعالى الناس شعوبا وقبائل .
اذن فالخصوصية للعشيرة ان تفاعلت مع قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا) ايه 96 من سورة مريم .
وهي الخصوصية الرائدة والساندة للحضارة الاسلامية في الزمان والمكان والعون الذي لاينضب مادامت الحياة .

وللموضوع بقية إن شاء الله …
والله من وراء القصد .