الأعراف العشائرية …وما يجري في مجتمعنا حالياً / الجزء الاخير
بقلم: عبود مزهر الكرخي
سنتناول في جزئنا هذا نتائج تفاقم مشكلة النزاعات العشائرية والتي أدت إلى نشوب صراعات بين القبائل والعشائر تم فيها أراقة الكثير من الدماء البريئة ومن اجل مشاكل تافهة لا تستوجب هذا القدر من العنف والدماء التي تنزف والتي هي عبارة عن دماء مضافة تضاف إلى مسلسل نزيف الدم اليومي الناتج من الإرهاب وبالإضافة إلى الدماء الطاهرة التي تنزف في المعارك مع مجرمي داعش وسقوط شهدائنا الأبرار من اجل تطهير العراق من دنس الدواعش وكأن العراق وشعبه يحتاج إلى مزيد من نزف الدماء لتضاف هذه الدماء والتي تنزف من أجل أمور لا داعي لها وتافهة وأن لا يقوم الأدعياء الشيوخ والعقلاء في العشائر ببذل الجهود من أجل حقن الدماء العزيزة على البلد وعلى الشعب وما يحدث في البصرة وباقي المحافظات الجنوبية من ميسان وذي قار هي خير دليل على ما نقول. ونتيجة لتفاقم العنف واسالة الدماء كان لابد من ان ترتفع قيمة الديات نتيجة وصول الخصومات بين الأشخاص وخصوصاً بين الشباب إلى القتل لترتفع هذه القائمة من الديات إلى عشرات الملايين وبالتالي أدى إلى عدم تمكن صندوق كل عشيرة وقبيلة من سد هذه الفصول وبالتالي أدى إلى اختراع طريقة وأسلوب جديد في انه عند حدوث نزاعات كبيرة وفصول تستلزم مبالغ ضخمة ان يتم تقسيم هذا المبلغ على بيوت الموجودين في العشيرة أي يكون حصة كل فرد من البيت الواحد مثلاً(100)الف دينار ولهذا عندما يكون عدد أفراد الرجال في البيت مثلاً(6)يصبح هذا البيت ملزم بدفع(600)الف دينار والمبلغ يكبر مع كبر عائلة هذا الشخص ورب العائلة مجبر بدفع المبلغ لأنه في حالة عدم دفعه سوف تتخلى عنه العشيرة ولا يتم الوقوف معه في حالة حصول أمر يستلزم وجود العشيرة معه لفض أي(طلابة) كما يقال تحدث في المستقبل وهذه المبالغ الكبيرة تشكل عبء كبير على دافعيها وخصوصاً في ظرفنا الاقتصادي الحالي ولكن رب الاسرة وباقي مجبورين على دفعها لأنه كما يقال في المثل( مجبر أخاك لا بطر) ويتم دفعها لأجل اشخاص متهورين وأصحاب مشاكل وكما يقال عندنا (مشكلجية)وهم لا يتورعون عن أي فعل أي شيء ليصل إلى القتل لأنهم يعرفون ان هناك عشيرة تسندهم وتستطيع ان تخلصهم من أي شيء مجرم يقومون به وحتى القتل مع العلم أن حكم القتل العمد يجب أن يعاقب وحسب القانون وحتى في حكم ديننا الحنيف لا يجب إعطاء الدية عنه لأنه في حكم القرآن الكريم أذ يقول {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.(1) يعني لا يوجد حكم شرعي بعدم القصاص من القاتل بل أنه توعد القاتل بعذاب عظيم وجزاءه جهنم خالداً فيها وأخذ القصاص العادل منه في الدنيا قبل الآخرة امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه حيث يقول {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.(2)
ومن هنا نصل إلى حقيقة مهمة وهي أن ما يقومون به أغلب الشخوص من الشيوخ ومعهم حاشيتهم على باطل في كل نزاعاتهم العشائرية وحتى في الأمور الأخرى لأنه يجب ان يأخذ العدل مجراه وأحقاق الحق وأن يأخذ المظلوم حقه وان ما يجري من نزاعات عشائرية وقبلية تصل لحد الدم هي باطلة وحرام لأنه قتال بين مسلمين والله حرم دم المسلم على أخيه المسلم وهذا مانص عليه الحديث النبوي الشريف{كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله}(3) ، وأيضاً {لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم }.(4) ، وكذلك {لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم} (5)ومن هنا فأن قتل المسلم تعتبر من أكبر الكبائر وهو بغي ما بعده بغي في الدنيا.
