الببغاء طائر جميل الشكل والصورة واللون، وبعض أنواع هذا الطائر لديها القدرة على ترديد كلام الناس و أصواتهم ويتقنها، وهو بالضبط كالذي حفظ كلاماً لا يعرف معناه،حتى صار تشبيه بعض الناس به كالمثل حيث يقال ( فلان كالببغاء ) ويضرب فيمن ينقل أو يتحدث بكلام أو بحديث لا يعرف معناه أو حقيقته, وهنا تكمن المشكلة التي أصبحت آفة تأكل المجتمعات العربية والإسلامية عموماً والعراقية خصوصاً, فعندما تجد طائر يقلد صوت الإنسان – وهو مجرد تقليد لا يريد منه شيء – أو يتمتع بشيء من الذكاء فهذا أمر طبيعي حيث يعد ذلك نون من أنواع التطور خصوصاً وإنه لا يملك الفكر والعقل والمنطق, لكن بماذا تصف ذلك الإنسان الذي يمثل قمة الهرم بالنسبة للمخلوقات وهو في قمة التطور وهو ينحدر إلى ما دون مستوى ذلك الطائر !! بل الأدهى من ذلك إنه يقلد الأصوات والحركات والأفعال ويصادر كل ما هو عقلي ومنطقي وفكري ويتخلى عن التقليد الممدوح الذي أمرنا به الشارع المقدس ويتبنى التقليد المذموم الذي أمرنا الشارع المقدس باجتنابه والابتعاد عنه.
فمشكلة تقليد الناس لغيرهم من الناس أصبحت آفة تنخر بجسد المجتمع, فما أكثر النماذج البشرية الموجودة في حياتنا حيث وصل فيها التقليد ما فاق الببغاء نفسه، فأضحت شخصياتهم مسخا يجرون وراء التقليد الأعمى، فأصبح لهم عالمهم من الأعياد والاحتفالات والموضات والأزياء وحتى قصات الشعر، بعد أن كنا امة قدوة، نعم تحول كثير منا للأسف إلى ببغاوات مقلدة بعد أن فقدت الشخصيات العربية الإسلامية الراشدة سموها وعلو مكانتها وأصبحنا امة من الببغاوات نقلد غيرنا ولا نعتز بديننا وشخصيتنا, فبعدما كنا أمة تصدر المفكرين والعلماء في كل الجوانب أصبحنا الآن أمة مقلدة في كل شيء, وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد فحسب بل إنعكست هذه القضية حتى مع تعاملنا مع المعلومة التي تطرح أمامنا في الشارع فبدون تحري أو تحقيق عن صحة تلك المعلومة مباشرة نتبناها ونصدق ونعتقد بها لدرجة القطع واليقين وخصوصاً إذا كانت تلك المعلومة فيها تشويه لجهة معينة – سواء كانت سياسية أو دينية أو غيرها – نحن في تقاطع معها أو لا ننتمي لها.
وطبعاً لهذا الأمر له أسباب عديدة منها التأثر بوسائل الإعلام, الإنجرار خلف العاطفة والميل والهوى الشخصي والمذهبي والفئوي, تغييب العقل, والبحث عن المصلحة الشخصية الدنيئة الأمر الذي يجعل بعض الأفراد يتجردون من نعمة العقل ويصبح كالببغاء من أجل حفنة من الأموال, لذلك صار المجتمع الآن هو عبارة عن مجتمع ببغاوات يقلد غيره ولا يتحرى عن الحقيقة ويتعامل مع المعلومة كما وردت من مصدرها ويتبناها دون فحص أو بحث عن دليل عن صحتها, وهذا الأمر في كل النواحي الحياتية وليس بجانب دون آخر وحتى في الجانب الديني الذي يهم الجميع فإن العديد يتعامل مع المعلومة الدينية تعامل ببغاوات دون التأكد من مصدر تلك المعلومة فيصبح متبنياً ومروجاً لها ولصاحبها دون الفحص والتحقيق مادام مصدر تلك المعلومة مزكى إعلامياً, ولهذا تجد إن الفكر المتطرف الإرهابي على سبيل المثال اتسعت دائرته في الدول العربية والإسلامية بسبب التقليد الأعمى وبسبب الإبتعاد عن الدليل والعقل والمنطق, فأصبحت أمة إقرأ ” أمة الببغاوات ” تنعق بما ينعق به بعض الأشخاص ممن له أجندة خارجية أو توجهات خبيثة مسمومة أو مرضى نفسياً استغلتهم بعض الجهات أو الدول لتنفي مخططات معينة.
فحتى لا تكن كالببغاء حكم عقلك وتعامل مع أي معلومة تصل لك بالتحري والتحقيق والدليل الشرعي والعقلي والمنطقي والأخلاقي وإعقل الكلام عقل دراية لا عقل رواية وكما يقول الإمام علي ” عليه السلام ” (بين الحق والباطل أربعة أصابع, الحق ما رأته عينك والباطل ما سمعته أذنك ) وكن مع الدليل أينما مال ميل, لأن في ذلك تحرر عقلي وفكري يقود للنجاة في الدارين.

بقلم احمد الجارالله