وقال رسول الله(ص)يوصي الناس: أوصيكم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث أوصيكم بالذكر فإن الله تعالى يقول (فاذكروني أذكركم) وأوصيكم بالشكر فإن الله تعالى يقول (لئن شكرتم لأزيدنكم) وأوصيكم بالدعاء فإن الله تعالى يقول (أدعوني أستجب لكم). وأنهاكم عن البغي فإن الله تعالى يقول (إنما بغيكم على أنفسكم) وأنهاكم عن المكر فإن الله تعالى يقول (ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله) وأنهاكم عن النكث فإن الله جلّ جلاله يقول (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه).(6)
ومن هنا فأن كل مايقوم به الشخوص من شيوخ التسعين وما بعدهم من أتوا بعد السقوط وهم أتعس من هؤلاء هو ليس على حق وهو باطل بالمعنى الأصح وهو يمثل بغي والقوم البغاة هم أسوا خلق الله لأنهم يعملون على أقامه هذا البغى الذي نهانا عنه الله ورسوله كما أسلفنا آنفاً وحنى أشار لهذا نبينا الأكرم محمد(ص) إلى الصحابي الجليل عمار بن ياسر(رض)وقال له في قتله {ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار}.(7)
والسؤال من قتل عمار قتلته الفئة الباغية في معركة صفين وهي اشد الفئات بغياً وكفرا وتفريقاً ممثلة بمعاوية (عليه لعائن الله) وازلامه وجيشه وهنا كان لابد من أيقاف هذا التداعي الذي يحصل في قيم العشائر الأصيلة وأنها لم تبنى فقط على فض الخلافات وإقامة الفصول و(الكوامة)بل هناك واجبات ومهام كبيرة وجسيمة للقبائل والعشائر وخصوصاً في ظرفنا الحالي وما يمر به العراق وشعبه من محن وويلات. والمثير للغضب أنه وصل الأمر لهؤلاء الشخوص من المشايخ ومن لف لفهم أنهم يقومون بالمساومة مع صاحب الفصل وأخذ النسبة في حالة أخذ الأموال من الفصل وهذه النسبة ترتفع مع ارتفاع قيمة الفصل في دلالة واضحة على مدى تدني وانحطاط فيما يقومون به من هبوط في القيم والمفاهيم العشائرية لدى هؤلاء الناس وليصبح الفصل يقام لأتفه الأسباب وحصول فوضى كارثية في هذه الأمور بحيث أنه حصلت معي أن قال لي أحد الشخوص وفي حادثة فريدة أنه يريد أن (يكاوم) زوجتي لأن أبنته قد سقطت في المادة التي تقوم زوجتي بتدريسها وهو شخص يدعي أنه يحمل شهادة عليا ويتكلم بالدين ويدعي التدين وأنه يعرف بأصول العشائر ومفاهيمها عند ذلك ضحكت منه وقال لم تضحك؟ فقلت إنه إذا كنت تعرف ب(سنينة) العشائر كما يقال فأن المرأة لا يتم(الكوامة) عليها وهذه الحقيقة معروفة لدى ابسط إنسان وهذا الشخص يدعي انه من عشيرة عريقة ويلبس اليشماغ والعقال واللباس العربي ولكنه تبين انه جاهل ولا يعرف باي شيء وهناك الكثير من هؤلاء الشخوص الذين ظهروا بعد فترة السقوط ويدعون العلم والمعرفة بأصول العشائر وهم فارغين من الداخل واسميهم امعات هذا الزمن وهذا الحادثة أوردتها على سبيل المثال لا الحصر وهناك الكثير من الحوادث والتي تبعث على السخرية والاشمئزاز مما يحصل في وقتنا من نزاعات وفصول عشائرية ولأسخف الأسباب واتفهها. ولكن أقول إنه صح من قال (من امن العقاب أن من أمن العقوبة أساء الأدب)، ويبدو تقال هذه العبارة لمن يتجاوز حدوده بالتصرف مع أو التعدي على الآخرين دون الخوف مما قد يردعه من عقاب أو حتى توبيخ. وهذه العبارة ليست مطلقة، فالأدب كما تعلمون يختلف ثقافيا من مجتمع لآخر. ولكن في مجتمعنا العراقي أصبحت مطلقة وبدون أي رادع او وازع أخلاقي وديني. ومايحصل من عنف ودم في هذه النزاعات العشائرية هو خير دليل على ما نقوله والدولة وكافة مؤسساتها الأمنية وهذا يعطي مؤشر على مدى ضعف الدولة والقانون فيها.
وقد نادت المرجعية الرشيدة بضرورة الحد من هذا التداعي في المجتمع العشائري حيث وجهت المرجعية الرشيدة وعلى لسان سماحة الشيخ الكربلائي ” الى العديد من الاعراف والتقاليد والممارسات السلبية للعشائر ومخاطر استمرارها، والذي يجهلها البعض او ان يكون في غفلة منها، وضرورة افرازها عن الممارسات الصحيحة المتعارفة عليه بين العشائر، معللا سبب بروز تلك الظواهر السلبية لقلة الوعي وتدني المستوى الثقافي وذهاب سلطة القانون بدرجة معينة. وكذلك أخذ الثأر من عائلة القاتل بدون التثبت من ذلك”. وأضاف ” وانه قد حان الاوان للقضاء عليها نهائيا كونها تصرفات غير اسلامية وغير انسانية على حد وصفه. واوضح الكربلائي ان اولى تلك الظواهر السلبية تكمن بالخروج عن الضوابط الشرعية فيما يسمى بـ “الفصل العشائري”، مشيرا الى ان الشريعة الاسلامية حددت مقادير معينة للديات، وان مخالفة تلك المقادير يترتب عليها مخالفة شرعية وظلم كبير.
ليصل الأمر ان دعت المرجعية الدينية، الثلاثاء، العشائر العراقية الى ضرورة الحفاظ على هيبة القانون، محذرة من خطر “ظاهرة النزاعات” على المجتمع، فيما قدمت وثيقة “أخلاقية” لشيوخ العشائر ليوقعوا عليها ويلتزموا بها أمام الحسين (ع) حفاظا على المصلحة العامة. حيث صرح الشيخ الكربلائي” يجب علينا لحل النزاعات والمخالفات بالحوار والتفاهم ولا يمكن حل النزاعات بالعنف ويمكن اللجوء الى القانون لحل المشاكل”، محذرا بالقول “إذا بقيت هذه النزاعات ستشكل ظاهرة مستقبلية خطير في المجتمع العراقي ونحن نخوض معارك شرسة مع العدوان”. وقال الكربلائي، “يجب علينا البدء بالحوار والتفاهم لحل النزاعات ونوجه أسلحتنا لداعش وليس ما بيننا”. ولكن فيا يبدو انه لا حياة لمن تنادي بالنسبة لهؤلاء الشخوص من المشايخ لأنهم بلا دين ولا مذهب ولا يتبعون المرجعية مع العلم أنه يزايدون في أنهم مسلمين وموالين ويتبعون المرجعية وهذه الثلاث كلها براء منهم ومن افعالهم الدنيئة.
وفي الختام ومن خلال مقالي قد وقفت موقف واضح من هذا صندوق العشيرة القائم على الظلم والباطل والبغي بأني قلت لهم أني لن أقوم بالمساهمة في هذا الصندوق الظالم لأني سوف اصبح شريك لهم في الظلم وهذا ما ذكره الأمام جعفر الصادق(ع) في حديثه حيث يقول {قال الإمام الصادق (ع): (العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به شركاء ثلاثتهم). (8)
مع العلم أني أفتخر الانتماء لعشيرتي وهذه ذات تاريخ ومجيد من الكفاح والقيم العشائرية ومن العشائر الأصيلة التي أفتخر بنسبها وعراقتها ولكن كلمة الحق يجب أن تقال والساكت عن الحق شيطان اخرس كما يقال المثل ولني أريد سلامة ديني قبل دنياي اتخذت هذا القرار والذي طاعة وامتثالاً لأوامر الله سبحانه وتعالى وكما ورد في الحديث النبوي الشريف(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).(9)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [النساء : 93].
2 ـ [البقرة : 179].
3 ـ رواه البخاري ومسلم.
4 ـ وقد ذكره الشيخ العجلوني في كشف الخفاء.
5 ـ رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي .
6 ـ تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله).تأليف الشيخ الثقة الجليل الأقدم أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (رحمه الله)من أعلام القرن الرابع.
7 ـ صحيح البخاري لجهاد والسير – مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله – رقم الحديث: ( 2601 ).
8 ـ جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج ١٣ – الصفحة ٤٢٥. «الوسائل/ التجارة».
9 ـ رواه الإمام أحمد في ( مسنده )، وروى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه. سنن الترمذي » كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم » باب ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ن الحاشية رقم: 1 ص: 298.